نشر بتاريخ: 14/08/2022 ( آخر تحديث: 14/08/2022 الساعة: 09:25 )
لم يقم كنعان فقط في ذلك البرنامج الذي أطلقته المكتبة الوطنية لإحياء النقوش الكنعانية، ولكنه قام في نابلس حيث إستشهد إبراهيم النابلسي، وروى دمائه ثرى جبل النار، وقام في جنين والدهيشة وغزة والخليل. قام كنعان في عيون الأسرى الذين يختزلون الصمت في صدورهم ويُحجبون عن شمس الحرية. قام كنعان في تلك المرأة التي قتلها جنود الاحتلال وهي تسير في شارع الموت في حوسان. قام كنعان من دماء الشهداء وأنجب في أرحام الأمهات الفلسطينيات أطفال الحجارة. كان كنعان إلهاً للحرية ونبياً يدعو الناس الى تحرير القدس . قام كنعان في أزقة المخيمات وفي صلبان بيت ساحور وفي صلاة الفجر العظيم في نابلس، وفي مدن السلام التي أضحت مدناً للحرب والدمار. قام كنعان في مؤاب وفي عمان ليبرق رسالة الحب والشوق والحنين الى صور وصيدا ودمشق مؤذنا بالوحدة والتحرير.
لم تكن قيامة كنعان لقباً يختزل النقش في أيقونة المكان وحسرات الزمن. بل كانت قيامة حضارة عظيمة بناها أجدادنا الكنعانيون في يبوس ومجدو وعسقلان وأريحو. كان كنعان الفلاح وصار كنعان فلاح. كان كنعان آلهةً للجمال وصار كنعان رمزاً لعيون النساء الملونة في القدس وبيروت والشام. حارب كنعان العابرون وأصبح كنعان فدائياً يقاتل الاحتلال.. كان كنعان نبياً لم يُكتشف بعد في نقوش ميشع وسلوان ومجدو، ولكنه غدا ذاتاً لا تدرك الا في أحلام الشباب وصور البطولة والملاحم ودموع أمهات الشهداء وأحيانا "زغاريدهم" التي تزف أبنائهم فداءً للوطن. كان كنعان فناً ورقصاً وأهازيجاً في مدن لم تعرف الحرب الا في عهد من عبروها ومزقوها ثم ساروا في جنائزها وإدعوا أنهم ورثوها. كان كنعان عشقاً أبدياً للأرض وأصبح كنعان إلهاً للأرض والانسان.
في مدينتي، يمتزج الحب بلون الدماء، وتُقبل عشتار، آلهة الجمال، في كل ليلة على كنائسها ومساجدها، لتبحث عن مكان للعشق تارةً، ومكان للحزن تارةً أخرى. وفي كل ليلة تزورنا عشتار تصلي من أجل الشهداء وتحتضن الأمهات الثكلى وتدعو لنا أن يقوم كنعان ويخلصنا من دنس صهيون.. وقد قام كنعان أخيراً، يمزق أسطورة صهيون فوق أسوار القدس.
في مدينتي، الثوار يجيدون العشق وإطلاق الرصاص . في مدنيتي أطفال يحبون الحياة ويكرهون صهيون. في مدينتي لا نخشى الموت ونحب الحياة أكثر. في مدينتي كنعان قام في كل الأرواح وفي كل الأشياء . في مدينتي ليس هنالك مكان لصهيون . هنالك فقط مكان لفلسطين . كنعان يا سادتي لم يمت . كنعان ثورة الثائرين وغضب الشهداء الثلاثة في نابلس، وعين زكريا المتمردة في جلبوع، وعناد غسان في الدهيشة . إنهم جميعا كنعانيون .. إنهم فلسطين.