|
تضخم مظاهر المجتمع الاستهلاكي على حساب مقومات الإنتاج والصمود .
نشر بتاريخ: 29/06/2022 ( آخر تحديث: 29/06/2022 الساعة: 12:04 )
لقد شد انتباهي ما قاله الأخ الرئيس أبو مازن قبل يومين موجهاً حديثه لمجلس الوزراء : "أريد أن أرى تصنيعا في فلسطين ، لا أريد رؤية مدن صناعية فارغة." وفي هذا الخصوص فانني اذكر اليوم ورغم يُسر الحالة المادية للعديد من العائلات بالعقود السابقة ، الا اننا كنا نعيش وفق المقولة الشعبية "على قد فراشك مد رجليك " ، وربما لو اتبعنا المثل الذي يقول "خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود " ، لكانت تلك العائلات الآن في وضع مالي أفضل مما هي فيه الآن ولكانت قدرتها على تحمل أعباء غلاء المعيشة أفضل في هذه المدينة التي سبقت بغلائها مدن وعواصم عالمية أخرى فيها دخل الفرد أضعاف ما لدينا . اما اليوم ورغم ما اتاحته ظروف انشاء السلطة الوطنية وفق اتفاقيات أوسلو وما تبعها وخاصة ملحق باريس الاقتصادي ، تلك الاتفاقيات التي تباينت الاراء بخصوصها وبخصوص ما الت له من نتائج لست بصدد نقاشها أو ابداء الرأي بخصوصها ايجابا أو سلبا في هذه المقالة الموجزة . الا اننا وبشكل عام لم نتمكن من إتمام عملية الانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال أو لم يسمح لنا بذلك وهو ما قد يكون أدق من حيث الوصف ، ولم يسمح لنا بانهاء المرحلة الانتقالية المفترضة والانتقال إلى تجسيد الدولة المستقلة ذات السيادة على مصادرنا ومواردنا المختلفة حتى اليوم ، مما اضاف إلى تعقيدات الأوضاع تعقيدات جديدة على اثر توسع الاستيطان الاستعماري وحصار غزة والقدس والجدار وجرائم الاحتلال اليومية وغياب اي أفق سياسي يقودنا إلى الاستقلال الوطني بفعل الرؤية الاستعمارية الصهيونية صاحبة المشروع الاستيطاني في كل ارض فلسطين وبفعل نفاق الغرب صاحب ازدواجية المعايير التي ساهمت في إطالة أمد الاحتلال دون عقاب ومحاسبة . صحيح ان أشكال متطلبات الحياة قد تغيرت واصبحت اكثر تنوعا ، واهتمامات قطاع الشباب أصبحت تختلف من حيث أشكالها بل ومن حيث مضامينها في بعض الحالات ، عن تلك الأشكال وجوهر المعيشة التي رافقتنا في شبابنا ، وذلك بفعل العولمة من جهة وتطور المعرفة الرقمية والتكنولوجية التي دخلت مفاصل الحياة ، هذا إضافة إلى طول عمر الاحتلال الذي دخل عامه ال ٥٥ وما رافقه من عذابات وتضحيات جسام تركت إثارا مختلفة ومتنوعة على قطاع الشباب تحديدا واهتماماتهم التي انعكست على مستويات المعيشة ونوعيتها التي أصبحت اكثر كلفة وأكثر تغيرا من حيث الاهتمامات. وقد رافق ذلك ازدياد عدد خريجين الجامعات وخاصة المحلية منها في مساقات افتقرت إلى التخصصات المتعلقة بالتدريبات المهنية المتوسطة الصناعية والزراعية منها ، فتضخم عدد خريجي التخصصات المهنية إلى حد كبير لا يستوعبه سوق العمل لدينا ، فلجاء عدد من هؤلاء الخريجين إلى سوق العمل الحكومي أو للعمل في داخل إسرائيل في أعمال البناء والخدمات ومنها داخل المستوطنات ، وقلة منهم استطاعوا الحصول على وظائف تتعلق بتخصصاتهم ربما في قطاع المؤسسات الاهلية . وزادت هذه الاوضاع من إعداد موظفين الخدمة المدنية بالقطاع الحكومي كأكبر مشغل ، دون ان يكون هنالك حاجة لمثل هذا التضخم الوظيفي ، وخاصة أن عدد منها دون كفاءات مطلوبة مما أدى الى زيادة العبئ والارهاق على الموازنة التشغيلية للحكومة وظهور أشكال البطالة المقنعة التي اعاقت من مهنية العمل ومستوى الاداء برواتب متوسطة لا تلبي احتياجات المعيشة ومستويات الحياة وغلاء المعيشة المتصاعد يوميا بفعل تداعيات أزمات الاقتصاد العالمي أو بفعل جشع بعض التجار وغياب الرقابة الحكومية المناسبة بما بسمح به القانون للحد من ذلك الارتفاع الغير مبرر للأسعار لعدد من السلع أو الخدمات وتحديدا في محافظة رام الله والبيرة تحت بصر الجميع . هذه المصارف التي اتاحت فرص الحصول على القروض البنكية بضمان الراتب أو برهن العقار وبفوائد بنكية متنوعة ، ليس تحديدا لاقامة مشاريع إنتاجية تفتح آفاق تشغيل الأيدي العاملة وتقلل من نسب البطالة ، بل لزيادة وتشجيع نمط الحياة الاستهلاكي والذي فاق ما يسمح به دخل الفرد لضمان مستوى من المعيشة المقبولة رغم تدني المداخيل ، فاصبحنا نتنافس على مظاهر المجتمع الاستهلاكي . كل ذلك راكم على المواطن أقساط شهرية لسداد القروض وصلت حتى ٧٥% من الدخل الشهري للمواطن وتحديدا للموظفين منهم ، حتى أن سداد تكاليف متطلبات الحياة الأساسية من مياه وكهرباء واقساط مدارس أو جامعات للأبناء وشراء المواد التموينية الأساسية أصبح صعبا دون احتساب المصاريف الأخرى، وبالتالي أصبحت تكاليف الحياة بمعظم الحالات اكثر من دخل الفرد ، مما استدعى البعض للحصول على قروض شخصية اضافية زادت من الأمور تعقيدا أو الاعتماد على مساعدة الأقرباء الذين يعملون بالخارج فوصلت قيمة المبالغ المحولة من مغتربين الخارج لاقربائهم المواطنين هنا حوالي ٣،٥ مليار دولار عام ٢٠٢١ من أجل تغطية مصاريف المعيشة وغلاء الأسعار دون ان تستغل تلك التحويلات بإقامة مشاريع إنتاجية اساسية . كما لم يقم القطاع العام وحتى الخاص إلى حد ما بتأسيس مثل تلك المشاريع الإنتاجية الصناعية الكبيرة للتقليل من نسب البطالة والتقليل من إعداد العاملين باسرائيل ، علما بأن حجم ودائع القطاعين العام والخاص لدى البنوك بلغت ١٦ مليار دولار حتى نيسان من هذا العام اي بزيادة بلغت مليار دولار عن نفس الفترة من العام الماضي ٢٠٢١ . |