|
اعتذار مستحق!
نشر بتاريخ: 09/03/2022 ( آخر تحديث: 09/03/2022 الساعة: 09:54 )
بقلم: د. صبري صيدم
عذراً لمن لم تلده أمه أشقر الشعر أبيض البشرة أزرق العينين، فهو لا يستحق احترام اللاجئ المتحضر، كما يقول البعض من غلاة البشر، ليجد نفسه أمام واقع مرّ يسعفه القدر فيه بخيمة حدودية دونما تدفئة أو غذاء أو أمان، أو حتى كسرات خبز تنقذ جوع .
وعذراً لمن لجأ من الشرق الأوسط وافريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، فوجد نفسه دونما وثائق أو حماية قانونية أو مقومات إنسانية وتعليم وصحة، فيواجه الصعاب والمحن إلى أن يشتد عوده، فيزدان فخراً بأن يستطيع يوماً أن يتجاوز الجوع والركوع ليقف على ساقيه، ويحدث أبناءه عن آلامه ذات يوم، لكن ضنك العيش لا يمهله كثيراً فيموت مستعجلاً، فيسوق البعض مبررات وفاته من دون أن ينظر إلى سجله التشردي الحافل، وقهره الوجداني الخارق، وضغط قلبه الحارق وجروح جسده الغارق بالألم والوجع والانكسار.
عذراً لمن نسي العالم أن لديه حضارة منهوبة لا تبعد عن المتنمرين عليه اليوم في عواصم النسيان، سوى عشرات الأمتار في بعض الأحيان، لتجد في متاحف التاريخ المسلوب سيف النبي محمد (ص) وحذاء المسيح عليه السلام وتماثيل نبوخذ نصر وآشور، وعربات فرعون ومسلاته، وأواني آرام، وزجاج الفينيق، ونتاجات الكنعانين، وخرائط صلاح الدين، ومخططات أهرامات المكسيك، وأوراق النوبيين والخمير الحمر والتاميل ورسومات المعابد ووثائق كنيسة المهد والقيامة، والمعدات الأولى لحفر مناجم الماس في جنوب افريقيا وخرائط البربر والأمازيغ والمايا والبشتون، ونسخ العهدة العمرية، ومجسمات بوذا ونفائس البحر الميت وحجارة سور الصين العظيم والقائمة لم ولن تنتهي.
عذراً للمرأة الفلسطينية التي عاشت 90% من مذابح الشرق الأوسط في قائمة مواقع وأماكن لن يتسعها مقال واحد، لكثرة تفاصيلها ومعها أمهات قضين من جنسيات مختلفة فجعن واغتصبن واحترقن وقتلن وبكين وانفجرن وانقهرن واحترقن، لأنهن لم يمتلكن لون الجلد والعينين والشعر المطلوبين ليهتم بهن العالم.
وعذراً للاعب كرة القدم محمد أبو تريكة وقائمة من نجوم كرة القدم ومشاهير الأزياء والفن والإعلام، كديدي حديد وقائمة من العارضات والفنانات وناديا لطفي ومعها قائمة من الممثلات العربيات المتعاطفات، والفنانة فينيسا ردغريف ومعها قائمة لن تنتهي من الممثلات العالميات المتعاطفات أيضاً، وغيرهم الآلاف ممن تعاطفوا مع فلسطين وأطفالها المغدورين قسراً في غزة وقبيا وكفر قاسم والقدس والقائمة لن تنتهي من مواقع الوجع.
وعذراً لسياسيين قالوا كلماتهم فوجدوا أنفسهم أمام النار فأجبروا على تغيير المسار وتقديم أوراق ومواقف الولاء والطاعة بين الحين والآخر تجنباً لحرقهم سياسياً ومعنوياً.
عذراً لكل طفل أحرق، وامرأة اغتصبت، ورجل ذبح، وشاب غرق، وبلد قصف، وشجرة اقتلعت، وعجوز قهرت، وعاصمة دمرت، ومنزل هدم، وقائد قهر وبترول سلب وشواهد دنست، وجثث احتجزت، وبيوت نهبت، فقط لأنهم لم يمتلكوا بالنسبة للبعض حق التعاطف والاحترام والشفقة والإسناد، فالعنصرية في اللجوء والجوع والتشرد، كما بدا واضحاً في الأيام القليلة الماضية، لا تقل حجماً عن عنصرية الاستفادة من حقوق امتلاك المال والثروات الجوفية والتاريخية والثقافية.
المشكلة فيمن سيقدم الاعتذار، هل الساسة المخطئون الذين ينتظر البعض استفاقتهم؟ أم العسكريون الذين قتلوا ونكلوا ودمروا واغتصبوا باسم الحرية؟ أم البحارة الذين تقرصنوا وتمختروا وغزو؟ أم الطيارون الذين قصفوا وفجروا وحرقوا وشردوا؟ أم المفكرون الذين شرعنوا وبرروا وفسروا وهللوا للموت؟ أم المدرسون الذين أخطأ البعض معهم في تدريس الحضارات والتاريخ والقيم والسلوك؟ أم تجار الحرب والسلاح الذين أمدوا ومولوا حروب البشر على البشر؟ أم مصانع السلاح وسادتها وتجارها، ممن بحثوا عن حروب حققت استدامة مصانعهم وتصنيعهم لكسب المال واتخام الجيوب وتضخيم العائدات؟ أم البرلمانيون الذي وفروا القرار والدعم والإسناد أو حتى السكوت والتواطؤ على جرائم الحرب أياً كانت؟ أم رجال الدين ممن تطرفوا وبرهنوا وقدموا سيلاً من العقائد القاتلة، والحجج الباهتة، والتبريرات الساقطة التي مهددت وباركت مسارات الألم؟
أخشى أن لا تجد البشرية من أرباب الحروب والجريمة وصناعاها من يفيق ويعتذر بينما يصر هؤلاء المتعجرفون والمتعالون والقتلة على تحميل طرف بعينه مسؤولية الخطأ في التقدير والإصرار على الوجود في مساحات الدمار، ألا وهو الإنسان ذاته الذي سحق تحت جنازير دباباتهم وصواريخهم ونزواتهم وجرائمهم!
|