وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الأيام والتاريخ… بيننا!

نشر بتاريخ: 27/04/2022 ( آخر تحديث: 27/04/2022 الساعة: 15:18 )
الأيام والتاريخ… بيننا!



بقلم: د. صبري صيدم

جددت القدس في الأيام الأخيرة ولكل الخصوم الواهمين بزوال الهوية الفلسطينية ورحيل الفلسطينيين عن أرضهم، حقيقة ماثلة أمام شعوب الأرض، بأن الهوية الفلسطينية غير قابلة للتصرف والتّجبرّ والإنهاء. فلا الفلسطيني تحول إلى هندي أحمر على أرضه ولا أعداد الفلسطينيين في فلسطين تناقصت بفعل الاستهداف الصهيوني المتواصل.

معركة إسرائيل إذن ليست مع مجموعة من البشر أو حلقة من الناس، معركة إسرائيل هي مع شعب بأكمله، فهل تستطيع إسرائيل أو غيرها، ومهما امتلكت من قوة وسلاح وعتاد أن تعتقل، أو تقتل أو تهجّر شعباً بأكمله؟

المعجم الصهيوني للتنكيل بالفلسطينيين بات حافلاً بالأوصاف والتوصيفات في سباق واضح بين أقطاب القرار في تل أبيب لتسجيل النقاط، ولتصبح مقارعة الفلسطيني الشغل الشاغل للدولة وحلبة السباق الأهم لتحقيق الشعبية المرجوة وسط مجتمع السياسة الإسرائيلي الموغل بالعنصرية.

فالتنافس ليس على من يصنع السلم بل من يذكي نار الحرب. حتى أرباب اليسار المزعوم، فقد انضموا طوعاً لحكومة بينيت المتطرفة ليشكل وجودهم مظلة حامية للمزيد من العدوان على شعبنا وموافقة ضمنية ليست فقط على خطط الحكومة العدوانية، بل على شرعنة إزهاق مبادئهم السابقة المزعومة والإجهاز عليها، لذلك لم تعد هناك نخب سياسية مؤثرة إيجاباً في دولة الاحتلال، بل لا مكان لوجود أي فكر يؤسس لعلاقة مسؤولة مع الفلسطينيين.

وعليه فإن قرار المواجهة قد حسم بإرادات صهيونية جماعية وعن سبق الإصرار والترصد. شعب في مقابل شعب ومجتمع في مقابل مجتمع يمارس الأول فيه سياسة الهجوم، وفرض الوقائع، وزرع اليأس، ومصادرة الأمل، ونسف الأحلام، بينما يقع الثاني ضحية هذا الكم من الهجمات الهادفة لإجهاض الأمل لدى وزرع الإحباط وقتل الإرادة بالبقاء والاستمرار.

ومع ذلك فإن حرب إسرائيل التي استهدفت تقويض الجغرافيا والديمغرافية، قد حققت حسب الاحتلال وكثر آخرين تقدماً في محاصرة الجغرافية الفلسطينية وانحسارها وتقطيعها وبترها وشل سبل الترابط المتواصل في ما بينها بغرض إجهاض إمكانية إقامة الدولة الفلسطينية، وذلك بقوة السلاح والقمع لكنها لم تستطع إطلاقاً تقويض الديمغرافيا، لا من حيث عدد السكان من البحر إلى النهر، ولا من حيث ارتباط هؤلاء بأرضهم. وإن كان لقوة السلاح دور في سرقة الجغرافيا فإن أعتى صنوف العدوان والقمع والتنكيل لن تصرف اهتمام الديمغرافيا (السكان) عن حقوقهم ورزقهم ومكتسباتهم.

وعليه فإن القانون الثالث لإسحق نيوتن إنما يؤكد على أن الأفعال تواجه بردود الأفعال المتساوية في الأثر والمعاكسة في الاتجاه، وهو ما لا يقتصر على عالم الفيزياء والميكانيك، بل يمتد ليصل إلى عوالم العلاقات البشرية والنزعات الإنسانية والدوافع الوطنية والتوجهات العقائيدية والقائمة تطول. لهذا فإن عقيدة الاستخفاف والاستهزاء التي رأيناها ونراها في تعامل أبناء شعبنا مع جيش الاحتلال، خاصة في تجربة القدس الأخيرة إنما هي نتاج القناعة الدفينة لدى الكل الفلسطيني، بأن الاحتلال إلى زوال لا محالة، وأن رهبة العتاد والعدة لدى المحتل لم تساهم إلا في زيادة أنفة الشعب الفلسطيني وعزته وعناده وكبريائه وإصراره.

وعليه فإن مقولة إن الشعب الفلسطيني قد ابتلي بأبشع احتلال تقابلها قناعة غامرة بأن الاحتلال قد ساقه التاريخ ليواجه الشعب الأكثر عناداً وتسلحاً بالإرادة والجسارة حتى تعود فلسطين لتبرهن من جديد قانون نيوتن الثالث! الأيام والتاريخ بيننا!