|
حول الأحداث الدولية المتسارعة وزيارة بايدن ودور المحافظين الجدد في اشاعة الفوضى بالعالم
نشر بتاريخ: 05/07/2022 ( آخر تحديث: 05/07/2022 الساعة: 14:42 )
ان تيار المحافظين الجدد لم يجد في حماقات ترامب ما يشفي غليله، وابتعد عنه الى حد كبير من مقدار الشعبوية التي اكتنفت التنظير والتبشير قبل السياسة والاقتصاد من جانب ترامب، والأرجح أن هذا التيار المتمكن باوساط الدولة العميقة بالولايات المتحدة انتظر عوداً على بدء شخص بايدن في محاولة التاثير عليه وتمرير رؤيتهم التي تنتهجها الدولة العميقة بالولايات المتحدة وبريطانيا أيضا. من الضروري الاشارة الى اصول هؤلاء بداية ، فقد ظهرت حركة المحافظين الجدد في ستينات القرن الماضي بين مجموعة من المفكرين والموظفين الحكوميين بالولايات المتحدة وتحديدا بالحزب الديمقراطي خاصة من اوساط كانت ليبرالية وجزء منهم من له علاقة بالحركة الصهيونية العالمية الذين تأثروا بعدد من العلماء السياسيين في جامعتي شيكاغو ويال ، ومن ثم ظهر عدد منهم في بريطانيا على وجه التحديد . لهذا الغرض عملوا من اجل أن تكون القوة العسكرية الأمريكية في وضع جاهز مُسبَق في مئات من القواعد العسكرية المنتشرة حول العالم ، ومن أجل ان تكون الولايات المتحدة مستعدة لقيادة "الحروب المختارة" حسب ما تقتضيه ظروفها، ووفق قناعاتهم ايضا فانه لا ينبغي للولايات المتحدة أن تستخدم الأمم المتحدة إلا عندما تكون مفيدة لأغراض الولايات المتحدة وسياساتها . وقد أوضح بول وولفويتز وهو احد اهم قادة هذه الحركة ومنظريها هذا النهج في مشروع توجيهاته المتعلقة بسياسات الامن القومي الذي اعده لوزارة الدفاع في عام ٢٠٠٢ ، حيث دعا المشروع إلى توسيع نطاق شبكة الأمن التي تقودها الولايات المتحدة لتشمل أوروبا الوسطى والشرقية على الرغم من الوعد الصريح الذي قدمه وزير الخارجية الألماني في عام ١٩٩٠ بأن التوحيد الألماني لن يعقبه توسع للناتو في الشرق الاوروبي . وقد قاد المحافظين الجدد توسيع منطقة عمل حلف شمال الأطلسي لتشمل أوكرانيا حتى قبل أن تصبح هذه السياسة الرسمية للولايات المتحدة تحت إشراف جورج بوش الابن في عام ٢٠٠٨. واعتبروا أن وجود أوكرانيا في منظمة حلف شمال الأطلسي هي مفتاح الهيمنة الإقليمية والعالمية للولايات المتحدة. إن رؤية المحافظين الجدد تقوم على أساس فرضية زائفة ، وهي أن التفوق العسكري والمالي والتكنولوجي والاقتصادي في الولايات المتحدة تمكنها من إملاء الشروط في جميع مناطق العالم . منذ خمسينات القرن الماضي ، تم احراج أو هزيمة الولايات المتحدة في كل صراع إقليمي تقريبا شاركت فيه. ومع ذلك فإن المحافظين الجدد ما زالوا على استعداد لإثارة مواجهة عسكرية مع روسيا من خلال الحرب بالوكالة التي تخوضها امريكيا باكرانيا وتوسيع نطاق منظمة حلف شمال الأطلسي رغم الاعتراضات الروسية القوية . انهم يعتقدون بشدة أن روسيا سوف تُهزم من خلال العقوبات الأميركية وأسلحة حلف شمال الأطلسي الناتو . غير ان الوقائع على الارض تشير إلى خلاف ذلك، ولم يكن للعقوبات الاقتصادية الغربية سوى تأثير قليل على روسيا ، في حين كان أثرها على بقية العالم كبيرا وتحديدا على أوروبا خاصة في مجال الطاقة والغذاء ، نتيجة عدم حكمة قادة الاتحاد الأوروبي الذين ما زالوا متعلقين بالسير تحت مظلة السياسة الأمريكية. وبرأي إذا كان لأوروبا أي رؤية مستقبلية صحيحة ، فإنها سوف تفصل نفسها عن هذه الاتجاهات في السياسة الخارجية الأمريكية بما فيها الموقف من حل قضية شعبنا وانهاء الاحتلال ، وهو احد الأمور التي باتت اليوم تشكل بعض الخلافات بين الاوروبين ومصدرا للتحرك الشعبي الذي عكسته نتائج الانتخابات الفرنسية إلى حد ما وبعض التحركات والإضرابات في دول أوروبية أخرى. وفي شان علاقة المحافظين الجدد مع الاحزاب الصهيونية والنظام الفاشي في اسرائيل ، لا بد من الإشارة هنا إلى ما توالى من احداث معروفة بعد اغتيال رابين وصعود نتنياهو إلى الحكم ، خاصة إلى كلمته التي كتبت بالتعاون مع مستشارو نتنياهو الأميركيون من المحافظين الجدد تحدد موقفاً بشأن الانفصال التام عن الضعف الذي اتسمت به الحكومات الإسرائيلية السابقة والتأكيد على إظهار القوة، وتفوق إسرائيل والغرب ومقاومة أي ضغوط للتنازل. فقد جاء بالكلمة أمام الكونغرس عام ١٩٩٦ على ضرورة إنهاء عملية السلام وإضعاف منظمة التحرير الفلسطينية وإقامة بديل لقيادتها، وعرقلة أي وجود فلسطيني رسمي في القدس وتوسيع الاستيطان وإجراءات الضم ، وبناء تحالفات إقليمية على أساس القوة لمواجهة الأعداء، وخص بالذكر سوريا، والتخلص من صدام حسين في العراق انذاك ، والتخلي عن المساعدات الاقتصادية الأميركية لتقليص أي ضغط لكن مع استمرار الحصول على المساعدات العسكرية الأميركية. والان تأتي زيارة بايدن للمنطقة على أثر تبدل أولويات اهتمامات استراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي توجهت نحو وسط شرق اوروبا واسيا ، ومن أجل تهدئة الأوضاع من وجهة نظرهم بتثبيت دور إسرائيل فيها على حساب حقوقنا الوطنية الثابتة التاريخية والسياسية والقانونية ، من خلال القفز عن المبادرة العربية بعلاقة اسرائيل بدول عربية ، ومحاولة انشاء تحالف وفق ما يتم الحديث من تسريبات بشأنه لإعادة ترتيب الأوراق بمشاركة دول عربية جديدة و غير عربية ايضا مثل تركيا ووجود دور لحركة الاخوان المسلمين في ذلك ، بهدف محاولة إدارة أزمات المنطقة بما يخدم مصالحها دون إيجاد حلول خاصة لقضيتنا الوطنية ، كذلك إدارة ملف استخراج الغاز من الشواطئ اللبنانية من خلال زيادة الضغط على لبنان بعد فشلهم بتحقيق مشروعهم في سوريا ، لمحاولة تأمين خط نقل الغاز إلى أوروبا بدلا عن الغاز الروسي الأمر الذي تقوم به دولة الاحتلال. وفي ظل تراجع النفوذ الأميركي العالمي لا يستطع جو بايدن إملاء رغبة إدارته على حلفاء امريكيا التقليدين كما فعل سلفه أوباما عندما كان الأمر مختلف ، وبالتالي قد يكون هنالك شكوك بخصوص آليات تنفيذ شكل الحلف الذي تسربت اخبار حوله ، كما لن يستطيع فرض شيئا جديدا على حكومة تسيير الأعمال الإسرائيلية أمام اقتراب انتخابات الكونغرس القادمة وحاجته إلى اصوات مناصري إسرائيل ومجموعات الضغط المرتبطة بهم ، وارضاء المحافظين في حزبه أمام التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي بقيادة بيرني ساندرز الذي ما زال بطيئا في نموه وتأثيره . هؤلاء الحلفاء التقليدين لامريكيا بمنطقتنا يرون الآن التقدم الروسي الصيني في العالم ، ويدركون تماماً أن مصالحهم سوف تتضرر في حال انحيازهم إلى أي طرف في صراع الأقطاب ، والأهم أنهم باتوا يعلمون أن التحالف الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة لن يكون قادراً على حماية مصالحهم ، وهو بالكاد يقدر على حماية مصالحه في مواجهة الآثار العكسية الاقتصادية المدمرة للعقوبات التي يفرضها الناتو وحلفاؤه على روسيا ، والمرتدة على دول الناتو نفسها وعلى نظامهم الاقتصادي والمالي ومستوى حياة الاوروبيبن ، ولهذا فقد تابعنا خلال الأسبوع الماضي الزيارات المكومية للمسؤولين العرب بين عواصمهم مختلفة كذلك للأيرانين لمحاولات فتح علاقات جديدة وتسوية خلافات قديمة قبل زيارة بايدن . وكما قال صديقي المؤرخ السياسي د.ماهر الشريف في احد مقالاته قبل ايام "إذا كان الرئيس جو بايدن قد تذرع في الماضي، في سياق تبرير تخلفه عن تنفيذ وعوده إزاء الفلسطينيين، بالرغبة في الحفاظ على حكومة بينت-لبيد ومنع سقوطها، فإنه اليوم، وبعد حل الكنيست الإسرائيلي والدعوة إلى إجراء انتخابات تشريعية جديدة، سيتذرع، لتبرير الاستقالة الأميركية من اتخاذ أي خطوة جدية في مصلحة الفلسطينيين، بالأزمة السياسية التي تواجهها إسرائيل وبالرغبة في عدم توفير أوراق إضافية في يد بنيامين نتنياهو بما يمكّنه من العودة إلى السلطة. وهكذا ستكون زيارة جو بايدن إلى مدينة بيت لحم زيارة "رفع عتب"، يعيد خلالها التأكيد على ما كان قد ورد في بيان صحفي صدر مؤخراً عن البيت الأبيض، ومفاده أن الرئيس الأميركي يريد العمل من أجل "الأمن والسلام والفرص" للشعب الفلسطيني ! " . وحين متابعة ما جرى باجتماع الناتو الايام الماضية في مدريد ، فاننا نجد أن وثائق إستراتيجية الأمن القومي الأميركي في عهد ترامب التي أشارت الى أن التنافس الإستراتيجي مع روسيا والصين بات أكثر العوامل تهديداً للأمن القومي للولايات المتحدة ، هي نفسها ما عكسته وثيقة الناتو الإستراتيجية الجديدة قبل أيام ، الأمر الذي يدلل على استمرار قوة تأثير المحافظين الجدد حتى في اروقة حلف الناتو . لذا فإن الناتو اليوم يُدرج بالتصوّر الإستراتيجي الحالي له ،التهديدات الإستراتيجية المتأتية من روسيا والصين ضمن أولويات الحلف للمواجهة في العقد المقبل ، وهو ما يلقي بظلال شبح حروب قادمة وينفي اي حرص على السلام والأمن الدوليين من جانب المحافظين الجدد حول العالم ، ويُقرب في أن واحد أيضا من نهاية الهيمنة الأمريكية وطبيعة النظام الدولي القائم حتى اللحظة . هذا الوضع الذي تسبب به المحافظين الجدد إلى حد كبير لتحقيق رؤيتهم التي تقوم كما ذكرت على نشر الديمقراطيات المزعومة من خلال الحروب المختارة ، لا يمكن أن يستمر إلى الأبد خاصة مع تفاقم تداعيات الازمة الاقتصادية العالمية ، بحرب أوكرانيا أو بدونها، هذا الوضع الشاذ لا بد أن يصل الى نهايته، رغم كل المحاولات المحمومة التي يبذلها هؤلاء لإطالة عمر نظامهم الاحادي القطب وهيمنتهم على العالم ، وستنتهي العملية العسكرية الروسية بفشل واضح لكل سياسات الناتو التي لم تدخر شيئا بل واستنفذت كل الامكانيات من اجل السيطرة على أوكرانيا واضعاف روسيا ومحاصرتها ، فلم يتبقى امامها سوى الاشتباك النووي وهو أمر اخر استبعده . |