|
قراءة في كتاب "ثورة في الفكرة" للمتوكل طه
نشر بتاريخ: 03/07/2022 ( آخر تحديث: 03/07/2022 الساعة: 14:41 )
يقول المتوكل طه: "إن حركة فتح ضرورة وطنية، وإصلاح حركة فتح واستنهاضها على أسس وطنية ضرورة، ومدخل لاستنهاض المشروع الوطني، مشروع الكل الفلسطيني". حقاً كانت وستبقى حركة فتح رمزاً للنضال الوطني، وهي القادرة على حماية المشروع الوطني، وهي المؤهلة دائماً لاستنهاض القوى الشعبية والكفاحية لمواجهة كل المؤامرات التي تستهدف القضية الفلسطينية، وهي رافعة النضال في وجه الاحتلال بكل الوسائل والسبل، والكل يدرك أن قوة التنظيمات الأخرى من قوة حركة فتح، فهي عمود الخيمة. تعرضت حركة فتح وما زالت تتعرض للمؤامرات من الأعداء والأشقاء والمتعاونين مع الاحتلال بهدف اضعافها، وبالتالي إضعاف الحركة الوطنية. ونحن هنا نتحدث عن فتح كفكرة، وليس كأشخاص، لأن الأشخاص يتغيرون، وتبقى فتح حركة جامعة للفلسطينيين كتبت العديد من الدراسات والمقالات عن حركة فتح، وثمة عشرات المؤلفات كتبت عنها سواء عن تاريخها ومسيرتها النضالية، أو عن الأبعاد السياسية لحركة فتح، وقليلة هي الدراسات التي كتبت تنتقد حركة فتح يطرح الكاتب الدكتور المتوكل طه في كتابه "ثورة في الفكرة، فتح والأزمة .. في النقاش الدائر"، والصادر عن دار الرعاة وجسور عام 2022، رؤية انتقادية لمسيرة حركة فتح، ويبرز الاخفاقات التي وقعت فيها الحركة بعد اتفاق اوسلو، ثم يطرح رؤى للخروج من المأزق الذي وقعت فيه الحركة، وتأتي هذه الانتقادية على قاعدة المكاشفة والمصارحة والنقد الذاتي المسؤول والحريص المنتمي. وتأكيداً كما يقول، "إنه إذا لم تتوفر المساحة النقدية لمحاسبة المسؤولين عن كل هذا الاخفاق والضياع، فإن هذا يعني اعطاء الشرعية والمباركة لهم على ما اقترفوه بحق حركة فتح" ليس سهلاً على المرء أن ينتقد ذاته، أو يسمح للأخرين أن ينتقدوه، ولكننا أمام مثقف عضوي (كما يقول غرامشي) ينتقد ذاته، يصل إلى حد سلخ الذات، لكي يعيد بناء جلد جديد لحركته التي آمن بها، حركة فتح. فهو ما زال يؤمن رغم كل المتغيرات الاقليمية والدولية والمحلية التي أصابت حركة فتح بالضعف، بأن فتح ما زالت قادرة على استعادة هويتها، وتحافظ على هيبتها وديمومتها، وتعيد صلتها الثورية بالجماهير. ويؤكد أن ثمة أخطاء وقعت، وتجاوزات حدثت، والكثير من القادة خرجوا على مبادئ فتح واستراتيجيتها. يشعر الكاتب أنه يقسو على حركته في توصيف حالها، ولكنه يؤكد أن ذلك بدافع الغيرة والحماية والحب والانتماء، وبهدف اثارة النقاش، وعصف ذهني بكامل العافية والاستعداد. وهذا هو دور المثقف الجمعي الذي يحمله المتوكل طه، فالمثقف بخلاف السياسي لا يؤمن بالمرحلية ولا بتجزئة الوطن إلى كنتونات ثم بالاتفاقيات نعيد وصلها، كما يرى السياسي، ولكن المثقف يبقى هو حارس الحلم الفلسطيني، والقادر على إحداث التغيير إذا منح الحرية اللازمة، لا أن يصبح أداة طيعة في يد السياسي. وانطلاقاً من هذه الرؤية كان كتاب الصديق الدكتور المتوكل طه، فقد حاول أن يرد على سؤال أحد أصدقائه حين سأله عن دور المثقفين في هذه المرحلة التي فشل فيها النظام الفلسطيني في تحقيق مشروع التسوية أو التحرير. من هنا يأخذ المثقف دوره في تصحيح المسار، انطلاقاً من اصلاح المرجع الأساسي للنظام الفلسطيني، وهو حركة فتح، فيأتي هذا الكتاب في سياق المراجعات الفكرية للكشف عما أصابت فيه حركة فتح من انجازات وما وقعت فيه من اخفاقات، في محاولة لبناء رؤية فكرية – سياسية لإعادة تصحيح الاخفاقات التي أصابت الحركة جراء عوامل عديدة. يقول الكاتب: "إن حركة فتح التي حملناها وحملتنا، لا يمكن لنا أن نؤكد على هويتها الوطنية الفتحاوية بالقول لسنا قطيعاً من نعاج أو دجاج، لأن هذا تأكيد سلبي للذات، بل نقول نحن القادرين على قول ما يجب قوله، ولو من باب "أضعف الإيمان" ما دمت، أنا على الأقل، غير قادر على التغيير باليد والمباشرة". إن الكاتب يفكر بصوت عالي مثل الكثيرين الذين ينادون بضرورة أن تستعيد حركة فتح دورها على المستوى الجماهيري. ويطالب بمراجعة شاملة لاستراتيجية الحركة وأهدافها وسياساتها وبرامجها وأدواتها. وفي هذه الدراسة القيمة يضع اصبعه على موضع الجرح في محاولة لعلاجه. لذا طرح حركة فتح للنقاش أمام كل من يعتبر نفسه حريص على حركة فتح، وليس في الغرف المغلقة، بل كان الصوت الحريص على حركة فتح ومستقبلها، فكان النقاش متشعباً في كل أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. مؤكداً على الانتماء لهذه الحركة العملاقة التي أنجبت قادة عظام ساروا بها وسط حقول من الأشواك بل من الألغام، حتى أثبتوا وجودها على خارطة العالم بما قدمته من كفاح سياسي وعسكري، وأعادوا بذلك الاعتبار للقضية الفلسطينية التي غيبت سنوات في أروقة الأنظمة العربية. في قراءتنا لهذا الكتاب لن نخوض في العديد من القضايا التي يطرحها الكاتب، ليس لعدم أهميتها، وإنما يهما الرؤية التي طرحها للخروج من الأزمة، وهذا ما سوف نركز عليه مع استعراض سريع لبعض ما طرحه في كتابه. يبدأ الكاتب النقاش من الدور العربي الرسمي في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وتحميل تبعيتها للفلسطينيين أنفسهم لكي يتخلصوا هم أنفسهم من تحمل مسؤولية القضية الفلسطينية، ولكنهم لم يتخلصوا بل أزاحوها من أمام أعينهم، إلا أنهم هيمنوا عليها بالمال وبالدعم تحت مسمى دعم النضال الفلسطيني. يشير الكاتب ورغم أن فتح حملت مشروع المنظمة، وحافظت على التنوع داخل مؤسساتها، إلا أنها لم تتمكن من تخليصها من التدخلات العربية الرسمية. يشير الكاتب إلى الأخطاء التي وقعت فيها فتح منذ توقيعها على اتفاق أوسلو، أهمها التنازل عن الحقوق غير القابلة للتنازل، والاعتراف بالقاتل قبل نيل الحقوق، والهبوط بالثوابت، والسماح باستشراء الفساد بكل صوره، والانتهاء من فكرة مواجهة الاحتلال، وتغييب القوى المسلحة. أما أبرز الأخطاء فكانت في عملية الخلط بين فتح والسلطة، فأصبحت فتح هي النظام السياسي الفلسطيني، وبالتالي اخفاق وفشل النظام السياسي تحملت حركة فتح تبعاته. لذا من الضروري الاستقلالية بين حركة فتح والسلطة، كما يرى، لأن اخضاع فتح للسلطة والتزاماتها يخرج فتح من كينونتها ويتعارض مع مبادئها. كما أن التداخل بين السلطة وحركة فتح، وهيمنة الأولى على الثانية يشكلان سبباً مهما في اعاقة استنهاض حركة فتح، وفي ضبابية الرؤية عند أبناء الحركة، وفي فقدان الحركة مصداقيتها عند الجماهير العربية والاسلامية. ويؤكد أن الصراع على السلطة يدمر حركة فتح، وبالتالي الصراع داخل فتح على المناصب بات يهدد الحركة ليس فقط قيادتها للشعب الفلسطيني، بل وجودها كحركة تحرر وطني. ويطرح الكاتب رؤية مهمة في مسألة البعد الجماهيري لحركة فتح، مؤكداً أن الحركة وقيادتها كانت وما زالت بعيدة عن الجماهير وقاعدتها الفتحاوية، وهذا في رأيه جعل القاعدة الفتحاوية تتخبط سياسياً وفكرياً، ولا تستطيع أن تدافع عن نفسها في مواجهة خصومها لأنها لا تعرف ما يجري، وبالتالي يعتمد كل فتحاوي على اجتهاده الخاص. وهنا يقتبس قول صلاح خلف: "يجب أن نكون صريحيين مع جماهيرنا، لأن امتناعنا عن أن نقول لها كل الحقيقة، إنما يعني شكلاً من أشكال احتقار هذه الجماهير". وفي جانب آخر ينتقد المواقف والسلوكيات التي يطرحها دعاة المقاومة الشعبية وانخراط الجماهير فيها، حيث يرى أن تلك الدعوات هي عبث وهروب من أزمة، يقول: "ما نراه على السياج في غزة أو في بعض المواقع في الضفة ما هو إلا امتصاص للنقمة الفلسطينية العارمة أو تنفيس لها، أو توظيفها في المناسبات". أما المقاومة الشعبية الحقيقية في رأيه ما قاله أحمد غنيم: "بأن أهم شروط المقاومة الشعبية هو تعميم نموذج المقاومة على كل مساحة الحيز الوطني والجماهيري مع الديمومة والاستمرارية، ووحدة القيادة والمنهج والبرنامج". لذا يرى الكاتب أن ضعف حركة فتح جماهيرياً يعود إلى: عدم الانجاز السياسي، والاخفاق الاداري، والتخشب الفكري أو غياب الرؤية، وانعدام الكريزما الشخصية وينتقد الكاتب مؤتمري فتح السادس والسابع، ويعتبر أنهما انعقدا بالكيفية المعومة بالارتجال والشعبوية، وغياب المراجعات والمكاشفة الحقيقية والشفافة، لذلك خرجت كل القرارات دون أرض للتنفيذ، ويستشهد بالعديد من الآراء التي انتقدت هذين المؤتمرين. أهمها رأي القائد الفتحاوي محمود العالول الذي قال: "إن المؤتمرات (الفتحاوية) بشكل دائم، هي بالتأكيد، محطات من أجل المراجعة والتقييم، وإعادة الدراسة، وتسليط الضوء على الكثير من القضايا. لكننا لم نر ذلك!، والأكثر خطورة، هو أنه تم استبدال النظام الأساسي للحركة بنظام داخلي، يفتقد إلى الأرض الراسخة التي نهضت عليها حركة فتح، إضافة إلى تقديم خطابات سياسية يعوزها الصدقية والعمق والجدية والمتابعة، وحماية النسغ الذي كون خطاب فتح التاريخي". عديدة هي الرؤى والمواقف والانتقادات التي يطرحها الكاتب في دراسته عن حركة فتح، ورغم قوتها وجراءتها ومنطقيتها، إلا أنه حينما ينتقد يقدم آلية البناء، فهو لا ينتقد لأجل الانتقاد بل من أجل البناء، وخروج الهواء الفاسد من الغرفة، ليحل محله الهواء النقي الذي يمنح الحركة الصحة والنشاط والفعالية يقف الكاتب أمام السؤال التاريخي، ما العمل لخروج فتح من أزمتها؟. لذا يقدم بما يشبه مشروع خارطة طريق لاستنهاض حركة فتح من كبوتها تحت عنوان "ما العمل لاستنهاض حركة فتح من جديد"، سواء على المستوى الوطني العام، أو على مستوى العمل التنظيمي. ويضع مجموعة من الرؤى استخلاصها مما انتقده، والتي يرى أنها قادرة على النهوض بحركة فتح في حال تطبيقها: اعادة تعريف حركة فتح كحركة نضالية باعتبارها التنظيم القائد وليست تنظيم القائد. وعلى فتح أن تحدد موقعها ومسؤولياتها بالنسبة لكل من السلطة ومنظمة التحرير. وأن تقوم فتح بالقضاء على ظواهر القوى والتيارات والوجاهات والأمراء والأجندات وتأثير الأموال. وإعادة هيكلة فتح من القاعدة إلى القمة، واستحداث أنماط حزبية جديدة. وتعمل فتح على ترميم صورتها التي تشوهت عبر السنوات الماضية عبر اصلاحها، لأن في اصلاحها واستعادة روحها وفاعليتها سيرفع مستوى أداء الفصائل التي تحللت وانكمشت. وعلى فتح أن تستحدث دوائر وهيئات ثقافية واعلامية وتربوية قادرة على وصل القاعدة بالقمة. وتأكيد فتح على مرجعياتها العربية والاسلامية التي لا نقاش ولا اختلاف فيها. ولكنه يستدرك بألم وحزن، قائلا: وكيف لها أن تنهض إن لم يكن لها أدوات تحمل رسالتها وخطابها الوطني، وتبقى أسيرة من يقولها أو يقول عنها، فلست أرى أن فتح لديها إعلام قادر وقوي ومهني، وليس لديها مؤسسات ثقافية، ومنتج يعبر استراتيجياً عنها، ويسوق مقولاتها، وتشكل أدبياتها وجدان عناصرها يؤكد الكاتب أن حركة فتح تعرضت لعملية افساد ممنهجة، بدأت منذ عقود من قبل قوى اقليمية ودولية وعربية، إضافة إلى عملية تجريف وتفريغ لمحتواها الوطني والثوري والثقافي والتطهري، ما جعل هوامش السوء والنتوء تحتل مساحات كبيرة داخل فتح. وهذا هو الذي أوصلها عبر تراكمات ممتدة إلى حالة من الضعف في فصل من دراسته يتحدث الكاتب عن دور الثقافة بكل مكوناتها في مواجهة المحتل، ويشير إلى الدور الكبير للثقافة والفنون والإعلام في استعادة فتح لدورها وألقها النضالي، ويؤكد أن هذا المحتل يعمل بكل قوة على تهديم الثقافة الوطنية الفلسطينية، بهدف تفريغ الهوية الوطنية من روحها وضميرها، لذا يشير الكاتب إلى آليات النهوض في سبيل المحافظة على ثقافتنا وحضارتنا وتراثنا في مواجهة العدو. ويؤكد الكاتب أن وجود ثقافة وطنية فلسطينية يعني أن هناك شعباً أنتج هذه الثقافة، ووجود شعب يعني بطلان المقولة التي روجها الصهاينة، وفحواها أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وبالتالي فإن الهجمة على الثقافة الوطنية الفلسطينية ليست منفصلة عن محاولات اسرائيل الرامية إلى شطب وجود الشعب الفلسطيني من الأساس، وذلك باعتبار الثقافة الوطنية تعبر عن هذا الشعب، وبعث لهويته الوطنية التي هي سلاح آخر يثبت زيف تلك المقولة إن حرص الكاتب على حركة فتح تلك الحركة التي آمن بأهدافها وبثوابتها الوطنية، جعلته يخوض هذا الغمار، لكي يضع واقع حركة فتح أمام القيادة والمسؤولين، وأمام القاعدة الجماهيرية لفتح، لكي يعملوا معاً في إعادة الاعتبار للحركة التي قادت المشروع الوطني الفلسطيني عبر سنوات طويلة، وعبدت طريقها بالتضحيات والدماء، ويؤكد أن ما حالة البؤس التي تعيشها الحالة الوطنية، إلا نتاج حالة البؤس والضعف التي تعيشه حركة فتح إن عودة فتح لمسارها الصحيح وانتصارها على أزمتها هو مكسب كبير للمشروع الوطني، وللنظام السياسي الفلسطيني الذي تراجع بفعل السياسات الخاطئة، خاصة أن المنطقة تواجه مشروعاً استعمارياً كبيراً، ولا يستطيع أحد الوقوف أمامه مواجهته غير حركة فتح بقوتها وعنفوانها الجماهيري. |