وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الذبح ... قبل الذبح!

نشر بتاريخ: 20/04/2022 ( آخر تحديث: 20/04/2022 الساعة: 16:39 )
الذبح ... قبل الذبح!



بقلم: د. صبري صيدم

شعب فلسطين… قربان إسرائيل الأول والمسجد الأقصى قربانها الثاني بما يساوي، أهمية الأول، فهل ماتت ضمائر الكرام؟

اليوم وفي محطة مظلمة من تاريخ العروبة يطأطئ البعض رؤسهم خزياً ممن ضلوا الطريق وقرروا أن يلتحفوا بغطاء الصهاينة، في موقف تاريخي أفسح الفلسطينيون لهم فيه الفرصة هذه الأيام ليكفروا عن أنفسهم ويعودوا لرشدهم أمام هدم كل المحرمات الذي قادته حكومة الاحتلال، لا أن يشاركوا إسرائيل أفراحها ومناسباتها، ويغدقوا عليها من المبادرات بهدف الفوز بالرضا والثناء والحبور.

فلعل أكبر ما يؤلم الاحتلال في علاقته مع الشعب الفلسطيني هو أن الجغرافيا تنحسر، لكن الديمغرافية تنتصر من جهة الفلسطينيين، فقد بلغت نسبة الأراضي الفلسطينية المصادرة وحتى تاريخه حوالي 85% من فلسطين التاريخية.

ومع ذلك فإن تعداد الفلسطينيين كان متفوقاً على الإسرائيليين قبيل الحرب الروسية الأوكرانية بواقع 200 ألف نسمة. فجوة تعمل إسرائيل على تقليصها عبر جسرها الجوي الهادف لنقل يهود أوكرانيا الفارين إلى إسرائيل.

كما أن إصرار الفلسطيني على حماية هويته ورفض التهجير القسري، وتسطيحه للاحتلال والاستهزاء به، كما الحال في حملة مخصصة لمواجهة الاعتقال بابتسامة، أو الاستخفاف بالجنود عند مواجهتهم، عبر جلسات أو مواقف طريفة كحالة ما عرف في الهبة الحالية: «بجاعص الأقصى»، وكمية تناقلها وتبادلها عبر صفحات الإعلام الاجتماعي، إنما خلقت وتخلق مواقف مشابهة تؤكد القناعة بأن الفلسطيني لن ينكسر ولا يهاب الموت، وهو ما يحبط بدوره جموع المستوطنين وعتاولة جيش الاحتلال وغيرهم من المستميتين على كسر أنفة الشعب الفلسطيني.

معركة جنين والقدس الأخيرة والمستمرة ليست كغيرها، فقد جاءت في جو قياسي من الإحباط العام، أركانه: استمرار الانقسام الفلسطيني، وانسداد الأفق السياسي، وتعثر التمويل الغربي، وتقاعس الدور الأمريكي، وتردي الواقع الاقتصادي، وتمادي التطبيع العربي، وتزايد الاعتداءات الإسرائيلية، واشتداد النشاط الاستيطاني، واحتدام هجمات المستوطنين، واستمرار صفقة القرن، وتعاظم الحرب الانتخابية وتنافس اليمين الإسرائيلي، إنما جعلت الفلسطينيين في مجملهم يشعرون بأنهم يقفون وحدهم بلا ظهر ولا سند، وهو ما قاد لرفعهم لشعار: يا وحدنا.

وقد شجع هذا الحال إسرائيل على استبدال حرب اجتياحٍ مصغرةٍ، بحملة ممنهجة للاغتيالات الميدانية واعتقال الناشطين، تجنباً لتوسيع دائرة الصراع وخروج الترتيبات الأمنية مع غزة عن رتابتها، وتكبد جيشها لخسائر كبيرة أمام حرب الشوارع المتوقعة، واتساع تعاطف العالم مع الفلسطينيين، خاصة أمام مشاهد الاجتياح والدمار الذي كانت ستحدثها الآلة العسكرية الصهيونية.

ورغم هذا وذاك فإن شأفة الفلسطيني ما زالت صامدة ومتماسكة، لتسطر في المسجد الأقصى وكل مواقع المواجهة عناداً واستبسالاً نوعيين، لكنها كانت ستكون أقوى وأمكن لو تحققت وحدة الكل الفلسطيني، وجرى استئصال مشاهد التنمر الداخلي المستمرة والتسابق على استملاك الأحداث والإنجازات.

الصمود الفلسطيني العام رغم حرب إسرائيل المحمومة أوقف ذبح الفلسطينيين والمسجد الأقصى قبل ذبح القرابين المزعوم، ولكن هذا السد لا يمكن أن يصمد إلا من خلال تمتين البيت الداخلي الفلسطيني على قاعدة: كلما ازداد تلاحم سواعدنا كلما أصبحت فلسطين أقرب، فهل نتعظ؟!