|
التشبث بالصعود الصيني مدخل محتمل للاستفادة من الحرب الأوكرانية الروسية
نشر بتاريخ: 18/03/2022 ( آخر تحديث: 18/03/2022 الساعة: 21:00 )
ناصر دمج
لنساهم في صناعة الفرق التاريخي الكامن في صميم اللحظة الراهنة ينطوي الحياد الصيني على حيلة استراتيجية بالغة الذكاء، ضمن نهج تعاطي هادىء وبناء، ومجير بالكامل لصالح استراتيجية الصعود الصيني المبنية على المنافسة الاقتصادية والتجارة الحرة، وتعبئة الفراغ السياسي، والاستثمار في الحروب والنزاعات الدولية ومساعي السلام الكونية، ويستدل على ملامح هذه الرؤية من خلال ثلاثة مؤشرات، وهي:-
1- عدم القبول بإدانة العملية الروسية في أوكرانيا. 2- تقديم مساعدات إنسانية عاجلة للجمهورية الأوكرانية، بقيمة مليار دولار. 3- تحميل الولايات المتحدة كامل المسؤلية عن بدء الحرب، والتضحية بالشعب الأوكراني من أجل مصالحها المتمثلة بتدمير الاقتصاد الروسي.
توضيح تحتل الحرب الروسية الأوكرانية أهمية كبيرة، نظراً لأهمية الدولتين وموقعهما في العالم، والعلاقات السياسية والاقتصادية المتشابكة التي تربطهما بالمجتمع الدولي، والفرص الخارجية لأطراف الصراع التي تتعدى جغرافيا أوروبا الشرقية، لتتحكم في موازين القوة الخارجية؛ لهذا فإن انعكاس ما يحدث من مواجهات على الواقع الدولي أصبح أمراً مؤكداً منذ البدايات الأولى للأحداث، ويظهر ذلك من تداعيات الحرب وانعكاساتها المختلفة، ومن المتوقع أن يكون لها دور في صياغة موازين القوى الدولية، وإعادة توزيع المصالح والثروات في العالم، بما يتناسب مع نتائج الحرب.
لهذا يمكن القول: بأن التحضير الروسي لهذه الحرب، بدأ عام 2014م، أي بعد ضم شبه جزيرة القرم، الأمر الذي مكن الروس من تقدير مبكر لردة فعل الغرب على ما سيقومون به تجاه أوكرانيا مستقبلاً، وهو في أسوء حالاته لن يتجاوز العقوبات الاقتصادية الموسعة وفقاً للتقدير الروسي الاستراتيجي. وهنا وجد الروسي نفسه مضطراً للتشاور مع الصين، لمعرفة رأيها، وهو ما تم التعبير عنه بتوقيع اتفاقيتين جديدتين بتاريخ 4 شباط 2022م، طالت الجوانب الاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية، والتعاون الرقمي، وإطلاق مشاريع البنية التحتية الداخلية والمشتركة، وتعزيز قطاع المشاريع المالية المشتركة، والنفط والغاز الطبيعي، بالإضافة لمشاريع الممرات البرية والبحرية كمشروع ممر بحر الشمال، كما ازداد التعاون بينهما سواء على المستوى الثنائي أو في الأطر الإقليمية والدولية التي ينتميان إليها.
وأسس هذا التطور لتشجيع روسيا على غزو أوكرانيا، ضمن تعهد صيني رسمي بعدم المشاركة في فرض العقوبات الغربية، وبلورة موقف سياسي متوازن من الحرب برمتها، ومن الغريب أن الخارجية الصينية أظهرت اعتناق جهري لوجهة نظر وزير الخارجية الأمريكي "هنري كيسنجر" حول المسألة الأوكرانية، وهي القائمة على اعتبار "أن المسألة الأوكرانية تُصوَّر كمواجهة، فهل تنضم كييف إلى الشرق أم إلى الغرب؟ لكن استمرار أوكرانيا وازدهارها يعتمد على عدم تحولها إلى قاعدة أمامية للشرق في مواجهة الغرب والعكس صحيح؛ ويجب أن تتحول لجسر بين الطرفين، وعلى روسيا أن تتقبل أن محاولتها إجبار أوكرانيا على أن تكون دولة تدور في فلكها، بالتالي تحريك حدود روسيا مجدداً، سيحكم على موسكو بتكرار تاريخها من الدوران في حلقات مفرغة دورية من الضغوط المتبادلة مع أوروبا والولايات المتحدة".
الأمر الذي أهل الصين، لصناعة فرصة نادرة ستمكنها من لعب دور الوسيط والدبلوماسي الأول على مستوى العالم، وفي هذا السياق يجب التوقف عند خسائر الاقتصاد الروسي الحالية والمستقبلية، وهي كارثية بكل المعايير بالنظر لرغبة الولايات المتحدة بإطالة أمد الحرب، وهي تجبر الرئيس الأوكراني على تنفيذ هذا الدور. ولأن الصين على يقين من أن روسيا لن تهزم، وأن أوكرانيا لن تنتصر، وأن العقوبات الغربية ستستمر لفترة طويلة حتى لو انتهت الحرب، فإن سوقها المتميز بقدرات هضم جبارة للسلع والموارد، فإنه سيكون الملاذ الوحيد للصادرات الروسية بما فيها النفط والغاز. كما أن الصين ستجني غلال الآثار الناتجة عن الحرب والاستثمار في تداعياتها، ومنها احتواء الدول التي رفضت التعاطي مع لائحة العقوبات الغربية على روسيا، كالعربية السعودية والإمارات، وغالبية دول أمريكيا الجنوبية، الأمر الذي سيحول السوق الصيني لأكبر جاذب لمنتجات الطاقة على مستوى العالم.
تبدلات أفقية وعمودية في سوق الطاقة العالمي
بطريقة أو بأخرى، ستتسبب الحرب في أوكرانيا بتصدع الحلف الاقتصادي الغربي القديم، وخروج اقتصادات عربية كبرى من تحت عباءة الوصاية الأمريكية، وما دعوة ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" بتاريخ 13 آذار 2022م، للرئيس الصيني لزيارة الرياض إلا واحدة من تلك المؤشرات الدالة على ولادة هذا الصدع، وابلاغه بموافقة العربية السعودية ببيع النفط للصين باليوان الصين بدلاً من الدولار، و وفقاً للمراقبين الاقتصادين الأمريكيين فإن هذا العرض سيتسبب بتحطيم قاعدة (البترودولار) أي تسعير النفط السعودي لأي مشتري على مستوى العالم بالدولار الأمريكي فقط لا غير؛ ومن المرجح أن تحذو حذو السعودية العديد من دول الأوبك، ومن المتوقع أن تتم زيارة الرئيس الصيني في شهر أيار 2022م. مضاف لذلك زيارة الأمير "محمد بن عبد الرحمن آل ثاني" نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، للعاصمة الروسية موسكو بتاريخ 13 آذار 2022م، وابلاغه لنظيره الروسي بحياد دولة قطر في نزاع بلاده مع أوكرانيا، وعدم مشاركة بلاده في العقوبات، وزيارة الأمير "عبد الله بن زايد" وزير الخارجية الإماراتي للعاصمة الروسية بتاريخ 16 آذار 2022م، وابلاغه لنظيره الروسي بحياد دولة الامارات في نزاع بلاده مع أوكرانيا أيضاً.
كل ذلك يندرج ضمن عاصفة التحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، التي عززتها الحرب في أوكرانيا، حيث تتطلع الولايات المتحدة إلى تركيز المزيد من الاهتمام والموارد على آسيا بينما توسع الصين وروسيا نفوذهما في تلك المنطقة، يعني ذلك أن ثمة ما يؤسس لعلاقات دولية جديدة تتسم بالتمرد على قيود العولمة الآخذة في الأفول، الأمر الذي سيكون له انعكاسات مضاهية للتي شهدها العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وبعد حرب الخليج الأولى عام 1991م، التي أدت إلى تضيق الخناق على "ياسر عرفات" ودفعت به دفعاً لخيار أوسلو، الذي أسس للتطبيع العربي، والشروع بتصفية القضية الفلسطينية.
الآن، إذا ما انتهت الحرب الروسية الأوكرانية وفقاً للمشيئة الروسية، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل ستكونان أبرز الخاسرين، لجهة تراجع الدور الأمريكي، وتداعي تأثيره تدريجياً في مناطق نفوذه القديمة، وولادة لاعبين جدد يزاحمونه النفوذ والدور نفسه، ليس في شرقي أوروبا بل على مستوى العالم، بينما الصين ستكون الرابح الأكبر من هذه المعادلة. لماذا؟ لأن روسيا حتى لو خرجت منتصرة من هذه الحرب، فأنها ستخرج محاصرة ومحاطة بمجموعة لا قبل لها بها من العقوبات والديون، وستكون بأمس الحاجة لمن يمد لها يد العون، وليس أنسب من الصين للقيام بهذا الدور، لقدرة سوقها على امتصاص كافة الموارد والسلع الروسية.
وهذا يتطلب من الصين أن تحافظ على عافيتها الاستراتيجية، التي تؤهلها للعب دور الوسيط أولاً، ومن ثم المنقذ والمانح لروسيا وأوكرانيا على حد سواء، ومن ثم الحلول محل روسيا كدولة عظمى، والاستحواذ على دورها الذي سيتضرر نتيجة الحرب، رغم ذلك سينظر الروس للصين كما نظر الأوروبين للولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وستتعاظم قدرتها على منافسة أو مشاطرة الولايات المتحدة إدارة العالم، وهذا يتطلب منها ما يلي:-
1- عدم غزو تايون في هذه المرحلة، لكيلا يتم التعامل معها كما يتم التعامل مع روسيا، وتفقد ميزتها الاستراتيجية كجهة مقبولة على الجميع. 2- المساهمة في مساعدة الأوكرانيين أنسانياً وإغاثياً، والمساهمة مستقبلاً بجهود إعادة إعمار أوكرانيا. 3- مواصلة نهج التعرية لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية، ونزع الغطاء الاخلاقي عنها، للتشكيك بأهليتها لقيادة العالم بأمانة ومسؤولية كدولة عظمى.
سيحدث ذلك، فيما لو طال أمد الحرب، وهذا ما تريده الولايات المتحدة، وما لا يريده الروس، لكنه لم يعد بمقدورهم التحكم بهذا الخيار لوحدهم، وهذه مسألة خرجت من أيديهم تماماً. كما أن الصين ليست في عجلة من أمرها لإنهاء الحرب، لأن مآربها لم تنضج بعد؛ وفي إطالتها تكمن فوائد كثيرة لها، من بينها إظهار وعرض المهارات الصينية الدبلوماسية، كقوة بديلة وتمتلك خطاب تبريدي للمشكلة، بعكس الخطاب التأجيجي الأمريكي، والتأكد من نجاح خيار إخضاع الحليف الروسي بالكامل للمشيئة الصينية. وفي ظني أن روسيا لن تكون بخير بعد هذه الحرب بأي حال من الأحوال، وهي حرب مشابهة لتدخل سلفها الاتحاد السوفيتي في افغانستان، وهي التي تسببت باستنزاف الموارد الروسية ومن ثم التأسيس لتفكك الاتحاد السوفيتي. وهذه عبرة، من المفيد للصين أن تأخذها بعين الاعتبار، لكيلا تكرر خطأ الروس وتغزو تايون في هذه اللحظة من صعودها، ولربما يكون ذلك متاحاً لها فيما لو حققت كامل مآربها من هذه المرحلة، واعتصمت بحيادها وعدم تدخلها في صميم الحرب، واجتازت المرحلة بنجاح فإن تايون ستعود لبيت الطاعة الصيني وهي صاغرة عن يد.
توصيات التقدير
1- على الرئيس أبو مازن زيارة جمهورية الصين الشعبية، للطلب من قادتها تبني القضية الفلسطينية، وإعادة الروح لقرارات الشرعية الدولية، المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، للإستثمار في الأزمة بما يخدم المآرب الفلسطينية العليا، وفرض حل الدولتين. 2- زيارة المملكة العربية السعودية، من أجل الغاية نفسها. 3- التصالح مع دولة الإمارات العربية المتحدة، من أجل الغاية نفسها.
إضاءة
بطريقة أو بأخرى، أخطأ الغرب بكامل دوله ونظم عمله السياسية، الخطأ الذي كنا ننتظره بفارغ من الصبر، عندما أيدوا وعن قوس واحدة، حق الشعب الأوكراني في مقاومة المحتل الروسي، ولم يمنحوا الحق نفسه لباقي الشعوب المحتلة سيما الفلسطيني والعراقي، الأمر الذي بلبل خطابهم الإعلامي والدبلومسي، وكشفت عورته، ما دفعهم لاستدراك المنزلق بمجموعة متلعثمة من التوضيحات غير المكتملة؛ لكنها ستصل إلى هذا المستوى بمزيد من الضغط المنظم، والذي يجب أن يبذله السمتوى السياسي الفلسطيني، وجامعة الدول العربية والبرلمانيين والمناصرين للقضية الفلسطينية حول العالم، ويمكن الاستدلال على نشوء هذا التحول لدى الخارجية الأمريكية من خلال المؤشرين التاليين:-
1- إقرار المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية "نيد برايس" بتاريخ 13 آذار 2022م، بحق كل شعب محتل بمقاومة الاحتلال الذي يقع عليه، وذلك في معرض دعمه لحق الشعب الأوكراني في مقاومة المحتل الروسي، حيث أجاب على سؤال أحد الصحفيين، "هل يحق للفلسطينيين والعراقيين مقاومة الاحتلال الإسرائيلي والأمريكي للبلدين؟ فأجاب الدفاع عن النفس مبدأ أساسي لكل الدول".
2- وصف السفير الأمريكي في (إسرائيل) "توم نيدس" بتاريخ 17 آذار 2022م، المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، بأنها غبية، مبيناً عدم إمكانية الحديث عن حل الدولتين في ظل عدم احترام إسرائيل لحق الفلسطينيين في تقرير المصير.
جاء ذلك خلال حديث نيدس، في ندوة سياسية نظمتها مؤسسة "أمريكيون من أجل السلام" عبر الإنترنت، وقال: فيها "إن الفلسطينيين أكثر إصراراً واهتماماً بتقرير المصير، ولا يمكن شراؤهم بخطط تطالبهم بالتخلي عن السيادة السياسية".
|