|
تشكيل "اقتصاد مقاوم" في فلسطين: تجربة تاريخية وواقع معاصر!
نشر بتاريخ: 09/10/2022 ( آخر تحديث: 09/10/2022 الساعة: 19:15 )
د. محمد صلاح عطا
أثرت العقوبات والاعتداءات الاقتصادية واسعة النطاق ، التي أصبحت إحدى الأدوات الرئيسية للمنافسة العالمية في العقود الأخيرة ، على العديد من دول العالم. إن تعزيز العقوبات الحالية فيما يتعلق بفلسطين يحقق الاهتمام الفعلي بتحليل و تكوين اقتصاد قادر ليس فقط على المواجهة ، ولكن على التطوير الفعال للنظام الاقتصادي الوطني في هذه الظروف. من هذا المنظور ، فإن مصطلح "اقتصاد مقاوم" مهم، يدل على طريقة للتعامل مع العقوبات الاقتصادية المفروضة على دولة واحدة. "معنى هذا النموذج الاقتصادي هو تحقيق الحد الأدنى من اعتماد الاقتصاد الوطني على الدول الأجنبية في مجال توفير احتياجاتها الأساسية في ظل ظروف يكون فيها استيراد وتصدير السلع التي ينتجها هذا الاقتصاد محدودًا للغاية. تشمل اهم المبادئ لهذا النموذج الاقتصادي المتداول في بعض المجتمعات والدول مثل "ايران"و اخيرا "روسيا"! ديناميكية الاقتصاد الوطني, اي القدرة على ضمان النمو و التوظيف و زيادة انتاجية العمل و خفض التضخم؛ القدرة على التكيف، اي القدرة على تحمل اي صدمات من العقوبات و الازامات العالمية؛ الاعتماد على الموارد المحلية؛ العلمية، الطبيعية ، المالية؛ تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذء و السلع الانتاجية؛ تشكيل مجتمع استهلاكي عقلاني؛ يظهر الاهتمام الذي لا هوادة فيه ب " اقتصاديات المقاومة" من خلال المراجعة للاعمال الحديثة حول هذه القضية، و بالتالي فان المشاكل العامة للعقوبات و الاعتداءات تم اخذها بالاعتبار من قبل الباحث د. مرتضى عزتي، د. فاروق دواس، Julia Grauvogel / Hana Attia،معهد مسارات، و اخرون! الهدف من هذا المقال هو تحليل موجز لمرحال تشكيل " اقتصاد مقاوم" في فلسطين مع مراعاة اهمية الاقتصاد الدائري في الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العقوبات و الاعتدائات على الاقتصاد. و تجدر الاشارة الى ان دراسة عملية تشكيل " اقتصاد مقاوم" في فلسطين تتيح لنا التمييز بين المراحل التالية: فترة ما بعد اتفاقية اوسلو ( فترة تشكيل اقتصاد الدولة)؛ فترة ما بعد انتفاضة الاقصى (فترة الانقسام)؛ فترة الحديثة ( فترة اقتطاع الضرائب و اموال السلطة)؛ تشمل المرحلة الاولى تكوين اقتصاد مؤسساتي و الحد من تبعية الاقتصاد الفلسطيني لاسرائيل، ومع ذلك لم تنجح بسبب منظومة السيطرة الاسرائيلية على الاقتصاد الفلسطيني من خلال بروتكول باريس الملحق الاقتصادي لاتفاقية اوسلو، الذي كان من تبعاته، استغلال اموال المقاصة،وتقييد صلاحيات الحكومة الفلسطينية في إمكانية إصدار النقد، والقيود على الواردات والصادرات وحركة اليد العاملة، وسلب سيادة السلطة على المعابر وعلى مناطق (ج) ومواردها الطبيعية، وحجب أموال فلسطينيي الخارج، ما أدى إلى ازدياد البطالة، والبطالة المقنعة، وغياب عملة وطنية مستقلة. أعقب ذلك حدوث الانقسام الفلسطيني عام 2007 الذي أدى إلى إضعاف العلاقات الاقتصادية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، نتيجة وجود إدارتين تتباين فيهما مصادر الموارد المالية وأوجه الإنفاق. وكان التأثير أكثر وضوحاً في قطاع غزة بسبب تعرضه للحصار الاقتصادي والاعتداءات و العقوبات المدمرة التي شنتها اسرائيل. حاليا هناك تشديد للعقوبات و الاعتداءات الاقتصادية ضد فلسطين لاسيما مصادرة اموال السلطة و اقتطاع جزء كبير من الايرادات التي تجبيها الحكومة الاسرائيلية للسطلة الفلسطينية، مما سبب حاجة ملحة لتطوير استراتيجية جديدة للمواجهة و الوقوف امام هذه العقوبات. حيث تكمن الاولوية للاقتصاد الدائري، يتم بذلك على اساس مبتكر ضمان تجديد الموارد و اعادة انتاجها، و يتم تشكيل و تطوير اليات و ادوات مشاركتهم "الدورية" المتكررة في النظام الاقتصادي. تتضمن نماذج الاعمال الدائرية مشاركة الشركات في تكثيف استخدام المنتجات وإعادة تدويرها بالكامل لإيجاد فرص جديدة لإعادة استخدام الموارد واستبدالها ، وإشراك المستهلكين في مشاركة المنتجات وتحسين سلسلة القيمة بأكملها. وتجدر الاشارة الى ان احد العناصر الاولى تاريخيا لمفهوم الاقتصاد الدائري كان اعادة التدوير (recycling)- عملية إعادة النفايات والصرف والانبعاثات إلى عمليات التكنلوجيا. على جدول الاعمال انشاء ( مجتمع دائري)، دعونا نوضح اننا لا نتحدث عن العزلة الذاتية، ولكن عن الاعتماد الاقصى على مواردنا ( الطبيعية، العلمية،و المالية و البشرية) و الاستخدام الاكثر كفاءة لها. و التجربة التاريخية لايران و روسيا، اكبر دليل واضح على امكانية ذلك، والحقائق الاقتصادية الحديثة حاجة ملحة. ومع ذلك ، فإن التحليل التاريخي والاقتصادي الذي تم إجراؤه يشهد على التأثير المزدوج للعقوبات على تنمية الاقتصاد الوطني. لذلك ، في بداية الامر هناك تدهور في تنافسية الدولة، ثم انخفاض في العوامل السلبية بسبب الإجراءات التي تتخذها الدولة، والتكيف التدريجي للاقتصاد الوطني مع الظروف الجديدة. أظهر التحليل جوانب متعددة الأبعاد لهذه المشكلة والأهمية الخاصة للاقتصاد الدائري في حلها. دعونا نؤكد أن مثل هذه المبادئ المهمة لـ "اقتصاد المقاوم" ، مثل الاعتماد على القدرات الداخلية وتشكيل مجتمع استهلاكي عقلاني ، تكمن أيضًا وراء الاقتصاد الدائري ، الذي يقدم نماذج أعمال فعالة لتنفيذها. بناءً على دراسة ومقارنة مفهوم الاقتصاد المقاوم في فلسطين، يمكن الإشارة إلى أن هذه الاستراتيجية أصبحت من الأولويات الاقتصادية في البلد، حيث إنها لا تعمل فقط على تحسين وتطوير عمليات التجارة المحلية، ولكنها تدعم أيضًا الشركات الصغيرة والمتوسطة وبالتالي تعمل على تحسين جودة المنتجات المحلية. |