![]() |
إيران وإسرائيل: حرب غير صامتة | تل أبيب لرعاياها: «لا تتكلّموا العبريّة بصوتٍ مُرتفع»!
نشر بتاريخ: 25/06/2022 ( آخر تحديث: 25/06/2022 الساعة: 16:22 )
![]() بيت لحم- معا- سُجّلت، في الأسابيع الأخيرة، أحداث متنوّعة ذات طابع أمني، أنبأت بأن المنطقة، وربما العالم، يشهدان حلقة جديدة من «حرب الظلّ» الأمنية بين إسرائيل وإيران. حربٌ يبدو أنها ستكون ذات أثمان باهظة، وخصوصاً إذا ما أُديرت بحسابات سياسية وإعلامية وشخصية ضيّقة، كما يجري الآن في تل أبيب. ولعلّ وجهاً من وجوه تلك الأثمان، هو الهلع الذي أصاب نحو 100 ألف إسرائيلي في تركيا، نتيجة تحذير أجهزة العدو من هجوم وشيك هناك، والذي بدا معه أن «فلسفة» قيام اسرائيل في الأساس، وجوهر سياسة التطبيع وقمع المقاومات، أي تحقيق «الأمن» للإسرائيليين، يتعرّضان لاهتزازات عميقة. إذ بات الإسرائيليون يُضطرّون إلى إخفاء هوّيتهم «اليهودية» وهم يجولون العالم، إلى حدّ أن مراسل «يديعوت أحرونوت» سأل مسنّاً إسرائيلياً التقاه في إسطنبول، قبل أيام، حول الإجراءات التي يتّخذها للحفاظ على أمانه ومن معه، فأجاب: «قُلنا للأحفاد: لا تتكلّموا العبرية بصوتٍ مُرتفع»!
ولئن حازت التحذيرات الأخيرة الموجّهة بشكل خاص إلى الإسرائيليين الموجودين في تركيا الاهتمام الإعلامي الأوسع، انطلاقاً من أهداف سياسية إسرائيلية، واستناداً إلى حجم التهديد أيضاً، حيث يبدو في تركيا أشدّ منه في دولة الإمارات مثلاً، أو الأرجنتين، أو دول أخرى خارج المنطقة كانت محلّ متابعة وتحذير لدى المستوى الأمني في تل أبيب، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن ما يقوله العدو، في تقاريره وتصريحات مسؤوليه وحتى إعلامه، هو حقيقة كاملة؛ إذ تدخل في هذا السياق حسابات سياسية مركّبة، تتعلّق بالساحة التركية، وطبيعة العلاقات التركية - الإيرانية العميقة والقديمة، والعلاقات التركية - الإسرائيلية التي يجري ترميمها وتعزيزها الآن، بعد سنوات من الفُتور والتعقيد.
لكن تلك المساعي لا تنفي بأيّ حال حقيقة نشوء حلقة جديدة ومثيرة من «حرب الظلّ» الأمنية الدائرة بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران منذ أكثر من 40 سنة، والتي تتصاعد في فترات وتَخفت في أخرى، نتيجة مجموعة من العوامل المختلفة التي تكبح الجيوش والمنظّمات العسكرية عن خوض الحرب بشكلها التقليدي، فيقودها ذلك إلى تسعير الحرب الأقلّ كلفة، وذات التأثير المقبول في العدو، في حال بقائها ضمن حدود معقولة، ولم يقرّر أحد طرفَيها تطويرها إلى صراع عسكري تقليدي. لكن يبقى من أهمّ قواعد هذا النوع من الحروب، الكتمان، وعدم ترك أثر، والابتعاد التامّ عن التبنّي الرسمي، لا تصريحاً ولا تلميحاً، على اعتبار أن تجاوز القاعدة المذكورة يعني تعطيل ميزة «الأقل كلفة»، حيث سيدفع الضرر السياسي والإعلامي والأمني الذي يسبّبه التبنّي والتصريح، الطرف المهاجَم إلى الانتقام بأيّ طريقة يراها ممكنة، ما يرفع الكلفة إلى حدّ بعيد.
وفي هذا السياق، استشهد أحد المحلّلين الإسرائيليين بما قاله وزير الخارجية الأميركي الشهير، هنري كيسنجر، عن أنه «ليس لإسرائيل سياسة خارجية، بل سياسة داخلية فقط»، ما يعني أن الاعتبار السياسي الداخلي هو الأصل الغالب.
وأثارت الأحداث الأخيرة صراعاً بدأ يطفو على السطح، بين المسؤولين الأمنيين، ونظرائهم السياسيين، وحتى القانونيين. إذ بحسب الكاتب الإسرائيلي البارز، عكيفا إلدار، «تُعدّ الأحداث الأخيرة الجارية على الأراضي التركية اختباراً مثيراً للاهتمام». ويرى إلدار أن «دولة إسرائيل (باتت) هي شركة التأمين، والجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام هما وكلاء التأمين، ونحن جميعاً ندفع قسط التأمين بالدم». ويطالب، في مقالته في هآرتس»، مسؤولي المستويَين السياسي والعسكري بأن «يأخذوا في الاعتبار - عند تقرير أيّ هجوم - أن هذا سيؤدي في الواقع إلى الانتقام، فكلّما كان الخصم أكبر وأكثر خطورة ارتفع الثمن الذي سيدفعه المواطنون في البلاد»، منبّهاً الإسرائيليين إلى أن «عليهم، عندما يسمعون عن نجاح آخر لعناصر غير معروفة في اغتيال عالم إيراني، أن يغيّروا خطّة عطلتهم في سيناء أو إسطنبول». ويستشهد إلدار بحادثة تفجير مبنى الجالية اليهودية في العاصمة الأرجنتينية بيونس آيرس في تموز 1994، حيث دعاه وزير السياحة آنذاك، عوزي برعام، الذي جاء لتقديم تعازيه لرؤساء الجالية اليهودية، كممثّل للحكومة الإسرائيلية، إلى الانضمام إلى الاجتماع، عندما قال أحد المُضيفين للوزير: «في المرّة القادمة التي تقتل فيها عربياً، فكّر فينا أيضاً».
ويرى غلعاد أن «المواجهة بين إسرائيل وإيران آخذة في الاتّساع، وتتحوّل إلى نمط أكثر عنفاً في المنطقة، وفي إيران نفسها». ويقول إن «تصعيد التهديد الإيراني يتطلّب من إسرائيل الاستثمار في بناء قوّة مخصّصة من أجل إنشاء الخيار العسكري الواقعي والضروري لتعزيز الردع ضدّ إيران»، لأن «القدرة العسكرية هذه ستشكّل أدوات ضغط حقيقية لتحريك الولايات المتحدة والنظام الدولي إلى الترويج لاتفاقيةٍ (نووية) أطول وأفضل، أو بدلاً من ذلك، الدفع تجاه عقوبات دولية شاملة وفعّالة ضد إيران». وعلى صعيد موازٍ، قال مسؤولون كبار في الإدارة الأميركية ووزارة الدفاع، لـ«شبكة CNN»، إنه «على الرغم من حقيقة أن إسرائيل لا تنقل أيّ معلومات حول عملياتها في إيران إلى واشنطن، إلا أن الإدارة لم تطلب منها بأيّ حال من الأحوال وقف العمليات»، لكن «المسؤولين هؤلاء عبّروا عن قلقهم من أن أيّ خطأ في الحسابات من جانب إسرائيل أو إيران، قد يؤدّي إلى خروج التصعيد عن السيطرة، وفُرص حدوث مثل هذا التطوّر أعلى من أيّ وقت مضى». المصدر: الاخبار اللبنانية |