|
ما الذي يجري في رام الله؟
نشر بتاريخ: 14/02/2022 ( آخر تحديث: 14/02/2022 الساعة: 10:33 )
د. محمود الفطافطة في ظل الزيادة المهولة بعدد المركبات في مدينة رام الله مقابل غياب التخطيط السليم للطرق وتوسيع أو فتح المزيد منها فإن هذه المدينة ستتحول في المدى القريب إلى حيزٍ جغرافي تتطاير منه بواعث سلبية صوب بيئات مختلفة سواء أكانت اجتماعية أو صحية أو بيئية أو نفسية أو اقتصادية. وكما يرى علماء البيئة فإن للتطور الصناعي والعمراني ثمن تكون في الغالب البيئة وأناسها هم الضحية. هذا القول يمكن أن يندرج على مدينة رام الله الذي يرى بعض الخبراء مثل جورج كرزم أن هذا التطور اتجه نحو الأسوأ، حيث كانت هذه المدينة قبل ثلاثين عاماً معروفة بمساحاتها الخضراء وحدائقها الجميلة وأشجارها ونباتاتها المتنوعة، ولكن خلال السنوات العشرة الماضية تحديداً، تدهور وضع المدينة البيئي بشكل خطير لأسباب عديدة. أبرز وأخطر هذه الأسباب يمكن إجمالها في: النمو السكاني الكبير الذي شهدته مدينة رام الله، فبعد أن كان عدد سكانها لا يتجاوز ألـ 18 ألف نسمة في العام 1997تزايد إلى 30 ألف نسمة في العام الحالي، أي بزيادة قدرها 55% خلال تسع سنوات فقط. هذه الزيادة العالية جداً، وفي غضون سنوات قليلة ،كان لا بد لها من إحداث تحولات ومظاهر واسعة في هذه المدينة، فمثلاً تضاعف عدد السيارات والمصانع بوتيرة عالية وسريعة، ما أدى إلى ازدياد استهلاك الطاقة، لا سيما البنزين الذي فيه مستويات عالية من الرصاص ،أو السولار الذي يحتوي على كميات كبيرة من أكاسيد الكبريت الخطيرة في مجملها للإنسان والحيوان والنبات، مع الملاحظة هنا أن عدد لا بأس به من السيارات في المدينة لا سيما منذ العقد السابع من القرن الماضي هي سيارات قديمة وتستخدم مثل هذه الأنواع القليلة الجودة والضارة من الوقود. ولتبيان خطورة هذا النمو السكاني الذي صاحبه نموا في تلوث بيئة ومناخ المدينة تشير تقديرات إن كمية الرصاص الناتجة عن احتراق الوقود من المركبات في مدينة رام الله بلغت في العام 2004 قرابة 1300 كغم ،بينما قدرت في العام الذي سبقه ب1000 كغم ،أي بزيادة نسبتها 21 % ، علماً انه في منتصف ثمانينيات القرن الماضي كانت نسبة الرصاص المنبعث من عوادم السيارات في كافة محافظات الضفة الغربية لا تتجاوز الألف كغم .وكذلك الحال لأكاسيد الكبريت الموجودة في وقود الديزل ،حيث قدرت نسبتها في العام 2005 بـ 1000كغم، في حين قدرت في السنة التي سبقتها بزهاء 780 كغم ،أي بزيادة تقارب ألـ 40% .. كل هذا يعني أن المواطن الفلسطيني لا يستنشق هواء طبيعي بقدر ما يستنشق غازات محترقة، ملوثة، وخطيرة جداً كانت ولا تزال سبباً مباشراً أو غير مباشر لظهور وانتشار الكثير من الأمراض والعلل المزمنة، كمرض السرطان وبأنواعه المختلفة والقاتلة، وكذلك أمراض الدماغ والكليتين والجهاز التناسلي، وما إلى ذلك من أمراض خطيرة ومستعصية كان ضحيتها ولا يزالون الأطفال. وكمثال واضح على خطورة هذه المواد في مدينة رام الله، خصوصاً خلال السنوات العشرين الماضية، جاء في دراسة أعدتها سلطة جودة البيئة أن عدد الوفيات في محافظة رام الله بسبب الأمراض السرطانية بلغت 86 حالة، تعادل 11% من إجمالي الوفيات في المحافظة، كما أن الدراسة ذاتها بينت أن 10 % من أطفال المحافظة يعانون من مرض الربو والذي أحد أهم مصادره هو تلوث الجو والبيئة بمواد خطيرة بل وقاتلة. كذلك؛ فإن بنايات المدينة لم تسلم هي الأخرى من مخاطر هذا التلوث، فالذي يحدق بعينيه إلى البنايات الواقعة بوسط هذه المدينة أو المحيطة بها يلاحظ بوضوح "السخام الأسود" الذي أصبحت هذه البنايات تأخذ لونها الأسود أو الرمادي الغامق بسبب هذا التلوث. حتى لا تتحول رام الله إلى مدينة بلا أكسجين وتخنق ما فيها وتضر بصحتهم وتضعف قوى إنتاجهم لا بد من تقليل استخدام السيارات للمسافات القصيرة، مع التركيز على أهمية الوعي والتربية في استخدام أدوات ووسائل صديقة للبيئة، وتشجيع وسائل النقل العامة (الباصات)، إلى جانب ضرورة قيام المؤسسات المسؤولة في المدينة بوضع دراسات علمية، وواقعية تساعد في القضاء على ممارسات مجتمعية غير سليمة للبيئة من جهة، وتضع خطط ومشاريع تزيد من تطور المدينة وتقدمها مع الأخذ بالاعتبار سلامة المواطن وصحته من جهة أخرى. |