وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

من زلزال الغدر إلى زلزال القيادة!

نشر بتاريخ: 20/07/2022 ( آخر تحديث: 20/07/2022 الساعة: 12:42 )
من زلزال الغدر إلى زلزال القيادة!

بقلم: د. صبري صيدم

أتابع باهتمام السباق المحموم للفوز بقيادة حزب المحافظين وخلافة رئيس الوزراء البريطاني المطرود بوريس جونسون، ليس فقط من باب أهمية هذا الموقع عالمياً ولا لمكانة بريطانيا ودورها الدولي فحسب، وإنما من باب الفضول الذي صاحب ظهور الرجل صاحب الشعر»المنكوش» الأشقر الفاقع، ذو الأصول البريطانية والجذور التركية إلى كرسي السلطة والقيادة.

كيف لا وهو الذي شكّل صعوده انتقالاً ماراثونياً إلى موقع عمدة لندن ليقود بعدها، ومن خلال موقعه في مجلس العموم البريطاني صعوداً مارثونياً إلى كرسي رئيس الحكومة، بعد أن سحق فعلياً منافسته العنيدة تيريزا ماي.

جونسون المتسلح بقدراته الكارزماتية وشخصيته القوية، لم يتردد لحظة في حسم قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، عبر المسار المعروف بـ»بريكست» حيث هدد خصومه من داخل الحزب وخارجه بالذهاب نحو انتخابات مبكرة لإزاحة معارضيه ومعارضي الطلاق مع أوروبا، لما اعتبروه خطوة كارثية ستتسبب بعزلة بريطانيا وخسائرها المالية الفظيعة.

تهديد نفذه جونسون قبل عامين ليقود انتخابات مريحة أفضت إلى تفوقه التاريخي والساحق، ليمحق حزب العمال المنافس له، وليحقق لحزبه انتصاراً قاده للسيطرة على مجلس العموم بأغلبية لم يحصل عليها المحافظون منذ عام 1979، وبوجوه جديدة قادت نحو تغيير عميق في تركيبة المجلس المذكور، ووسط أعضاء الحزب وقياداته وما آلت إليه حكومته الجديدة المستجدة أيضاً من تركيبة شابة جديدة.

لكن الصعود المدوي قابله سقوط ماراثوني مدوٍ أعقب الخروج من أوروبا وولادة الأزمات التي عاشتها بريطانيا بفعل التعثر في عملية الخروج هذه، التي دفعت جونسون للتهديد بالانسحاب دونما اتفاق، مرغماً قيادة الاتحاد الأوروبي للتوقيع معه عنوة على بروتوكول الطلاق، إضافة إلى كورونا وتبعاتها الكارثية التي قادت نحو سلسلة حفلات نظمها جونسون في مقر إقامة رؤساء الحكومة المعروف بـ»10 داوننغ ستريت» دونما مراعاة لأبسط الشروط الوقائية التي أقرتها حكومته. تصرفات شكلت غيضا من فيض فضائح جونسون وهي ما سرّعت سقوطه الصارخ.

وبذلك سقط جونسون في شر أعماله ليعلن مع بداية هذه الشهر عن استقالته المشفوعة بتحسره على الخسارة السريعة لموقعه، وعدم إتمامه لما وضعه من خطط، ولعل أكثر ما يؤلم جونسون دفعه إلى المشهد ثلة من القيادات الشابة لتبوء مواقع حكومية وقيادية مختلفة كوزير خزانته الهندي الأصل ريشي سوناك ووزيرة خارجيته ليز ترس، ووزير الصحة الباكستاني الأصل ساجد جافد ووزيرة الدولة لشؤون التجارة بيني موردنت، ووزيرة داخليته الهندية الأصل بريتي باتيل، وغيرهم الكثير من الوجوه الشابة الجديدة، لكن هذه الوجوه هي ذاتها التي قادت عملية الانقلاب الأبيض عليه، بدءا بوزير الخزانة ريشي سوناك ووصولاً إلى أكثر من اثنين وستين وزيراً ووزراء دولة وكبار الموظفين الذين قدموا تباعاً استقالتهم، مبررين ذلك برفضهم لقيادة جونسون للحكومة، وما اعترى تلك الحقبة من فضائح هزت عرشها.

الأكثر إيلاماً لرئيس الحكومة المخلوع لم يكن فقط ثورة حلفائه ضده، وإنما سرعة تنافسهم للتسابق على موقعه بصورة لم تبق ساتراً عليه.

الضربة القاضية لجونسون كانت قبل أيام من كتابة هذه السطور، حيث سئل المرشحون الباقون في حلبة السباق، ومنهم وزير الخزانة سوناك ووزيرة الخارجية ترس وغيرهما، إذا ما كانوا سيقبلوا بوجود جونسون معهم في أي تركيبة وزارية مقبلة؟ ليجيبوا جميعاً بالنفي القاطع دونما مجاملة أو مواربة أو دبلوماسية، تعترف بفضل صديقهم السابق الذي أتى بهم إلى عالم النجومية.

ولعل سقطات جونسون لم ولن تتوقف عند هذا الحد، فقد اعترف بتواصله السري والمنفرد مع ضابط يعمل في أحد أجهزة المخابرات الدولية دونما حضور لأيٍ من زملائه، ودونما معرفة حكومته وموظفيه بذلك، وهو ما عزز قناعة البعض بالادعاء بأن جونسون إنما يعمل كعميل مزدوج.

جونسون الذليل لم تسعفه قوة شكيمته وشخصيته وكارزميته وإقدامه وتحمله الهائل للضغط، ولا حتى فطنته وقوة حضوره، وهو الذي قاد البلاد في ظروف حرجة أشعرتك أحياناً وكأن لا حكومة في البلاد، ولا حتى وزارات عاملة، فكان يقود المشهد بانفرادية واستفراد عاليين وبثقة كبيرة جعلت منه مصارعاً لا يمكن هزيمته.

ولأن الدائم الوحيد في الكون هو رب العباد، فإن ما جرى ويجري إنما سيشكل مجمل دروس مهمة في عالم القيادة، السؤال الأكبر: هل سيقود انقلاب حلفاء الأمس على سيدهم إلى وصول رئيس/ة حكومة أسمر البشرة إلى قيادة بريطانيا لأول مرة في التاريخ؟ هذا الأمر إذا ما حصل فسيكون الزلزال الأكبر من زلزال هزيمة بوريس جونسون! ننتظر لنرى!

[email protected]