|
حقل كاريش يدشن بداية المرحلة الأخيرة من مراحل إعادة بناء النظام الإقليمي في الشرق الأوسط
نشر بتاريخ: 12/06/2022 ( آخر تحديث: 12/06/2022 الساعة: 20:09 )
المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي يشهد إقليم الشرق الأوسط حالة من التحول منذ إعلان البيت الأبيض في عهد الرئيس أوباما عزم واشنطن على الخروج من الشرق الأوسط والتفرغ لإدارة التنافس مع القوة العظمى الصاعدة الصين التي تتفق مع روسيا الإتحادية في مضمون الرؤية حول النظام العالمي الجديد الذي تنتهي فيه هيمنة القطب الواحد والذي كان قد نشأ في أعقاب إنتهاء الحرب الباردة وإنهيار الإتحاد السوفيتي العام 1991. وجائت الحرب الروسية الأطلسية التي توشك على نهاية شهرها الرابع لتسرع من وتيرة عملية التحول هذه، حيث أظهرت الحرب أن النفط والغاز والحبوب الغذائية والدولار هي أسلحة تعادل في أهميتها وربما تفوق الأسلحة التقليدية المعروفة، الأمر الذي عزز من الأهمية الإستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط والغاز والقريبة من الأسواق الأوروبية (الأطلسية) التي تعتمد بنسبة عالية على النفط والغاز الروسي. وقد سرعت الحرب في أوكرانيا من وتيرة التحول الجاري في الشرق الأوسط الذي يشهد بدوره حالة من التحول منذ بداية العقد الثاني للقرن الجاري أو منذ إندلاع ما عرف بالربيع العربي، الذي تحاول إسرائيل إعتماداً على تفوقها العسكري والتكنولوجي توظيف هذا التحول لجهة تثبيت ذاتها كقوة إقليمية عظمى، تملئ من جهة الفراغ الذي سيخلفه الإنسحاب الأمريكي من المنطقة، وتوفر من جهة أخرى الأمن والحماية لموارد الطاقة وخطوط نقله إلى الأسواق العالمية. وحتى تحقق إسرائيل غاياتها ومقاصدها في الهيمنة على المنطقة ومقدراتها كما كان حال أمريكا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في نهاية أربعينات القرن الماضي، يتوجب على إسرائيل وشركائها من القوى العظمى الإستعمارية وصاحبة مشروع صناعتها في المنطقة علاوة على شركائها في الإقليم التوصل إلى صيغة من التفاهم تعترف بمقتضاها القوى العظمى التقليدية في المنطقة (تركيا، مصر، إيران) بالحد الأقصى لإستحقاقات القوة الإسرائيلية، أوعلى الأقل بالحد الوسيط لهذه الإستحقاقات ما بين الأقصى والأدنى. وحيث ترفض إيران التسليم والإعتراف بالحد الأقصي لإستحقاقات القوة الإسرائيلية مقابل إعتراف الأخيرة لها بالحد الأدنى لهذه الإستحقاقات يبرز خيار المواجهة الشاملة كإحتمال قوي، لا سيما بعد فشل الحصار والعقوبات والضغوطات القصوى على إجبار إيران على التسليم بالرؤية الإسرائيلية. ويأتي إستحضار إسرائيل سفينة إستخراج الغازالمملوكة لشركة (Anergia) اليونانية - الإنجليزية، لمنطقة كاريش او الحوض رقم (9) الواقع في المياه الإقتصادية اللبنانية والمتنازع عليه بين لبنان وإسرائيل في هذه اللحظة من الزمن وفيما لم تنتهي المفاوضات بين الطرفين بوساطة أمريكية على ترسيم الحدود بين الطرفين كخطوة تصعيدية من قبل إسرائيل تهدف إلى جانب الإستيلاء على موارد النفط والغاز في شرق المتوسط، إلى حرمان إيران من أهم أوراق الردع التي تملكها ضد إسرائيل والمتمثلة في حزب الله اللبناني، الأمر الذي يعني أن إندلاع مواجهة عسكرية بين إسرائيل وحزب الله هي السيناريو الأكثر إحتمالاً في المدى القريب، لا سيما وأن التصعيد في كاريش جاء مباشرة بعد إنتهاء الجيش الإسرائيلي من مناورة عربات النار التي تحاكي خوض الجيش الإسرائيلي حرباً على أكثر من جبهة، كما جاء العدوان الإسرائيلي على مطار دمشق الدولي وإخراجه من الخدمة لفترة قد تكون طويلة مؤشراً قوياً على قوة إحتمال قرب إندلاع المواجهة. ومن المؤشرات القوية الأخرى على صحة هذا الإستنتاج إعلان البيت الأبيض عن تحسن العلاقة مع ولي العهد السعودي وتزامن هذا التحسن مع تواتر الحديث عن فتح المملكة أجوائها لحركة الملاحة الجوية الإسرائيلية، علاوة على التعطيل الأمريكي الأوربي البين في مفاوضات فينا حولعودة واشنطن للإتفاق النووي مع إيران الذي كان ترامب قد إنسحب منه بشكل منفرد قبل مغادرته البيت الأبيض. من جهته حزب الله اللبناني حذر الأمين العام لحزب الله السفينية اليونانية وطاقمها وطالبها بالإنسحاب من المنطقة فوراً، وأعلن خلال ظهور إعلامي له يوم الخميس الموافق 9/6/2022 أن أي حماقة إسرائيلية ستؤدي حتما إلى حرب وجودية، مضيفاً أن خسائر لبنان من الحرب ستكون اقل بكثير من خسائر إسرائيل، الأمر الذي يجعل من كاريش فعلاً بداية للمرحلة الختامية لإعادة ترسيم النظام الإقليمي في الشرق الأوسط. اللافت هنا أن الصراع على مكانة إسرائيل في الشرق الأوسط تجري فيما الشعب الفلسطيني منقسم إلى قسمين، الأول قد تموضع الى جانب محور المقاومة، فيما الثاني حتى وإن كان محايداً لا زال يراهن على أن تنصفه القوى الإستعمارية التي صنعت إسرائيل ولا زالت ملتزمة بأمنها إلتزاماً حديداً. |