وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

شعب للتصدير!

نشر بتاريخ: 16/03/2022 ( آخر تحديث: 16/03/2022 الساعة: 09:46 )
شعب للتصدير!



بقلم: د. صبري صيدم

لم يعد هناك داعٍ للمزيد من الأدلة لتوصيف العنصرية المطبقة التي تمارسها بعض دول العالم في تعاملها مع فلسطين، في كل الاتجاهات، سواء تلك المرتبطة بعدم تطبيق القانون الدولي، أو تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، أو توفير سبل الدعم المادي والمعنوي، وصولاً إلى الدعم الإعلامي من عدمه، والتعاطف الإنساني من عدمه، وهما اللذان باتا يخضعان أيضاً للخوف والارتعاد من مواقف الاحتلال وتأثيراته.

وفي خضم هذه الحال تعود بي الذاكرة لمقولة طرحها الدبلوماسي المرموق عفيف صافيه ذات يوم، التي قال فيها بأن الفلسطينيين ليسوا ابناءً لرب أقل قداسة من الرب الواحد الأحد، مؤكداً على أننا كفلسطينيين إنما نمتلك الحقوق ذاتها التي يمتلكها البشر، ما دمنا نعبد الرب ذاته، ونؤمن به جلّ جلاله. وربما تدفع أحداث اليوم وأمام صلافة المحتل إلى تولد القناعة لدى البعض بأن الفلسطينيين إنما ينطبق عليهم ما هو أقل مما أورده السفير المخضرم، في تعبير واضح عن حالة الضيق القائم.

الواقع مختلف تماماً لما يعتقد به البعض، فرغم تقاعس التعاطف الرسمي، إلا أن حجم المؤازرة الشعبية العالمية، إنما يتزايد ليس فقط بفعل ازدهار الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي ومنصاته الرقمية المتعددة، ووضوح حقيقة الاحتلال الإسرائيلي، وإنما أيضاً في إطار مراقبة الجميع لما يدور، واطلاعهم الواضح على تلك الازدواجية، وتفاقم الشعور العالمي، بأن ما يجري لا يعبر عن أي نوع من أنواع العدالة.

سبعة ملايين فلسطيني يعيشون اليوم من البحر إلى النهر في إطار غلبة عددية على الإسرائيليين وبواقع مئتي ألف نسمة تحاول الحكومة الصهيونية وصناديقها ووكالاتها تعويضها، عبر استيراد مجموعة من اللاجئين لردم هذه الهوة، التي تقض مضاجع الإحصائيين والساسة في دولة الاحتلال.

المفارقة في الأمر أن الاحتلال بات يتظاهر ضد الاحتلال، وبات يستقدم اللاجئين من ويلات الحرب القائمة ليعطيهم ما قد حرم الفلسطينيين منه لعقود طويلة، من مسكن وتوطين وحماية قانونية وحقوق معروفة. الاحتلال بات وسيطاً لإنهاء الحرب، بينما ينسى حربه التي أعلنها على فلسطين قبل ثلاثة أرباع قرن، الاحتلال بات ساعياً لوقف إطلاق النار، بينما يستمر تدفق نيرانه في وجه الفلسطينيين.

الاحتلال يرفض الاحتلال ويمارسه، يرفض التهجير ويمارسه، يرفض القتل ويمارسه، يرفض الحصار ويمارسه، يرفض التفرقة ويمارسها، كما يرفض العسكرة ويمارسها، إضافة إلى ادعائه برفضه للظلم بينما يمارسه وفي كل اتجاه. السؤال الذهبي الأهم: بعد كل هذا الانفصام السياسي، وبعد ما تراكم من عدوان وقتل وتهجير ومصادرة وتفريق وتمزيق وأسر واعتقال واستباحة لعقود، ماذا سيفعل بـ7 ملايين فلسطيني يتحدون جبروته على الأرض: يصّدرهم؟ يرحلهم؟ يأسرهم؟ يقتلهم؟ أم يعول على هجرتهم؟

أياً كانت خيارات المحتل المرئية والمستترة، فإن النكبة وما رشح عنها من تهجير قسري لن يتكرر، لأن الفلسطيني لم ولن يموت، ولم ولن يترك أرضه، ولم ولن يهاجر، ولم ولن يتخلى عن ذرة تراب من وطنه. ولعل في بقائه على ركام منازله المهدومة لعبرة لمن لا يعتبر.

وعليه فإن ظلم اليوم لن يكون على حاله غداً، كما أن تصاعد الدعم الشعبي الدولي، وتنامي الشعور الرافض للاحتلال وعنصريته ورفض تواطؤ البعض معه وعنصريته الذاتية، لن تدوم هي أيضاً طالما أن هناك حقا وراءه مُطالب.

لذلك فإن حروب الشعوب التي تذكّر العالم بحق الفلسطينيين الذي تأخر وما يصاحبها من ترحيل وتهجير ومآسٍ، لا بد أن تفاقم الشعور باختلال التوازن في التعامل مع قضية الشرق الأوسط، فالآدمية لا تتجزأ والحقوق لا تتلون والعدالة لن تموت طالما هناك من يرفض التزام الصمت.

إن تصدير الفلسطيني أو قتله أو سرقته، سعياً وراء وأد إرادته، لن يكون أمراً مجدياً مهما طال الزمن، ومهما تنوعت أشكال التنكيل وألوانه، لذلك على الاحتلال أن يفكر ملياً بالسبعة ملايين فلسطيني وما يعادلهم في الشتات ومن معهم من مؤيدين ومناصرين ومؤازرين، كيف سيتعامل معهم؟ بالكبت؟ بالتجبر؟ بالتكميم؟ الجواب الأصح، أنه لن يمتلك إلا خياراً واحداً وهو رد الحقوق لأهلها، وإن غداً لناظره قريب!