وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

التواضع خلق وتميز لا يقدر عليه إلا العظماء

نشر بتاريخ: 24/02/2022 ( آخر تحديث: 24/02/2022 الساعة: 21:30 )
التواضع خلق وتميز لا يقدر عليه إلا العظماء

د. سهيل الاحمد

فهو من مظاهر الإيمان، والمعاني الحسان، والتطبيقات التي تلزم نجاح الرسالات، وعمل الإدارات للمراكز المتعددة والمؤسسات، وبه يتصف العلماء ومن طلب الرفعة عند رب السماوات، فمن تواضع لله تعالى رفعه، ومن عمد إلى احترام القدرات والاختلافات نفع، ووقع أثره الصالح، وابتعد عن الوصف بما فيه الخسران والمفاسد، وقد قيل: "حرس الله عباده المؤمنين بالصلوات والزكوات ومجاهدة الصيام في الأيام المفروضات تسكينا لأطرافهم وتخشيعاً لأبصارهم وتذليلاً لنفوسهم وتخفيضاً لقلوبهم إذهاباً للخيلاء عنهم ولما في ذلك من تعفير عتاق الوجوه بالتراب تواضعاً، والتصاق كرائم الجوارح بالأرض تصاغراً "، وهنا يأتي النصح وتقديم المكاشفة بالقول: "فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس إذ أحبط عمله الطويل وجهده الجهيد واستعيذوا الله من لواقح الكبر كما تستعيذون من طوارق الدهر فلو رخص الله في الكبر لأحد من عباده لرخص فيه لخاصة أنبيائه ورسله ولكنه سبحانه كرّه إليهم التكابر ورضي لهم التواضع"، وفي الأثر: إن في السماء ملكين موكلين بالعباد فمن تواضع لله رفعاه ومن تكبر وضعاه"، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد الناس تواضعاً، وفي ذلك: كان إذا دخل منزلاً قعد في أدنى المجلس حين يدخل، وكان في بيته وفي مهنة أهله، يحلب شاته، ويرقع ثوبه، ويخدم نفسه، ويحمل بضاعته من السوق، وكان يجالس الفقراء، ويواكل المساكين، وما أخذ أحد بيده فيرسل يده حتى يرسلها الآخر، وكان يبدأ من لقيه بالسلام، ويباديء أصحابه بالمصافحة، ولم ير قط مادّاً رجليه بين أصحابه، يكرم من يدخل عليه، وربما بسط له ثوبه، ويؤثره بالوسادة التي تحته، ولا يقطع على أحد الحديث، وكان أكثر الناس تبسماً وأطيبهم نفساً، حيث كان متواضعاً في غير مذلة، فطوبى لمن تواضع في غير مسكنة، ومن امتثل قول الله تعالى: وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، وإنما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق، ففي الحديث: عليكم بمكارم الأخلاق فإن الله عز وجل بعثني بها، وهنا يفهم أن من أراد القبول والبعد عن عوامل الهدم للفروع والأصول لزمه احترام علمه، والاهتمام بالعناصر الموجدة للبركة في ذلك، فلا دوام للماديات إذا لم يحرص فيها على الكرامات والمظاهر المعنوية التي قد تقل أو تضعف إذا انتفت الأخلاق وتجنب الناس خلق التواضع، أو أن القناعة قد اكتملت لدى العاملين والعلماء أن الوصول لأعالي المراتب قد حصل، وبالتالي فلا حاجة لخلق أو اهتمام بإرساء قواعد الاحترام، وفي هذا خسارة واضحة لأنه "إذا مات ابن آدم؛ انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"، ولا يتحصل هذا الذي ينفع الناس إلا بالاهتمام بالخلق والبركة وإرساء مظاهر التواضع من الناحية النفسية والعلمية والتطبيقية بين الناس عامة والعلماء خاصة.