|
الحرب في اوكرانيا الى أين؟
نشر بتاريخ: 03/05/2022 ( آخر تحديث: 03/05/2022 الساعة: 15:45 )
جنرالات الكلام على الفضائيات العربية والغربية ومن يسمونهم بالخبراء والمحللين يستديمون في تضليلهم المتعمد للراي العام خدمة لمصالح واهداف الضباع الرأسماليين في الولايات المتحدة. وللأسف البعض من السياسيين والصحفيين والكتاب ومفكرين وعددهم ليس بالقلة المتوقعة، وكثر من هؤلاء في المنطقة العربية يستديمون في تغييب التفكير بالمتغيرات المهولة على الوضع الدولي التي نجمت عن الحرب المتواصلة حتى الان، وعدم التفكير في اتجاهات الصراع المحتدم على الارض الاوكرانية بين روسيا الرأسمالية من جهة والغرب الرأسمالي من جهة اخرى. هؤلاء في أحكامهم على ما حدث ويحدث يستخدمون البوصلة التي حددتها أميركا والغرب في الحكم على ما يجري من صراع باعتماد السؤال "من بدأ الحرب في اوكرانيا" في بناء احكامهم ومواقفهم تجاه حرب الضباع المتصارعة، وهذا البعض بقي اسيرا لواقعة البداية في أن روسيا الاتحادية هي من شرعت باجتياح اكرانيا وبالتالي تحميلها تبعات أيا كان الذي حدث ويحدث الان وما سيحدث في المستقبل! إن سؤال وبوصلة كهذه "من بدأ الصراع" مضلله الى حد كبير، فهي لا تساعد أيا كان على فهم ما جرى، عدا عن أن بوصلة كهذه تدفع اصحابها الى تجاهل الاسباب الرئيسة للحرب كصراع المصالح على الموارد والاسواق وتراكم الارباح وعلى مناطق النفوذ بين الضباع الرأسماليين في روسيا والضباع الرأسماليين في الغرب، وهو الصراع الذي تراكم على الملعب السلمي في اطار المنافسة الاقتصادية وبقليل من العنف على امتداد ثلاثة عقود مضت منذ أن انهارت المنظومة الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفييتي حتى لحظة اندفاع القوات الروسية في اوكرانيا يوم 24 شباط 2022. ولشديد الاسف ايضا البعض ممن أشرت إليهم في منطقتنا خصوصا في فلسطين وسورية من يستخدمون المثل الشعبي كبوصلة "اعداء اعدائي اصدقائي"، مع أن الحياة زكت هشاشة هذا المثال الشعبي. فمثلا فلسطينيون ايدوا إيران وهي تحتل بلداننا العربية وتوغل يدها بدم شعوبنا بذريعة مواجهة اسرائيل. وتتكرر المصيبة سوريون ايضا وقعوا في ذات الفخ فبينهم من يؤيد الضباع الرأسمالية في الغرب لان الضباع فيه يتوحدون في الصراع مع الضباع الروسية الملطخة يديها بدماء السوريين! وباستخدام البوصلة السخيفة "اعداء اعدائي اصدقائي"! ولئن كان واجبا علينا التعارض مع الضباع الرأسمالية في روسيا الاتحادية الساعية كغيرها للاستحواذ على الموارد والاسواق ومناطق النفوذ كغيرها من الضباع واجتياحها لأكرانيا في هذا الاطار، لكن ذلك يجب أن لا يصرفنا عن حقيقة أن الضباع الرأسمالية في الولايات المتحدة الاميركية قد وفروا الاسباب الكاملة لهذا الاجتياح، واعني بالكاملة مجموع الحوادث التي بتأثيرها اندلعت الحرب الجارية، كبناء الغرب قيادة للثورة المضادة في مواجهة ثورة الاوكرانيين الجميلة على الفساد والاستبداد وسرقة الثورة والسيطرة عليها وحرفها عن اهدافها عام 2014 (تماما كما فعلت اميركا والغرب في سورية بتجنيد السعودية وقطر والامارات وتركيا للتدخل كثورة مضادة لصالح خطاب السلطة الاسدية بإلباس الثورة السورية طربوش الأسلمة فحطموا الثورة من داخلها ودفعوا المجتمع الدولي عديم الضمير للإحجام عن نصرتها). وايضا من الامثلة على الحوادث التي تشملها الاسباب الكاملة تمدد حلف الناتو شرقا ليقف على حدود روسيا/ واعداد اوكرانيا لحرب اهلية بتعميم ثقافة التمييز العنصري ضد الروس/ ودعم الميليشيات النازية تدريب وتسليح وتمويل/دمج الميليشيات النازية في الجيش/ بناء المختبرات الخاصة بإنتاج الاسلحة البيولوجية/ اغماض العين عن جرائم الحرب والمجازر بحق الأوكرانيين في الدونباس شرقا/ ايفاد مئات الخبراء مدربين عسكريين لتأهيل الجيش الاوكراني لصراع قادم ضد روسيا/ هيكلة القيادات العسكرية والمدنية والسلطة السياسية في اوكرانيا بما يخدم مصالح الاستثمارات الاميركية الضخمة فيها للسيطرة والتصرف بمواردها القومية واسواقها. ولا شك ان الظروف التي نجمت عن انسداد الافاق أمام المنافسة الاقتصادية السلمية بين الضباع الرأسمالية في العالم، والتي لم تعد تساعد مختلف الضباع الرأسمالية في تحديد من يقود ومن يقرر ومن يستحوذ على مناطق النفوذ والاسواق والموارد بين المتصارعين على ملعب المنافسة السلمية في العالم، مثالا، المنافسة بين الصين واميركا/ روسيا واميركا/ الهند واميركا/ بريطانيا واوروبا/ التقارب الاقتصادي الصيني الروسي/ ابتعاد اوروبا الاقتصادي النسبي عن أميركا لصالح روسيا بسبب احتياجاتها للغاز والنفط الروسيين/ ميل الدول المنتجة للنفط للتحكم اكثر بموارها على حساب الاحتياجات الاميركية والاوروبية.
وفي ضوء انسداد الافق في المنافسة الاقتصادية عالميا امام الضباع الاميركية لم يعد بمقدورها احتمال الميول والنزعات والاتجاهات المتنامية لدى العديد من البلدان ومنها روسيا أن تكون شريكا لها، ولأنها ترى قبولها بمشاركة أي ضباع رأسماليين آخرين لها في الهيمنة والنفوذ ستقود لاحقا حتما لإزاحتها عن تصدر السيطرة ، لجأت لافتعال وتنفيذ ما جرى من احداث في مشاريق اوروبا وخاصة في اوكرانيا لتكون الاسباب مهيأة فيها للشروع بحسم المنافسة مع روسيا بالحرب.
ان الضباع الرأسمالية في الغرب يزعمون بالحرص على الشرعة الدولية (ميثاق جينيف والعهدين الدوليين والاعلان العالمي لحقوق الانسان ومختلف الملاحق والبروتوكولات) وعلى الشرعية الدولية المتمثلة بقرارات الامم المتحدة، في حين هذه الضباع تكذب وتنافق وتدوس بالأقدام على كل ما جاء من مبادئ وقواعد وعلى جميع ما اجترحته البشرية في مجال الفنون والآداب والرياضة وما يتعلق بالحريات والحقوق المدنية الاقتصادية والاجتماعية والدوس حتى على النظم التي أنشأت بموجبها المنظمات التجارة العالمية والبنك الدولي. لقد كشفت وعرَّت الحرب في اوكرانيا، الضباع الرأسمالية في اميركا فمن اجل خدمة مصالحها في الهيمنة على الاسواق ومصادر الموارد والنفوذ نفذت كل ما يتعارض مع مبادئ الشرعة الدولية وقوانين الشرعية الدولية. لقد راكم الراي العام ما يكفي من الادلة على السلوك المشين للضباع الرأسمالية في اميركا في الدوس على المواثيق والقيم الاخلاقية، وآخر المسالك المشينة لهذه الضباع استخدام الرياضة في مواجهة اعدائهم الروس، تماما كما فعلوا في مجالات الفن والادب والاعلام ومصادرة الاستثمارات والاموال والممتلكات الروسية لديهم بإجراءات البلطجة السياسية، وهي بلطجة تتعارض بالمطلق مع النظم المالية التي تدار بموجبها المؤسسات والهيئات المالية الدولية كمنظمة التجارة العالمية، وما هو اكثر نفذت اميركا بلطجة تتعارض مع القوانين السارية المفعول فيها. انهم يعيبون على الضباع الرأسمالية الروسية اجتياحها لأوكرانيا، وهم من اجتاحوا واحتلوا وتورطوا من قبل بالتدخل وباحتلال عشرات البلدان وبقتل الملايين في العراق وافغانستان وليبيا وفي يوغسلافيا والعديد من دول اميركا اللاتينية وافريقيا وجنوب شرق أسيا. فإلى اين تقود العالم اشرعة الصراع بين روسيا واميركا على الارض الاوكرانية؟
والضباع الرأسمالية الاميركية من جهتها ترى بأن تمدد الناتو وتوسعه شرقا هو الضمان لاستدامة الهيمنة الاميركية. واستشعرت بأن تحطيم هيمنة الدولار قد بدأت بتزايد الميل لاعتماد عملات بديلة عن الدولار في التعاملات المالية وهو ما سيحطم ركائز الهيمنة الاميركية. فلا غرابة أن سخرت ضباع اميركا ومعها ضباع اوروبا ترسانتهم العسكرية ومليارات الدولارات لإسناد ودعم من خانوا بلدهم وقدموا شعبهم قرابين لخدمة مصالح الضباع الرأسمالية في اوكرانيا لكسر الهيبة الروسية وعلى أمل الابقاء على الدولار كعملة وحيدة مهيمنة في العالم. لقد بلغ المتصارعون في اوكرانيا حدا ليس بمقدور أي منهم التراجع عما اعلنه واصبح اسيرا له، واي تراجع من أي طرف عما اعلنه وحدده كهدف سيعتبر هزيمة مدوية له وعليه الخروج من الملعبين ملعب المنافسة الاقتصادية السلمية وملعب العسكرة والحرب. وامام هذا الاستعصاء في الحسم بين الضباع الرأسمالية المتحاربة في اوكرانيا هل يوجد خيار آخر غير خيار ذهاب الضباع الرأسمالية المتصارعة الى حرب كونية مدمرة؟! |