|
"هآرتس" تَشلّني و "آمنستي" ترد لي الروح
نشر بتاريخ: 05/02/2022 ( آخر تحديث: 05/02/2022 الساعة: 21:42 )
منى أبو عمارة، سفيرة دولة فلسطين في كندا
كوني فلسطينية، عرفت دوما معنى الظلم وذقت طعم مرارة آلامه على أنواعها، وسأشارككم بعضها. على الرغم من الظاهر المعقد للقضية الفلسطينية، فإن الحل المتعلق بها ما زال قائماً. ذلك الحلٌ الذي تم طرحه على الفلسطينيين منذ عقودٍ خلت وتم قبوله بناءً على ما يمثّله من اجماعٍ دولي. هذا الحل القائم نظرياً على الشرعية والأحكام والقوانين الدولية، والذي تم عرضه بصفته السبيل الوحيد لضمان حل عادلٍ ومنصفٍ لجميع الأطراف. ومع ذلك، نجد أنفسنا اليوم، نحن الفلسطينيون، نكافح لإقناع مبتكري هذا العرض، بتبنيه، واحترامه، وحمايته، ودعمه. لطالما سمعت عن ان مجازر وفظائع، لا يمكن استيعابها، قد ارتكبت ضد الفلسطينيين العزّل على مر التاريخ. سمعتُ قصصا من عائلتي ومن عائلات أخرى، قصصاً تعكس الألم والأسى مع كل حرف يتم سرده. لكن عندما قرأت مقال هآرتس الذي نقل اعترافات بعض الوحوش الاسرائليين الذين اعترفوا بذبح ما يزيد عن مئتي فلسطيني أعزل في الطنطورة ومن ثم الإقرار باستباحة جثثهم و التخلص منها بهذه الطريقة الوحشية، شعرتُ بأن هذه اللحظة هي نقطة تحولٍ في حياتي، نقطة و للمفارقة جمعت بين العجز و الغضب معاً. ◦ لعقود خلت كان هؤلاء الجنود والقادة عديمي الرحمة يعلمون أين ترقد هذه الجثث ومع هذا استمروا هانئين ببناء موقف سيارات فوق رفاتهم. ساحة انتظار مرّ الملايين بسياراتهم فوقها، مشوا وركضوا بحماس عبرها لقضاء وقت ممتع على شاطىء البحر وهم لا يعلمون أنهم يدوسون فوق أجساد مئتي ضحيةٍ قُتلت في واحدة من أبشع عمليات التطهير العرقي لقرية فلسطينية. هل يمكن لهذه القسوة يوماً أن تُفهم؟! هذه السياسات الخفية ذات الطابع الميكافيلي تدل بالتحديد على ماهية الديمقراطية والنظام الإنساني الملتزم بالقانون _ فرضاً _ والذي تعتنقه إسرائيل. على قدر ما أكره الإعتراف بهذا، منذ أن رأت تفاصيل مجزرة الطنطورة الضوء وخرجت للعلن، وانا أمسيت محطمة فكريا. لم أستطع قط تجاوز هذه الوحشية التي أشعرتني بالشلل، كما أن عدم وجود رد يرتقي لمستوى حدث بمثل هذه البشاعة كان أمراً فظا ومُربكاً على كافة الأوجه. إلا أنه بعد تصفح تقرير منظمة العفو الدولية اليوم ومشاهدة مؤتمرها الصحفي، أستطيع القول بأنها ردت لي الروح! أدركت عندها فقط أننا من خلال مشاركة حقيقتنا كضحايا لهذا الإحتلال المقيت سنتمكن من تحد وجوده الملتوي. فقط من خلال التثبت بالحق ونشره في وجه الباطل سنتمكن من كسر هذه الحلقة العفنة من الظلم المستمر مجزرة الطنطورة تمثل قطعةً واحدةً من صورة مروعة ستستمر بالتكشف خلال الأشهر أو السنوات المقبلة على الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها ستبذلها إسرائيل لحجبها، وفي النهاية ستكشف هذه الصورة الحقيقة القبيحة الخفية لتاريخ إسرائيل اليوم أكدت منظمة العفو الدولية من خلال تقريرها على حقيقة مؤسفة أخرى ظل الفلسطينيون يؤكدونها لعقود. مظهرة بذلك ضرورة إيصال صوتنا ومدى أهمية استثمار الدعم لأولئك الذين يقفون مع الحقيقة والحرية و حقوق الانسان. نحن لا نريد اعتذار قد يأت بعد عقدٍ من الزمن، نحن نطالب بالمساءلة، اليوم والآن! لذا تكريماً لأولئك الذين صمدوا في وجه القهر، التمييز والفصل العنصري، علينا أن نقف شامخين صفاً واحداً لإعلاء صوتنا ضد جرائم الاحتلال. وتكريما لأولئك الذين دُفنوا في المقابر الاسرائيلية الجماعية المروعة، سوف نروي قصصهم وقصصنا، سنروي نكبتنا! وعلى الرغم من أن الأمور قد تبدوا كئيبة وسوداوية، إلا أننا يجب أن نمضي قدما، وعلينا عدم الالتفات نحو أي تشويش أو إعلام مضلل أو ترهيب. لأن كشف الوجه الحقيقي للاحتلال هو أهم خطوة نحو طريق دحره. ومن يعلم، لربما كنا أقرب لذلك مما نتوقع. |