وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

لماذا الآن؟

نشر بتاريخ: 24/04/2022 ( آخر تحديث: 24/04/2022 الساعة: 10:27 )
لماذا الآن؟



نشر الصحفي (أمير بوحبوط)، المراسل الأمني والعسكري لموقع (ولا الإسرائيلي)، يوم الأربعاء الماضي الموافق 6/4/2022، مقالاُ باللغة العبرية حمل عنوان "من داخل جهاز الإستخبارات الذي يصفي الإرهابين عن طريق شبكات التواصل الإجتماعي"، حيث كشف بوحبوط في مقاله هذا عن أحد أقسام الإستخبارات الإسرائيلية التي أُنشأت خلال العقد الأخير لإنتاج إستخبارات من معلومات يجمعها القسم من مصادر علنية كالصحف ومحطات التلفزة والراديو ووسائل التواصل الإجتماعي.
ويعتبر سماح الرقابة العسكرية الإسرائيلية بنشر هذا المقال خروجاً عن المألوف وكسراً لأحد القواعد الصارمة التي تفرضها إسرائيل على منظومتها الأمنية، سواء القواعد التي تتعلق بالمفاهيم التي يقوم عليها الأمن القومي، أم القواعد المتعلقة بهياكل الأجهزة الأمنية، لا سيما الإستخبارية منها، أم التي تتعلق بأليات عمل هذه الأجهزة، وذلك لإبقاء حالة الغموض هي السائدة عن الأمن الإسرائيلي، الأمر الذي يثير التساؤل لماذا الآن تخرج أجهزة الأمن الإسرائيلية عن المألوف وتكشف عبر الصحفي (بوحبوط) عن هذا القسم الذي أطلق عليه بوحبوط إسم عين المراقبة (I Monitor) والأهم سماحها بالكشف عن الإحتياجات الإستخبارية التي يتوجب على القسم جمعها من المصادر العلنية.
اللافت هنا أن الكاتب لم يكتفي بالكشف عن مكان القسم الذي يتواجد تحت الأرض في مبنى وزارة الدفاع بتل أبيب، في إشارة منه لمدى أهمية هذا القسم، وعن مصادر معلوماته، كما لم يكتفي بالوقوف عند أبرز الإنجازات التي حققها هذا القسم منذ تأسيسه، بل راح وكشف عن ملفات لا زالت قيد المعالجة، الأمر الذي يبدو غريباً في عالم الإستخبارات، خاصة عندما كشف بوحبوط عن ملفات شخصيات بارزة في مجال صناعة الرأي في العالم العربي مثل عبد الباري عطوان رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم الإلكترونية، وغسان بن جدو رئيس محطة الميادين التلفزيونية، وأخرين من محطة المنار وصحيفة الأخبار اللبنانيتين.
تجدر الإشارة هنا أن الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية لم تخترع العجلة في الكشف عن أن الإعلام وشبكات التواصل الإجتماعي (مصادر المعلومات المفتوحة) تعتبر من أهم مصادر معلوماتها، فالعارفين بعالم الإستخبارات يعرفون أن الإحتياجات الإستخارية التي تحتاج لعمليات جمع معقدة لا تتجاوز 4% من إحتياجات أجهزة الإستخبارات، أي أن 96% من إحتياجات جهاز المخابرات يتم الحصول عليها من مصادر معلومات علنية مفتوحة، وهنا ينبغي التأكيد أن التطور الهائل الذي يشهده عالم الإتصالات قد رفع كثيراُ من نسبة تلبية الإحتياجات الإستخبارية من مصادر المعلومات المفتوحة، الأمر الذي يقلل من أهمية الكشف عن مسؤولية هذا القسم في تطوير إستخبارات وتقديرات موقف للمستوى السياسي حول قضايا مثل الوضع الفلسطيني والربيع العربي والأزمة الخليجية وغيرها من القضايا التي تطرق إليها الصحفي بوحبوط في مقالته.
وعلى الرغم من الحقيقة المشار اليها في الفقرة السابقة هناك حاجة للإجابة على سؤال لماذا الآن؟ وفي محاولتها الإجابة على هذا السؤال ستعتد هذه المقالة نموذج تفسيري يقوم من جهة على تحديد الجهة التي إستهدفها بوحبوط في مقالته، ومن جهة أخرى، على القطاع الأبرز الذي يشكل مركز إهتمام عمل القسم.
وحول الجهة المستهدفة فلا شك أن المجتمع الإسرائيلي الناطق باللغة العبرية هي الجهة المستهدفة الأولي، ويقيناً يأتي المتابعين للإعلام العبري من العرب كجهة مستهدفة ثانية.
أما القطاع الأبرز الذي شكل مركز إهتمام المقال، فكان واضحاً أنه يدور حول الإعلام والرواية الذي يبدو أنه شكل الدافع والمحرك للكاتب ومن خلفه الرقابة العسكرية، لا سيما وأن الأخيرة خرجت عن المألوف وكشفت عن ملفات لا زالت في طور المعالجة عندما تعلق الأمر في هذا القطاع.
وفيما يتعلق بالجهة الأولى المستهدفة فتكشف إستطلاعات الرأي المنشورة في إسرائيل أن المواطنين في إسرائيل قد فقدوا الشعور بالأمن نتيجة لإكتشاف المواطن العادي في إسرائيل فشل مؤسسته الإستخبارية في تقدير التهديدات المتوقعة وطرق معالجتها، الأمر الذي تجلى بوضوح أمام سلسلة العمليات الأخيرة التي نفذها أفراد فلسطينيون كانوا جميعهم خارج رادارات أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية كما أن هذه العمليات قد نفذت في أماكن وبطرق لم تتطرق لها التحذيرات والتقديرات الأمنية الإسرائيلية، مما يعني أن المقالة ربما تكون قد جائت كحلقة من خطة متعددة الحلقات تقول للمجتمع الإسرائيلي أن يد أجهزة الأمن الإسرائيلية طويلة وتعمل على مدار الساعة.
أما عن الجهة المستهدفة الثانية فيبدو أن واضعي الخطة التي يأتي المقال كأحد حلقاتها قد قرروا اللعب على المكشوف في محاولتهم وقف خطاب تعرية الرواية الصهيونية وكشف حقيقة أنها رواية تحمل مشروع إستعماري أبارتهايدي.
وحول الإعلام والرواية التي كانت من أهم موضوعات المقالة التي بدورها تشهد منذ فترة ليست قصيرة تصدعات وإنهيارات ملموسة، لا سيما بعد فشلها في إقناع المؤسسات الدولية وكذلك قطاعات واسعة من اليهود حول العالم أن إسرائيل ليست دولة أبارتهايد في علاقتها بالفلسطينيين.
وفي هذا الشأن ينبغي الإشارة إلى إعترافات رجالات الإعلام والسياسة في إسرائيل بفشل الخطاب الإعلامي الإسرائيلي أمام الإعلام والخطاب الفلسطيني، لا سيما في ما يخص القدس والمسجد الإقصى، الأمر الذي من جهة يثبت أن القلم والصورة والكلمة هي أسلحة ذات وزن إستراتيجي في يد الفلسطينيين في معركة الرواية التي تتصاعد وتيرتها في نضال الفلسطينيين ضد الإحتلال والأبارتهايد، ومن جهة أخرى يكشف أن كل ما تملكه إسرائيل من مال وسلاح لن يمكن إسرائيل من توفير الشعور بالأمن المفقود للمواطن الإسرائيلي، والأهم أنه لن يمكنها من مواصلة التحايل على الرأي العام سواء اليهودي أم العالمي.