|
باقي متر واحد فقط!
نشر بتاريخ: 09/02/2022 ( آخر تحديث: 09/02/2022 الساعة: 15:56 )
بهذه الجملة اختارت وسائل الإعلام العربية والعالمية ومعها ناشطو الإعلام الاجتماعي، طمأنة المتابعين لمأساة الطفل المغربي ريان، بقرب انتهاء محنته، ليفاجئنا القدر بوفاته، بعد أن عانى، حسب تقرير الطبيب الشرعي من كسور قاتلة. ولو كنا قد تعاطفنا جميعاً مع ريان الشهيد، بعد أن عشنا في فلسطين أكثر من 40 مذبحة إسرائيلية قادت لاستشهاد آلاف الأطفال، فإن هذه التجربة قد استحضرت حتماً حرقة الشعب الفلسطيني، أمام انتظاره لمن ينقذ أطفاله في مترهم الأخير، وانتظار الإغاثة العالمية في كل محطات المواجهة العربية الإسرائيلية. معركة المتر الأخير لم تقتصر على المغرب، بل باتت السمة الأهم في عالم السياسة وحياة البشر ومساراتهم اليومية على ما يبدو. فبعد أن عاشت العاصمة الكازاخية نور سلطان مترها الأخير قبل أسابيع، مع قرب سقوطها أمام وقع الاحتجاجات الشعبية، انقشعت الصورة بفعل التدخل الروسي السريع والحاسم. وما أن حسمت الجبهة الكازاخية أمرها، اشتعلت جبهة أوكرانيا على طول امتداد حدودها مع روسيا وروسيا البيضاء، ليعيش العالم تناحراً عالمياً متجدداً عنوانه، السيطرة والغاز والهيمنة، حتى عدنا اليوم إلى المتر الواحد المتبقي من اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، حسب التقارير العسكرية والعالمية المتتابعة. ففي صبيحة كل يوم تطالعنا هذه التقارير بآخر أخبار الحشود العسكرية المتدفقة إلى الجبهة، لتنذرنا بقرب ساعة الصفر، وانطلاق مسير الدبابات نحو العاصمة الأوكرانية كييف. وكأننا أمام فصولٍ لمشهدٍ دموي تكتمل فيه مقومات الهجوم ساعةً بعد ساعة، وإنشاً بعد إنش، وصولاً إلى المتر الأخير. ومع انشغال العالم بالملف الروسي الأوكراني اليوم، يستمر الدفع باتجاه متر واحد جديد، يسير حالياً بصورة توتيرية متصاعدة، ويرتبط بالصين وتايوان، حيث تهدد الأولى بضم الثانية في حال أعلنت أمريكا، الاعتراف رسمياً باستقلال تايوان، وهو ما يأتي في إطار مساعي أمريكا بشتى السبل لوقف تألق التنين الصيني واكتساحه لاقتصاد العالم وتطوره الملحوظ في برامجه المفصلية النوعية ومنها، قرب الإعلان عن إعادة إحياء طريق الحرير، وما سيعنيه هذا التطور من مزيد من الحضور الدولي والاستراتيجي. وأمام الأمتار العالمية، تقترب القدس من مترها الأخير مع استمرار إسرائيل في خطة التهويد الممنهجة عبر هدم البيوت في الشيخ جراح، وسرقة البيوت في سلوان واقتحام المسجد الأقصى، واستمرار الحفريات تحته أملاً في انهدامه وتدميره. ويضاف إلى هذا الجهد الاستقوائي الاستعلائي المتغطرس، استمرار إسرائيل في سرقة الأرض، واستهداف الناشطين وبناء المستوطنات وتوسيع الضم وتنفيذ الجيل الثاني من صفقة القرن، أمام عجز مستفحل ومتصاعد للإدارة الأمريكية. المهم أن القاسم المشترك الأعظم بين أمتار العالم الوحيدة الباقية أنها جميعاً لن تتمكن من التقدم إلا وتواجه بالدم، فالحرب لا تحسم الجغرافيا، فحسب وإنما تتسبب في إسالة الدماء مهما بلغت من دقة تقنية وتطور تكنولوجي. لذلك فإن مسارها ربما يكون كما مآل متر ريان الأخير… الموت والأحزان عند أي من الطرفين المتقاتلين، أو الاثنين معاً، فمتى يعيش الاحتلال الصهيوني متره الأخير؟ |