|
وادي غزة.. هل يصبح الحلم حقيقة؟!
نشر بتاريخ: 08/02/2022 ( آخر تحديث: 08/02/2022 الساعة: 18:50 )
محمود جودة يعيش أكثر من 2 مليون إنسان في مساحة جغرافية لا تتعدى 365 كيلو متر مربع، ويعتبر البحر المتوسط بطول 40 كيلو متر هو المتنفس الوحيد للناس في القطاع، فلا توجد مساحات خضراء ومتنزهات كافية ومؤهلة لكي يتنزه فيها الكبار ويلهوا فيها الصغار، حتى هذا البحر أغلب الوقت يمنع فيه السباحة بسبب التلوث الذي يصيبه جراء ضخ المياه العادمة فيه ، مما يحرم السكان من مساحة الترفيه الوحيدة في قطاع غزة، ومن خلال مشروع الحفاظ على الأراضي الرطبة الساحلية في وادي غزة وتنميتها، بدأ الأمر بالتغير، لقد أصبح الوادي نظيف بنسبة كبيرة جراء مشروع معالجة المياه العادمة قبل ضخها في البحر، وعادت مياه البحر إلى صفائها القديم، لا أقول أن الأمر أصبح على ما يرام، لكن هناك تحسن ملحوظ يراه الناس ويشعرون به، خاصة الأهالي جيران الوادي الذي استطاعوا أخيرًا من فتح شبابيك منازلهم التي بقيت مغلقة لسنوات بسبب الحشرات والرائحة الكريهة المنبعثة من مجرى الوادي سابقًا. الحياة في قطاع غزة مختلفة تمامًا عن الحياة في مناطق أخرى من العالم، الاختلاف هنا يأتي من الجغرافيا بالتحديد، ومن الحصار الذي بني أساسًا ليتلائم معها، فلن تجد شخصًا في العالم لا يعرف شكل النهر، أو الباخرة، أو القطار أو السير في الوادي والتمتع بمناظره الخلابة، هنا المانع ليس الفقر بحد ذاته وهو موجود هنا بكثرة، بل المانع هو إهمال الوادي الوحيد في قطاع غزة. نظم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي برنامج مساعدة الشعب الفلسطيني UNDP/PAPP بتمويل من الحكومة النرويجية ضمن أنشطة حملة التوعية بأهمية وادي غزة مسير من مجموعة من الشباب والشابات في وادي غزة، من أجل تسليط الضوء على التغييرات الحاصلة فيه والتي تهدف إلى إعادة تأهيله ليصبح محمية طبيعية حقيقة تُمكن أهل غزة من التعرف على الحياة الطبيعية وكل ما فيها من أسماء ومفردات لطالما سمعوا بها ولم يلمسوها أو يشعروا بها على أرض الواقع مثل كلمة "وادي" تلك الكلمة بحد ذاتها وبما توحيه من تضاريس وأشجار وحيوانات وطيور، وسماء وهواء هي عالم كبير نجهله تمامًا كمواطنين نعيش في قطاع غزة. أذكر أنني أول وادي رأيته قبل 10 سنوات حيث كان عمري حينها 27 عامًا، وقتها جلست في حالة ذهول كبيرة، بدأتها من وقت صعودي للطائرة، ونزولي منها، رأيت القطار لأول مرة، والباخرة، والأبراج الشاهقة، والمسارح والناس المختلفة، كل شيء كنا نراه في الصور وعلى التلفاز شاهدته على أرض الواقع، وهناك أشياء رأيتها بالطبع لكنني لن أخبرك عنها! لقد سرنا في حرم الوادي مسافة 3 كيلو متر، من أصل 9 كيلو هي نصيب قطاع غزة من الوادي البالغ طوله 90 كم، والذي يمتد من جبال النقب والخليل حتى مصبه في البحر المتوسط في منطقة الزهراء. بقي الوادي يتمتع بالتنوع الحيوي حتى أواخر ستينيات القرن الماضي، تم منع وصول مياه الأمطار من أودية مثل الشعرية والرشراش والسَّموع والخليل، وتُقدّر كميتها بـ 25 إلى 30 مليون متر مُكعب خلال فصل الشتاء وما بعده، من التدفُّق نحو الوادي وتغذية الخزان الجوفي للقطاع كما ذكر الدكتور أحمد حلس رئيس المعهد الوطني للبيئة والتنمية. شكل هذا كله عائق كبير في وصول مياه الأمطار لوادي غزة، مما تسبب في جفافه طوال العام وتحوله إلى مصرف للمياه العادمة التي حولت المنطقة كلها إلى مكرهة صحية مؤذية للسكان وللمارين من جانبه، من خلال ضخ ما يقارب 25 ألف متر مكعب من المياه العادمة بداخله، وحيث يُعمل الآن على معالجة تلك المياه من خلال محطة المعالجة المركزية شرق البريج ويجري إعادة ضخها في مجرى الوادي مما شكل فارق كبير في بداية عودة الحياة البرية للوادي، وإعادة الأمل بأن شيئًا ما ينجح على أرض الواقع في قطاع غزة المحاصر، وأتمنى أن يستمر ذلك النجاح وتتحقق المراحل الثلاثة المُعدة ضمن خطة تطوير الوادي. لقد كانت رحلة ناحية الأمل، فكم سعدت وأنا أستمع للمرشدة التي تحدثت عن الوادي وتاريخه والحضارة التي قامت على جوانبه في العهود القديمة، وإلى سكانه الكرام الذين رحبوا بنا أعظم ترحاب، فأقيمت هناك خيمة بدوية اجتمعنا فيها وتحدثنا طويلًا عن مستقبل الوادي ودورنا في دعم هذا المشروع الكبير، وتعاونا في إعداد الطعام مما جادت به أرض الوادي من خيرات، فصنعنا الطعام بكل سرور وأكلنا ونحن ننظر إلى الأيام التي سوف تجمعنا مرة أخرى في نفس المكان وقد تحول الحلم إلى حقيقة. ومما أسعدني بشكل خاص هو وجود من يبحث عن مستقبل هذه البلاد وأطفالها، فما أحلى أن يتحقق هذا المشروع الكبير ويصبح لدى الناس هنا ما يروح عنهم ويعلم أطفالهم معنى الحياة والطبيعة والمقاومة بالبقاء والتنمية من خلال إنشاء مجلس خدمات مشترك لتخطيط وتطوير وحماية وادي غزة كمحمية طبيعية، تواصلًا مع إدراج الوادي ضمن قائمة اليونسكو الأولية لمواقع التراث العالمي كونه لا يزال يحمل مقومات المحمية الطبيعية، في حال عودة جريان المياه النظيفة من الأمطار فيه. |