وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

التطبيع الناعم ودروس في التاريخ

نشر بتاريخ: 12/10/2022 ( آخر تحديث: 12/10/2022 الساعة: 11:20 )
التطبيع الناعم ودروس في التاريخ



بقلم: د. صبري صيدم

زحفاً نحو شرعنة ظلمها تسعى إسرائيل للحصول على مصداقية احتلالها واستمراريته واستدامة وجوده وبقائه وتعاظمه، تارة عبر اتفاقات وقعت بضمانات دولية تدعي فيها الالتزام بإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه، كاتفاق أوسلو، وتارة أخرى عبر اتفاقيات تطبيع صريحة، أو ترسيم للحدود مع دول الجوار، بحجة استخراج الثروات الطبيعية الفلسطينية من عرض البحر، من دون أدنى مراعاة لحقوق الفلسطينيين في هذه الثروات وفق قرارات الشرعية الدولية.

إسرائيل الحالمة باستدامة احتلالها والطاعنة في المراوغة والمناورة، إنما تقاتل عقارب الزمن لتجد في قواميس الشعوب ما يضمن شرعنة احتلالها، فتقنع أوروبا بأنها دولة أوروبية لتشارك في كل ما هو أوروبي، وكل ما في ذلك من تفاصيل، وأنها دولة صناعية ضليعة في مجالات العلم والفلك والزراعة، لتدخل في مشاريع مختلفة تغطي فيها على احتلالها وجرائمه، ودولة متخصصة في مجالات الدفاع والتسليح لتدخل عواصم التطبيع العربية وأنظمتها بدعوى حماية عروشها وكروشها.

إسرائيل لا تحمي أحداً سواها، ولا تغطي أحداً سواها، ولا توفر الأمن سوى لذاتها، معتقدة بأن ترسانة أسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها، وجيشها الجرار، وأجهزتها الأمنية وتقدمها التقني سيوفرون لاحتلالها البقاء والاستمرار.

المتصفح لكتب التاريخ وثورات فلسطين ما قبل النكبة، خاصة ثورة يافا عام 1921 وثورة البراق عام 1929 وثورة القسام 1935 وثورة فلسطين الكبرى 1936، إنما يرى التاريخ ذاته يتكرر اليوم، مناوشات ومظاهرات واشتباكات ومستوطنين وقمع ثم خيانات عربية، ينتهي معها المشهد ويبقى الاحتلال ويتوسع ويطبع، مع قناعة مستدامة بأنه لن يهزم وأنه يستطيع الاستفراد بالبشر والشجر والحجر.

إسرائيل تبحث عن التطبيع الصريح عبر اتفاقيات مستترة واتفاقيات صريحة إضافة إلى التطبيع الناعم عبر ترسيم الحدود البحرية والبرية والجوية، إسرائيل تريد لظلمها أن يستمر مشفوعاً بلوبيات الضغط، وممهوراً بحجج الدفاع عن النفس وموصوماً بلعب دور الضحية.

فمع موضة الإرهاب تتهم إسرائيل من يرفض احتلالها بالإرهاب، ومع موضة الربيع العربي تدعي بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، ومع موجة الانتقادات، تدعي بأن خصومها معادون للسامية، ومع اجتياحها للمدن وقصفها للآمنين، تدعي بأنها تدافع عن نفسها، من دون أن تقول بأنها هي من يدير أطول احتلال في التاريخ المعاصر، وتلعب دور البراءة، من دون أن تقول أنها تختطف شعباً كاملاً بعكس إرادته، وتسجن مناضليه، وتحتجز جثامين أبنائه وتقتل أطفاله وتهدم مساكنهم ومدارسهم، وتهجر مجاميعه وتشتت عائلاته، وتصادر أراضيه وتسرق ثرواته، وتغلق مؤسساته وتدنس دور عباداته المسيحية والإسلامية.

واليوم تدير إسرائيل حربها الانتخابية على الأرض الفلسطينية، باقتحامها للمدن واستهدافها للناشطين، بعد أن نجحت بالهروب من العقاب إثر اغتيالها للصحافية الفلسطينية الأمريكية شيرين أبو عاقلة بفعل التواطئ الأمريكي، لكن صعوبة العمليات الميدانية، وتعدد مواقع المواجهة واختلاف أشكالها وتكاثر أعدادها، إنما دفع بالاحتلال نحو إدخال المستوطنين على الخط بصورة أكثر كثافة، لكن الطبيعة الارتزاقية وضعف الارتباط العقائدي لهؤلاء، رغم تسليحهم وتغطية الاحتلال لجرائمهم، وتشجيعه لعصاباتهم، إنما تساهم في عدم تحقيق هؤلاء النتائج التي يرجوها جيش الاحتلال، وهو ما سيشكل تحديا أكبر لإسرائيل. وعلى الباب يقف نتنياهو متصيداً لهفوات خصومه السياسيين، ما يجعل مهمة هؤلاء عسيرة ليجدوا في تكثيف الهجوم على السكان الآمنين فرصة لتعويض شعبيتهم المتآكلة أمام مقاومة الفلسطينيين.

وفي هذه الأثناء يفرغ الرئيس الأمريكي وقتاً من يومه ليهنأ خصوم إسرائيل التاريخيين على إنجازهم لاتفاق ترسيم الحدود، على أمل أن يشكل هذا الترسيم تطبيعاً ناعماً وفرصة ذهبية للقبول بدولة الاحتلال، جاراً وشريكاً. عالم يدور في فلك الاحتلال اليوم، ربما يعود لرشده ذات يوم.