فلسطين بين الحقائق والفرص
نشر بتاريخ: 28/06/2022 ( آخر تحديث: 28/06/2022 الساعة: 11:43 )
لا بد في ظل التعقيد الشديد الذي تمر به القضية الفلسطينية من مراجعة حقائق أساسية، تحدد الواقع القائم، واستشراف الفرص الوسائل والأهداف الضرورية لتغيير هذا الواقع، لمصلحة الشعب الفلسطيني.
الحقيقة الأولى، أن شراسة كيان الإحتلال في التوسع الاستيطاني، والاعتداءات الفاشية على الشعب الفلسطيني، والتكريس الوقح لنظام التمييز والأبرتهايد العنصري، تعود إلى استمرار الخلل في ميزان القوى لمصلحته.
الحقيقة الثانية، أن تغيير ميزان القوى، لن يصير دون تبني إستراتيجية وطنية كفاحية تناهض الاحتلال ونظام الأبرتهايد، وتنظم خوض كفاح شعبي واسع وموحد ضده.
الحقيقة الثالثة، أن مواصلة المراوحة في نفق إتفاق أوسلو والمراهنة على مفاوضات لن تحدث، أو على دور أمريكي لا يمكن أن يتجاوز حالة الانحياز المطلق لإسرائيل، مراوحة تدور في الفراغ، ومراهنة على سراب.
الحقيقة الرابعة، أن استمرار الانقسام الداخلي الفلسطيني من أهم الأسباب المغذية للخلل في ميزان القوى، وأكثر العوامل التي تستغلها الحكومات الإسرائيلية للتهرب من تطبيق القرارات الدولية ومن كل عملية سياسية.
الحقيقة الخامسة، هناك ازدواجية في المعايير الدولية، لدى الحكومات كلما تعلق الأمر بفلسطين، و معظم الأطراف الدولية تبحث عن الإستقرار في منطقة الشرق الأوسط حتى لو على حساب التغاضي عن استمرار الاحتلال واضطهاد الشعب الفلسطيني، وعن جرائم الحرب التي ترتكب ضده، وهذه الأطراف لا تتدخل إلا عندما تضطرب حالة الإستقرار، كما جرى بفعل الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأولى.
الحقيقة السادسة، هناك تحول عالمي كبير على مستوى الشعوب، والأجيال الشابة لمصلحة الشعب الفلسطيني، يتجلى في نشاط حركة المقاطعة، وفي مواقف الجامعات، والأحزاب، والنقابات، وبشكل خاص في نشاط مؤسسات المجتمع المدني. لكن هذا التحول يحتاج، كي يترجم إلى تأثير ملموس، إلى قيادة فلسطينية موحدة، وواضحة في توجهها النضالي، وحاسمة في رفض المساومة على حقوق الشعب الفلسطيني.
الحقيقة السابعة، إسرائيل ورغم امتلاكها لقوة عسكرية ضخمة، وأسلحة نووية، وتقدم تكنولوجي وإقتصادي، أصبحت مجتمع رفاه وثراء، لا يحتمل مواجهات واسعة ومستمرة، وتتقلص مع الزمن درجة استعداده لتحمل الخسائر في أي مواجهة، بل إنه يعاني من حساسية شديدة للخسائر البشرية، والخسائر الإقتصادية، وكذلك الخسائر الأخلاقية والمعنوية، وهذه الحساسية الثلاثية، تحدُ بشكل متواصل من الاستعداد الإسرائيلي لاستخدام القوة، إن كان هناك ثمن يدفع مقابل استخدامها.
الحقيقة الثامنة، فقدت المنظومة الإسرائيلية الاندفاعية الطلائعية التي جسدتها الحركة الصهيونية في بداية نشوئها، بل إن الثراء الذي حققته من إستغلال الأراضي الفلسطينية المحتلة ونهب ثرواتها، والاستغلال البشع للعمال الفلسطينيين، قد أفسد الإندفاعية، وأنشأ مجتمعاً حافلاً بالتناقضات التي تواصل التفاقم، وأحد مظاهرها تكرر الحاجة لإجراء الإنتخابات خمس مرات في غضون أربع سنوات.
الحقيقة التاسعة، وسم إسرائيل بصفة الأبارتهايد إلى جانب أنها قوة إحتلال مارست التطهير العرقي والإستعمار الاقتلاعي، يسبب لها نزفاً في الهيبة، والمكانة، والمعنويات سيتزايد ويتعاظم، ولا تستطيع وقفه أي قوة عسكرية مهما عظم شأنها.
وفي محاولة استشراف الفرص و المستقبل، يبدو جلياً، أن ميزان القوى المختل لمصلحة إسرائيل قابل للكسر، إن توافرت عناصر الإستراتيجية الناجحة لدى الفلسطينيين.
وأولها، التخلي عن أوهام الماضي بإمكانية الوصول لحل وسط مع الحكومات العنصرية اليمينية الإسرائيلية، ومع الحركة الصهيونية، والإستعداد لتبني نهج وطني مقاوم، وليس متفاهما أو منسقا مع الإحتلال وأدواته.
أي تبني إستراتيجية وطنية كفاحية بديلة لنهج الماضي الذي فشل.
وثانياً، إنهاء الإنقسام الداخلي الفلسطيني، عبر تشكيل قيادة وطنية موحدة تضم جميع القوى الفلسطينية على أساس الإستراتيجية المذكورة، وبآلية الشراكة الديمقراطية التي لا ينفرد فيها أي فرد، أو فصيل، أو تنظيم بالقيادة، أو بإدعائها.
وثالثاً، استعادة ثقة الشعب الفلسطيني عبر الانتخابات الديمقراطية الحرة، للرئاسة ومجلس وطني فلسطيني جديد بجزئيه في الخارج والداخل (المجلس التشريعي) يعيد إلى منظمة التحرير الفلسطينية هيبتها، ودورها النضالي، ويعزز قدرتها على تمثيل الشعب الفلسطيني، لمنع أي محاولة للمساس بحقوقه، ودرء أي ادعاء من أي طرف بقدرته على الحديث نيابة عن الشعب الفلسطيني، وعن ممثليه الحقيقيين.
ورابعاً، بناء تكامل حقيقي بين مكونات الشعب الفلسطيني، ونضالها، في الداخل والخارج والأراضي المحتلة، تكامل يجسد حالة الوحدة التي عاشتها القدس و فلسطين في معارك القدس و المسجد الأقصى و حي الشيخ جراح.
وخامساً، إيلاء اهتمام خاص لنهوض شبابي فلسطيني واسع على الصعيد الدولي لتجنيد حركات التضامن والمقاطعة، والتواصل مع الحركات والحراكات التقدمية في العالم بأسره، وذلك يشمل الاستخدام الفعّال لوسائل الاتصال الاجتماعي، ولكن برواية موحدة، وتنظيم فعال على أساس مركزية الرسالة، وحرية ولا مركزية الإنتشار و النشاط والإبداع.
لا يوجد أدنى شك لدي، بأن آفاق المستقبل لقضية فلسطين رحبة، وهي أوسع بكثير من أزقة التطبيع النتنة، التي يحاول الإسرائيليون إستخدامها لإحباط الشعب الفلسطيني.
مفتاح المستقبل بيد الشعب الفلسطيني ، وليس بيد غيره، ولكن لا يمكن لأي مفتاح أن يعمل، من دون يد تحمله، وعقل راجح يوجهه، وإرادة حرة تحركه.