من المسؤول عن عمل النساء الفلسطينيات بالمستعمرات الاسرائيلية
نشر بتاريخ: 14/07/2022 ( آخر تحديث: 14/07/2022 الساعة: 15:04 )
ان خصوصية الواقع الفلسطيني، والتحديات والظروف التي يعيشها الفلسطيني يوميا، تضع الكثير من الأعباء على المواطن الفلسطيني، سواء كان ذكرا أو أنثى، فالاحتلال والحصار والاعتقال والمعاناة بأشكالها المختلفة تتجسد هنا في فلسطين، وتفرض على المرأة الفلسطينية أن تكون شريكا مع الرجل في كل مناحي الحياة، في النضال ضد الاحتلال وفي مسيرة التحرر، وفي تحمل أعباء الحياة، وفي تحمل مسؤولية الأسرة في غياب أو اعتقال أو استشهاد الزوج، وفي العمل جنبا الى جنب مع الرجل لتوفير كل متطلبات الحياة للأسرة والأبناء.
ومن هذا المنطلق، سنعرج قليلا على واقع مرير فرض على المرأة الفلسطينية منذ ما يزيد عن عشرين عاما، وبسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة وارتفاع الأسعار، وتدني الاجور (حيث أن الحد الادنى للأجور في فلسطين قد ارتفع في بداية العام ليصل الى أقل من 1900 شيكل أي ما يعادل 550 دولار شهريا) وارتفاع نسبة البطالة في فلسطين وخاصة بين النساء ، كل هذا كان سببا في توجه المرأة الفلسطينية للعمل داخل المستعمرات الاسرائيلية، وكذلك زيادة أعداد النساء المتوجهات للعمل داخل المستعمرات الاسرائيلية، فكيف ولماذا حصل هذا؟.
ان الملفت للنظر خلال العقود الثلاثة الماضية تقريبا، توجه نسائنا الفلسطينيات للعمل داخل المستعمرات الاسرائيلية القريبة لمكان سكنهن، مع العلم أن الاحصائيات الدقيقة المتعلقة بالأعداد غير متوفرة بدقة، وذلك لأسباب عديدة أهمها أن النساء لا يحصلن بالعادة على تصاريح عمل، وأنهن يعتمدن على السمسار الذي يؤمن لهن الدخول بطرق عديدة للداخل المحتل، وكذلك فالنساء لا يصرحن دائما بعملهن بالمستعمرات الاسرائيلية خوفا من ردود فعل المجتمع المحيط بهن.
اننا هنا لسنا بصدد القاء اللوم عليهن، أو على من سمح لهن بالخروج للعمل في المستعمرات، بل نحن بتنا أمام واقع مرير، فرض على المرأة الفلسطينية بعد أن سدت أمامها الفرص للعمل في بلدها، وبعد أن شعرت أن فرصتها في اكمال تعليمها انعدمت، وبعد أن أصبحت الخيارات أمامها معدومة، فانطلقت تبحث عن عمل يوفر لها ولأسرتها قوت يومها، ويحميها وأطفالها من التسول والفقر .
أسئلة كثيرة تراودنا ونبحث عن اجابات لها بين المقالات القليلة التي تتحدث عن هذا الموضوع، وبعض الافلام القصيرة التي تجسد واقع ومعاناة بعض النسوة من العاملات اللواتي سردن قصصهن، وبعض المقابلات لبعض النساء اللواتي وافقن أن يقصصن علينا بعض قصصهن، والقاسم المشترك بين كل ما وجدناه هو حالة القهر والظلم والإجحاف وانعدام الأمن والأمان بين النسوة العاملات في المستعمرات الاسرائيلية، وكذلك التحرش الجنسي وعدم وجود قوانين تحميهم، وتأمين صحي يوفر لهن العلاج في حال احتجن له، وتدني الأجور مقارنة بالرجال.
ان عمل النساء الفلسطينيات داخل المستعمرات الاسرائيلية وتركهن لأطفالهن وأسرهن طوال اليوم، ترك جرحا نازفا في مجتمعنا الفلسطيني، ترك جيلا أو فلنقل أجيالا من الأطفال والشبان لم يعيشوا ظروفا طبيعية بوجود الوالدين، ولم ينعموا باهتمام امهاتهم ورعايتهم لهم، ولم يهتموا في أغلب الأحيان بدراستهم وعلمهم، فكثيرا من الأطفال والفتية وتحديدا من الفتيات اضطررن أن يتركن مقاعد الدراسة لرعاية أخوتهم وأخواتهن، وتعوضيهن عن غياب الام لساعات طويلة.
والعاملات في المستعمرات الاسرائيلية يواجهن العديد من المخاطر والتحديات والظروف الصعبة التي يعملون بها، فطرقوا بابا من أبواب العمل يعد الأخطر والأصعب ولكنه يوفر دخلا جيدا لهم، طرقوا باب العمل داخل المستعمرات الاسرائيلية، فهذا النوع من العمل لا يحتاج لشهادات جامعية ولا لخبرات لسنوات طويلة، بل يحتاج منا أن نطرق باب سمسار لنطلب منه أن يساعدنا، وهذا ما حصل مع الاف النساء اللواتي بدأن عملهن منذ سنوات طويلة في مجال الزراعة وجني الثمار، وكذلك في مجال العمل بالمصانع، وأحيانا بتنظيف البيوت بحثا عن لقمة العيش المغمسة بالمخاطر على اختلاف أنواعها.
وفي محاولة لتحليل ظاهرة عمل النساء الفلسطينيات بالمستعمرات الاسرائيلية، وأسباب العمل والصعاب التي تواجه العاملات الفلسطينيات، سألنا احدى العاملات والتي بدأت عملها بالمستعمرة قبل حوالي خمس عشرة سنة في مجال الزراعة وجمع المحاصيل الزراعية فتقول"وقع زوجي أثناء عمله في الداخل المحتل، ولم يتعرف عليه صاحب العمل فهو كان يعمل بنظام المياومة، وبعد أن عاد للمنزل وبقي طريح الفراش، بدأت افكر بالبحث عن عمل داخل المدينة عندنا، طرقت الابواب وسألت كل المعارف والاهل، فلم أوفق بايجاد عمل مناسب، فما كان من قريب لنا الا أن اقترح علي أن أعمل في مستعمرة قريبة من مدينتنا حيث أسكن، ترددت في البداية، ولكني وافقت لأتمكن من رعاية زوجي وتوفير دخل لأطفالي".
وتضيف قائلة" العمل هناك متعب جدا وبالتحديد في جمع الثمار في درجات حرارة عالية جدا، وأحيانا بالبرد القارس، ومما يزيد من تعبي غيابي عن اسرتي، وتحمل أبنائي هموم المنزل ورعاية والدهم، فقررت ابنتي ترك المدرسة لتحل مكاني برعاية اخوتها، فأنا أخرج للعمل في السادسة صباحا وأعود للمنزل بعد السادسة مساء، ولكني بالمقابل أحصل على دخل جيد، لأعالج زوجي وأهتم باحتياجات أبنائي".
وعند سؤال عاملة اخرى في مقتبل عمرها عن عملها بالمستعمرات وكيف ولماذا اختارت هذا العمل تجيبنا وهي تشعر بالضيق وتقول "لم يكن خياري الاول، ولكني بحاجة لإعالة اسرتي، فوالدي مريض ووالدتي متوفية وإخوتي ما زالوا صغار وبحاجة لكل شيء، فماذا أفعل؟ حاولت أن ارفض مرارا ولكني في كل مرة أشعر أن لا خيارات أمامي، وأعود لاوافق، العمل متعب ولكن الدخل جيد، وهذا أهم ما في الأمر".
وعند سؤالها عن ظروف العمل في المزرعة وان كانت تتعرض لمضايقات أو تحرشات من السمسار أو من صاحب العمل، تغيرت حدة صوتها وأجابت بعصبية "كل ما تسمعونه ليس دقيقا، فأنا لم يتعرض لي أي حد، وأنا لدي من القوة لأحمي نفسي"، وأضافت بعد أن خففت من حدة صوتها" هناك فتيات صغيرات يتعرضن للمضايقات، أحيانا من السمسار المسؤول عنهن، وأحيانا من رب العمل، وأحيانا كثيرة يتعرضن للمعاملة السيئة والإهانات المتكررة، وأحيانا كثيرة يضطررن لترك العمل، والبحث عن عمل اخر ولكن كل ظروف العمل صعبة ومتعبة."
فالعمل هناك خطر حقيقي يهدد نسائنا الفلسطينيات، وأيضا يهدد بناء وتركيبة الاسرة الفلسطينية، ويهدد النسيج الفلسطيني والترابط الاسري، فالنساء العاملات في المستعمرات الاسرائيلية، يعيشون حالة من العزلة لأسباب عديدة، أهمها أنهم يخرجون للعمل في الصباح الباكر قبل طلوع الشمس، ويعودون لمنازلهم وأسرهم بعد مغيب الشمس منهكين، فلا وقت لديهم للجلوس مع أطفالهم وسماع أخبارهم، ولا وقت لديهم للزيارات والمجاملات العائلية.
كما وتعاني نسائنا العاملات في المستعمرات الاسرائيلية من النظرة الدونية لهم من أفراد عائلاتهم، واسرهم ومن المجتمع المحيط بهن، فقصص كثيرة انتشرت تتحدث عن التحرش الجنسي والاعتداءات والمعاملة السيئة، سواء من السمسار الفلسطيني المشرف على النساء وإحضارهن من بيوتهن وقراهن، وكذلك من المشغل الاسرائيلي الذي يستغلهن باستمرار، فأجورهن متدنية مقارنة مع الرجال، وظروف عملهن صعبة ، وساعات العمل طويلة ، وأحيانا كثيرة يضطرون للخروج للعمل والمشي لمسافات طويلة، والمخاطرة بحياتهن لعدم وجود تصاريح عمل لهن .
ان المسؤولية الكبرى في متابعة هذا الملف الشائك والحساس والخطير، تقع على عاتق السلطة الوطنية الفلسطينية، والتي أقرت في العام 2010 منع العمل داخل المستوطنات الاسرائيلية، ولوحت باستخدام عقوبات رادعة لمن يخالف هذا القرار، وكذلك عديد المحاولات والمبادرات التي انطلقت لتنادي بمنع توجه العمال الفلسطينيين للعمل داخل المستعمرات الاسرائيلية، ومقاطعة البضائع الاسرائيلية ، وبالتالي رفد المصانع الوطنية بالعمال، وزيادة انتاج المصانع لسد حاجة السوق الفلسطيني، الا أن غياب خطة وطنية شاملة لاستيعاب هؤلاء العمال وإيجاد فرص عمل بديلة لهم، حالت دون تطبيق هذا القرار .
وهنا لا نرمي بالمسؤولية على السلطة الوطنية الفلسطينية وحدها، فأين دور الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، في البحث عن سبل لاستيعاب هؤلاء النساء وتوفير فرص عمل لهن، وأين مؤسسات المجتمع المدني كافة، وعلى رأسها المؤسسات النسوية، والتي كان من المفروض أن تضع خطة شاملة لاستيعاب النساء العاملات بالمستعمرات الاسرائيلية، وتوفير فرص العمل لهن ، وكذلك توفير مشاريع مختلفة لدعمهن داخل قراهم ومدنهم ومخيماتهم، ليمتنعوا عن العمل داخل المستعمرات ، كما تقع المسؤولية كذلك على الاتحادات والنقابات ومؤسسات حقوق الانسان، لمتابعة حقوق العاملات وأتعابهن، وكذلك علاجهن اذا تعرضن لاي حادث أو مرض أو اصابة أثناء العمل .
فواجبنا جميعا أن نقوم بتوعيتهن على الصعيد السياسي، واعداد برامج وأنشطة توعوية تهدف لدمجهن في مجتمعاتهن، وتوعيتهن بحقوقهن وواجباتهن، وبقوانين العمل والتأمين والأجور، فلا تتركوهن فريسة للاحتلال ومستوطنيه لينالوا منهن، ويقضوا على ما تبقى لنا من عادات وتقاليد وعلاقات اسرية .