نشر بتاريخ: 14/08/2022 ( آخر تحديث: 14/08/2022 الساعة: 11:41 )
رام الله- معا- كتب الاسير المقدسي يحمل الجنسية الفرنسية صلاح الحموري، رسالة بعنوان "إلى متى سأحمل الرقم 1124052؟" من سجن "عوفر"، مشيرا فيها الى معاناة الاسرى في سجون الاحتلال .
واعقتل الأسير حموري سابقاً عدة مرات وأمضى سنوات طويلة داخل قلاع الأسر، وقد وجهت له سلطات الاحتلال مسبقاً تهمة العضوية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والتخطيط لتصفية الحاخام عوفاديا يوسف، وقد أمضى ما يزيد عن ست سنوات داخل السجون، وتحرر ضمن الدفعة الثانية لصفقة وفاء الأحرار بتاريخ 18/12/2011.
تجدر الإشارة إلى أن الأسير المقدسي الحموري يحمل الجنسية الفرنسية وهو متزوج من فتاة فرنسية وأب لطفل، و قد أقدمت سلطات الاحتلال على إبعاد الزوجة عن فلسطين تزامناً مع منع الأسير حموري من السفر ودخول الضفة الغربية.
وفيما يلي نص الرسالة كما وصلت معا:
إلى متى سأحمل الرقم 1124052؟
إلى متى سوف نبقى أرقاماً؟ أنا اليوم، ومنذ 21 عاماً وأنا أحمل الرقم 1124052، وهو رقم الأسير الذي يعرّف شخصيتي أمام ما يسمى بِـ "إدارة السجون". هذا الرقم بات يرافقني منذ اعتقالي وأنا طفل، أي منذ عام 2001.
أصبح هذا الرقم بمثابة باركود لنا، نحن مجموعة الأسرى الذي تم اعتقالنا أكثر من مرة. نحن نشعر أمام هذا الرقم أننا لا نتجاوز كوننا بضاعة للسجون، هذه البضاعة البشرية القابلة للاستهلاك في كل مركز تحقيق، وكل سجن، في وقت السلم ووقت الحرب، قبل الحرب الباردة، وبعد حرب الاستنزاف، خلال أوسلو وبعد الانتفاضة. يبقى الثابت الوحيد في هذه المعادلة أن بضاعة السجون البشرية لا يوجد لها تاريخ انتهاء.
إن هذا الاحتلال لا ينظر ولا يتعامل على أننا بشر وآدميون، من حقنا العيش كسائر الناس، فهو يفعل أي شيء من أجل أن ينغص علينا شبه الحياة التي نعيشها خارج أسوار السجن، فنحن نسترق لحظات الحياة والفرح بين اعتقال وآخر، إذ أصبحنا نخشى من الإفراط في السعادة والحياة المستقرة، خوفاً من الصدمة القادمة، لا نملك الجرأة الكافية للتخطيط للمستقبل البعيد خوفا من خيبة الأمل، ما يضفي جواً من التوتر، وعدم الاستقرار علينا، وعلى كل من يحيط بنا.
ولسخرية القدر، فنحن منذ لحظة دخولنا للسجن، تكبر أحلامنا وتتعاظم، نبدأ أولا بالندم على كل لحظة فرح وسعادة لم نستغلها في عالم الحرية. وتبدأ هذه الأحلام بالتقاطع مع العالم الذي تركناه خلفنا. فترانا في لحظة نتخيل أنه من الممكن لأحلام اليقظة التي نعيشها أن تتقاطع بعد الحرية مع الواقع الذي تركناه. يكمن التفسير الوحيد لهذه الظاهرة بالنسبة لنا، أن العالم توقف عند لحظة اعتقالنا، لذا نبني لأنفسنا عالماً من الخيال، وواقعاً من الأحلام، لكن الشيء الأصعب والأكثر وجعاً إدراكنا أنه بقدر كِبَرِ أحلامنا يضيق واقعنا، ليصطدم الحلم بالحرية والمرأة والأصدقاء والعائلة خلال ثوان بواقعنا المرير، ونكتشف أن سقف طموح الأسير منا أن ينسانا السجان لخمس دقائق إضافية عند التسكير في تمام السادسة مساء، أو استراق الواحد منا سماع أغنية في إحدى الإذاعات تذكره بأيامه الجميلة خارج أسوار السجن.
إن أسوأ مكان يمكن أن يوضع فيه إنسان هو السجن. إنه المكان الذي لا يوجد له شبيه في العالم، فهو يطحنُنا ويطحن أحلامنا وطموحاتنا وآمالنا، كما تُطحن حبة الزيتون في المعصرة. إن أكثر ما أكرهه في العموم هو حالة الانتظار، وهو شعور يتضاعف لديّ داخل السجن. إن الاستنزاف الذي يشكله الانتظار في السجن، أشبه باستنزاف الاحتباس الحراري للكرة الأرضية خارج عالم السجن.
لكن ما يدور في ذهني هذه الأيام، سؤال يلحّ عليّ هو ان كنت أكره حالة الانتظار وانا على بُعد بضع كيلومترات من وطني وحريتي ومدينتي القدس، ماذا سيكون شكل الانتظار إذا ما رضيت طوعا الابعاد عن وطني؟
أنا أعلم أن حب الوطن هو حب من طرف واحد، لا يجلب إلا الوجع والألم والخسارة، فهو سلبني أجمل سنين حياتي وسرق مني مراهقتي وشبابي وجعلني أكبر بكثير من عمري، ومع ذلك أنا أعشقه، وعلى يقين أننا نقضي في سبيله كل شيء وهو فقط يقول هل من مزيد. هذه المعادلة خاسرة في حسابات أغلب الناس، وأنا أتفهم هذا الشيء، أما بالنسبة لي، فإن الحياة الحقيقية تكمن في قطار الحرية وتضحياته، وليس في محطة لانتظار من يصنع لنا الحرية".