|
عمـر القاسم: مانديلا فلسطين
نشر بتاريخ: 04/06/2022 ( آخر تحديث: 04/06/2022 الساعة: 17:07 )
الشهادة، هي الجود بالنفس، وهي أعظم أشكال التضحية، وليس هناك من تضحية بعدها، حيث ينال الشهيد وسام شرف وعزة، في الدنيا والآخرة. أما الشهادة خلف قضبان سجون الاحتلال، فيُضاف إليها من العظمة الكثير، بالتضحية خلف القيد والقضبان، بالحياة على طريق الأجل المحتوم. فللشهادة حينئذ معنى خاص. وكما ان من الكلمات أساطير. فكذلك هناك من الشهداء تيجان فوق الرؤوس، ونماذج اقتداء، وقناديل مستقبل. ذلك إنهم هم من ضحوا بحياتهم من أجل تحرير وطننا، وتطهير مقدساتنا، ضماناً لمستقبل أفضل لأبنائنا. إن مسيرة شعبنا حافلة بالشهداء، ولكل شهيد من هؤلاء حكاية، حكاية البطل الذي صنع التاريخ، وخط حروفه بالدم، فمات الناس، وبقي البطل خالداً في أعماق الأحياء من بعده، وستظل حروف التاريخ محفورة في ذاكرة الأجيال، وعمر القاسم هو واحد من أولئك الشهداء، الذين سقطوا وراء قضبان سجون الاحتلال الإسرائيلي، ليلتحق بقافلة شهداء فلسطين وشهداء الحركة الوطنية الأسيرة. في الثامن والعشرين من تشرين أول/أكتوبر عام 1988 مرت الذكرى العشرين لاعتقال عمر القاسم، فكان أول أسير يجاوز سجنه العقدين من الزمن. فانتفض رفضاً وانتفض معه رفاقه دعماً، وطالب الجميع بالإفراج عن "مانديلا فلسطين". كان رقم عشرين في ذلك التاريخ هو الأعلى، لكن مرت سنوات صار رقم عشرين رقماً مكروراً بين أرقام تجاوزته، فقد جاء وقت استحق فيه مئات الأسرى الفلسطينيين لقب "مانديلا فلسطين" بعد أن تجاوزت سنوات اعتقالهم العشرين عاماً، بل بعد أن تجاوزوا السنوات التي أمضاها الزعيم الأفريقي نفسه في سجون العزل العنصري في جنوب أفريقيا. عمر القاسم قائد وطني فذ، وعلم من أعلام القدس والحركة الوطنية الفلسطينية، ومناضل شرس قاوم الاحتلال ببسالة، فاعتقل، وكان نداً للسجان، وشكّل رمزاً من رموز الحركة الوطنية الأسيرة، وأحد بُناتها الأساسيين، وكان على الدوام عماداً أساسياً من أعمدتها الراسخة، وبعد مماته تحول إلى شهيد خالد في الأعماق. لست مضطراً لأن تنتمي للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، كي تقرأ سيرة حياة مناضل كعمر القاسم، أو تقرأ رسائله وقصص بطولاته وأمجاده في وثائق الجبهة، وأدبياتها. فقد التحق بحركة القوميين العرب في مطلع شبابه، وكان مثقفاً ونشطاً وفعالاً ومؤثراً بذات الوقت، وسافر إلى خارج الوطن، والتحق بمعسكرات الثورة الفلسطينية هناك، وحصل على العديد من الدورات العسكرية، ومن ثم التحق بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين منذ انطلاقتها عام 1967. ثم ساهم في تأسيس الجبهة الديموقراطية، في فبراير 1969، التاريخ الذي شهد انفصالها عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. حيث كان له الدور المؤسس في تصليب عودها، وتطوير بنيتها، وتعزيز وجودها، واتساع شعبيتها، وتثقيف رفاقها في السجون. ولد عمر محمود القاسم في حارة السعدية بمدينة القدس، في الثالث عشر من تشرين الثاني/نوفمبر عام1941، وتعلم ودرس في مدارسها، فدرس الابتدائية في المدرسة العمرية القريبة من المسجد الأقصى، وأنهى دراسته الثانوية في المدرسة الرشيدية الثانوية عام 1958، وعمل مدرساً في مدارس القدس، وواصل تعليمه ليلتحق بعدها بالانتساب إلى كلية الآداب بجامعه دمشق، فتخرج منها وقد حاز على شهادة الليسانس الأدب الانجليزي. وفي السجن مثل عمر القاسم قاسماً مشتركاً بين كافة الأسرى، على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم السياسية والفكرية، وكرس جهده لتحويل السجون إلى أكاديميات وطنية، فأقام دورات عديدة للكادر، واهتم بالمواهب الناشئة، وأسس لذلك في كافة المعتقلات، ودرّس الأسرى اللغة الإنجليزية، وقدم للحركة الأسيرة دراسات قيمة لأوضاع المعتقلين، وتجارب حركات التحرر العالمية. لم يكن وحده عمر القاسم من دفع هذا الثمن، فمثله كثيرون، منهم من قضى نحبه داخل السجون، ومنهم من توفي بعد خروجه، بسبب الأمراض التي ورثها هناك، إنه عمر القاسم، الاسم الذي يصدح في الآذان سمفونية صمود فلسطيني.
|