|
جنرال روسي: شرق أوكرانيا لنا وليذهب غرب أوكرانيا إلى الجحيم
نشر بتاريخ: 07/04/2022 ( آخر تحديث: 07/04/2022 الساعة: 17:29 )
جمال زحالقة هذا ليس تصريحا لضابط روسي هذا الشهر، بل هي أقوال مرّ عليها ثلاثون عاما، أوردها المفكّر الأمريكي صموئيل هنتنغتون في كتابه المثير للجدل «صراع الحضارات» الصادر عام 1996، بُعيد تفكيك الاتحاد السوفييتي. ومع انسحاب القوات الروسية من المناطق المحيطة بالعاصمة الأوكرانية كييف، ومن معظم المناطق الشمالية، وانتقال مركز الثقل الحربي إلى شرق أوكرانيا، بدأ يتضح للجميع أن هدف روسيا الحالي هو حسم المعركة في الشرق وسلخ أجزاء واسعة منه عن أوكرانيا ووضعه تحت سيطرة موسكو بهذا الشكل أو ذاك، وحديث الضابط الروسي، الذي ورد أصلا في كتاب صدر في أوسلو عام 1992، هو دليل على أن أهداف روسيا التاريخية هي شرق أوكرانيا بشكل رئيسي. خسرت روسيا الكثير من قوة تأثيرها ومن شعبيتها في مناطق واسعة من شرق أوكرانيا، التي كانت تاريخيا الأقرب حضاريا ودينيا ولغويا منها الأمر الأهم الذي بقي من تنظيرات هنتنغتون بالنسبة لأوكرانيا وهو تأكيده على الأهمية السياسية للفروق والخلافات بين شرقيها وغربها. لكن الحرب أحدثت تغييرا في هذا الأمر، حيث خسرت روسيا الكثير من قوة تأثيرها ومن شعبيتها في مناطق واسعة من شرق أوكرانيا، التي كانت تاريخيا الأقرب حضاريا ودينيا ولغويا منها. وهذا بحد ذاته يضع حدودا لتقدم الجيش الروسي في حملته الجديدة في الشرق. لقد وحّدت الحرب الشعب الأوكراني أكثر فأكثر، والذين كانوا حتى الماضي القريب قابلين لاستقبال الجنود الروس استقبال الفاتحين، صاروا في ظل القتل والدمار ينظرون إلى الجيش الروسي كقوة غازية ومعتدية ومحتلة، ولم يعد هذا الموقف حكرا على المحاربين الأوكرانيين ذوي التوجهات القومية المتطرفة، المشاركين في معارك الشرق والجنوب. بعد تفكّك الاتحاد السوفييتي، انقسم الشعب الأوكراني مناصفة بين من يؤيّد الارتباط بروسيا، ومن يطمح إلى المزيد من فك الارتباط بها والانضمام للمعسكر الغربي، ولكن وبعد حرب القرم والغزو الحالي لأوكرانيا زاد العداء لروسيا طولا وعرضا وعمقا، وصار من الصعب جدّا على روسيا حتى التفكير في السيطرة على أوكرانيا كلّها او نصفها، لأن الشعب يرفضها وليس فقط لأن الجيش يمنعها. من هنا سقطت نهائيا إمكانية احتلال روسي واسع النطاق، وتوارى احتمال احتلال كييف ومناطق غرب أوكرانيا بالمجمل. أما في شرق أوكرانيا فلم تعد روسيا قادرة على استنساخ حالة الجمهوريتين الانفصاليتين في إقليم دونباس، في بقية مناطق شرق أوكرانيا، وهذا يقلّص الى حد كبير إمكانيات التوغّل الروسي. فروسيا تعرف جيدا أن المحافظة على السيطرة على مناطق معادية سيكون صعبا ومكلفا، وقد يتحوّل بسرعة إلى حرب استنزاف دامية، ما قد يؤدّي إلى تفاعلات سلبية داخل روسيا نفسها، التي تعاني أصلا من تكاثر سكّاني سلبي ومن انتشار واسع لحالة الابن الوحيد، التي تعتبر في معظم دول العالم حالة تعفي من المشاركة في القوات القتالية. يبدو أن بوتين قد تخلّى عن أهدافه القصوى في أوكرانيا، وهو يكتفي الآن بأهداف الحد الأدنى، بحيث يضمن المصالح الحيوية لروسيا، بما في ذلك مكانتها كقوّة عظمى عالمية، والأهداف الروسية «العجاف» ليست قليلة وفي مقدمتها ضمان حياد أوكرانيا وعدم انضمامها الرسمي أو العملي لحلف الناتو، مع بقاء السيف الروسي مسلّطا على رقاب متخذي القرار في كييف لضمان الضمان. وتريد روسيا أيضا اعترافا من أوكرانيا بفصل شبة جزيرة القرم وإقليم دونباس عنها. ولكن روسيا لن تكتفي بذلك فهي تريد احتلال مناطق في جنوب أوكرانيا لمد جسر برّي بين أراضيها ومنطقة القرم. |