|
حفاظنا على "السلم الأهلي" دليلُ مواطنتنا الصالحة
نشر بتاريخ: 25/04/2022 ( آخر تحديث: 25/04/2022 الساعة: 12:38 )
صخر سالم المحاريق إن الأمن والأمان والحياة الطيبة هي من نعم الله -تبارك وتعالى- على عباده أفرادٍ وجماعات؛ وهي مما يسعى لها بني البشر جميعًا بشكل فطري، فكل أمة تسعى جاهدة؛ لتُحقق لنفسها أمنًا وسعادة واستقرارًا وحياة طيبة كريمة. لكن لا يكاد يخلو أي مُجتمع في العالم من اضطرابات في داخل نسيجه الاجتماعي، فتجد (الجريمة بأشكالها، والترهيب، والابتزاز الأخلاقي والمادي، ووسائل التفكيك الأسري، والتفتيت المجتمعي المختلفة .. وغيرها)، وسائل شائعة ومُنتشرة حتى في أكثر الدُول تحضراً وتقدماً، ولكن ما يضمن عدم بروز هذه الظواهر السلبية في المُجتمعات وحفاظها على نسيجها الاجتماعي ليس فقط هيبة الدولة وسطوتها وما تسنهُ من أنظمة وقوانين للحد من ذلك، إنما أيضاً وجود عوامل تربوية (مجموعة من القيم الشخصية والمجتمعية) تقود إلى ما يُعرف بالمواطنة الصالحة. إن المتابع لحالة الفوضى والتي طفت في مُجتمعنا الفلسطيني مؤخراً، يجدُ بأن جميع أشكال العُنف والجريمة الناجمة عنها إنما هي تصرفات فردية غير مسؤولة صدرت عن مقترفيها شخصياً تجاه (أنفسهم وأهاليهم أولاً، ثم حقوق الناس ثانياً، وتجاه مُجتمعهم ثالثاً) وهي ليست بالجريمة المُنظمة والخطيرة على المُجتمع، بحيث حال بهم الأمر إلى حالة من الخراب والندم في الغالب، فمُجتمعنا الفلسطيني مُجتمعٌ مُتعلم واعٍ ومحافظ في معظمه، يتخلله "نسيج اجتماعي" واحد ومترابط لا فوارق طبقية بينية فيه، ولا حتى فوارق طائفية. كما أن حالة التقسيم الجغرافي والتي يفرضها الاحتلال، تحول دون بسط سيطرة أمنية فاعلة لأجهزتنا الأمنية والشرطية كسلطة تنفيذية ويدٍ نافذة للقضاء على بعض المناطق والتي أصبحت ملاذ للفارين من وجه العدالة والقانون، وبالتالي سُرعة الاستجابة لمثل هذه الحوادث وعلاجها على الفور، مما يجعل الأحداث تتطور في بعض الأحيان بشكل دراماتيكي يخرج عن السيطرة، وبالتالي الحاجة إلى جهود مضنية لعلاج الأمر ورأب الصدع فيما بعد. إن الجميع مُتفق بأنه لا صوت يعلو على سيادة القانون، وبأن الأمن والأمان حاجة إنسانية ومطلب مُجتمعي فردي وجماعي، لكن الأمر أيضاً بحاجة لمُساندة شعبية لدور أجهزتنا الشرطية والأمنية من خلال المزيد من الوعّي والحكمة على الصعيدين الفردي والجماعي، بمساعدة جميع أطراف المُجتمع وأقطابه من عشائر، ولجان إصلاح، وجمعيات حقوقية وتوعوية. فما معنى أن تكون عزيزي المواطن ذو "مواطنة صالحة" في بلدك، وكيف تحمي هذه السلوكيات والأخلاقيات نسيجنا المُجتمعي الفلسطيني من التمزق وتحافظ على سلمنا الأهلي الوديع فيه؟ • المواطنة الصالحة تكون حينما تؤمن بأن نسبك، وعائلتك، وعشيرتك، ومكانتك الاجتماعية، والاقتصادية، لن يكونا لك ستراً وغطاءً إذا وقعت المصيبة لا في الدُنيا ولا في الآخرة. • عندما تدرك في قرارة نفسك بأن الرُجولة لا تُقاس بالصوت وحجم الغضب، وإطالة اليد، ولا في حمل السلاح للاستعراض، ولا بالبلطجة، ولا في مخالفة القانون، فأنت بذلك مواطناً صالحاً مُحافظاً على السلم الأهلي في بلدك. • عندما تُحافظ على نفسك وأسرتك من الاستهتار بمخاطر الانزلاق في وحل مواقع التواصل الاجتماعي وما ينتج عنها من ابتزاز، ولا تستخدمها لنفس الغرض، فأنت بذلك مواطناً صالحاً مُحافظاً على السلم الأهلي في بلدك. • عندما لا تُشارك في بث ومُشاركة الإشاعات المُغرضة وتحفظ لسانك على الصعيد الفردي أو الجماعي، أو المُجتمعي، فأنت بذلك مواطناً صالحاً مُحافظاً على السلم الأهلي في بلدك. • عندما تُحكم حُكومة الضمير في كُلِ سلوك تجاه نفسك أو مقومات ومكونات مُجتمعك البشرية والمادية، فأنت بذلك مواطناً صالحاً مُحافظاً على السلم الأهلي في بلدك، فالغش، والتهريب، والبضاعة الفاسدة، والمخدرات، والسيارات غير القانونية، ومخالفة قوانين وأنظمة السير على الطرقات العامة، والسلامة والصحة المهنية، والسطو والسرقة، والإقدام على الإنتحار هي جميعها جرائم بموجب الشرع والقانون والضمير والإنسانية تجاه ذاتك ومُجتمعك سواء بقصد (عامدة متعمدة) أو بغير قصد (خطأ). إن تحكيم العقل والمنطق هو سيد كُل المواقف، فلا شيء يعدل الحلم والتروي، وبالتالي ردة الفعل القويمة والسليمة والتي تكون تُرجماناً لذلك، كما أننا كمجتمع فلسطيني مُحافظ مسلميه ومسيحيه يستمد كثيراً من أنظمته وقوانينه من شريعتنا، إضافة لعادتنا وتقاليدنا والتي تتوافق مع ذلك كله. كما أن تعاليم ديننا الاسلامي الحنيف والسمح، والذي جعل من "العقل" أول مقاصدِ الشريعةِ الإسلاميةِ وضرورياتها الخمس في مرتبةٍ سبقت "الدين" ذاته؛ لأنه بالعقل يتّم الدين إضافة للمقاصد الأخرى من حفظٍ للنسل، والمال، والنفس والتي جعل فيها قرار ذاتها بالنجاة من التهلكة أو عدمها حين قال عز وجل "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا". وفي خلاصة القول "نعم" لسلطة القانون وهيبته وألف "لا" لغير ذلك، حمى الله شعبنا الفلسطيني الصابر المُرابط من الفتن ما ظهر منها وما بطن، كما وأدعوكم دوماً للوقوف عند قوله تعالى " وَٱلْكَٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ ۗ ولله يُحِبُّ المحسنين"، ففي التأني السلامة والعاقبة لمن كظم غيظه واحتسب وأحال الأمر في وقوع مظلمةٍ ما إلى سُلطة القانون فهي الملاذ الآمن والعين الساهرة لنا جميعاً فبهيبتها يبيت المُجتمع كُله بلا استثناء "قرير العين" في أمن وطمأنينة وسلام.
|