|
تشكيل نظام عالمي جديد: في الطريق إلى تعددية الاقطاب؟
نشر بتاريخ: 17/10/2022 ( آخر تحديث: 17/10/2022 الساعة: 18:59 )
د. محمد صلاح عطا
اليوم تهيمن على تقييمات الوضع السياسي الدولي الراهن زخارف درامية، غالبا ما يتم رسم الصورة المروعة بان العالم يدخل حقبة جديدة، من سماتها الرئيسية هيمنة القومية الهجومية، ورفض مقتضيات السلوك الرسمية و الغير رسمية على الساحة الدولية، وتآكل الروادع، و التوازن الخطير، زيادة عدم اليقين، ورفض عام للعب وفق القواعد، ونتيجة لذلك زادت المخاطر و عدم القدرة على التنبؤ. يبقى موضوع ازمة النظام العالمي في بؤرة اهتمام الخبراء الدوليين، حيث ان الحرب الروسية – الاوكرانية ركزت الانتباه بالفعل على جميع نقاط الضعف في نظام العالم الحالي دون استثناء، في الوقت الحاضر نحن نمر فقط بفترة تغير في النظام العالمي الحالي و بداية تشكيل نظام جديد. من القطبية الاحادية للنظام الدولي، الى نظام متعدد الاقطاب! ان مشكلة تشكيل نظام عالمي جديد يلبي خصائص العالم الحديث ليس بالجديد و مرتبط بالتحول الهيكلي لنظام العلاقات الدولية الذي بدا بعد انتهاء الحرب الباردة. تم تقديم مصطلح " احادية القطب" في عام 1990. من قبل المحلل السياسي الامريكي هنري جاكسون، واشار الى انه في نهاية الحرب الباردة، بقيت الولايات المتحدة القوى العظمى التي لا يستطيع احد تحديها. ووفقا للمحلل السياسي الامريكي هنري جاكسون ،اشار الى انه ستظهر المتطلبات الاساسية لتعدد الاقطاب في الجيل القادم مقدرة ما بين 2010-2022. اعتبرت هذه المرحلة بمثابة وقت ظهور قوى مماثلة في القوة و القدرات للولايات المتحدة، و عندما يصبح النظام العالمي في هيكله مشابها للنظام الذي كان موجودا قبل الحرب العالمية الاولى. لاحظ مع ذلك ان صعود روسيا و الصين، جنبا الى جنب مع المنافسة المتزايدة من موسكو و بكين و واشنطن،لم يؤد إلى تصور الولايات المتحدة لهذا الوضع على أنه شروط لتعدد الأقطاب في المستقبل، على العكس من ذلك، يشير تفسير الخطاب الذي القاه باراك اوباما في عام 2016 الى ان واشنطن نظرت الى هذا الوضع على انه يعزز " القطبية الاحادية". احد المحللين السياسيين والصحافيين الامريكين الاكثر نفوذا، و الخبير في مجال العلاقات الدولية "فريد زكريا" يقدم في كتابه " عالم ما بعد امريكا" الذي نشره عام 2008 مفهوم الديموقراطية غير الليبرالية، مما يدل على التنوع السياسي في العالم، ووجود نماذج مختلفة للتمثيل السياسي. تتمثل احدى الافكار الرئيسية في ان العالم قد دخل في مرحلة " التحول التكتوني" – " صعود البقية" ، مما يشير الى قرب نهاية " احادية القطب" لا يقتصر تشكيل نظام عالمي جديد على المواجه داخل اوروبا، لكنه يرتبط بتغيير معقد في النظام العالمي. في مقال " العالم 2035، التوقعات العالمية" المتخصصون في منظمة “IMEMO” يؤكدون ان المرحلة الحالية من تطور نظام العلاقات الدولية تتميز بأزمة في مضمون النظام العالمي، وزيادة عدم الاستقرار و التغيرات العفوية، و غياب نماذج جديدة للتنظيم الذاتي الاجتماعي، و ازمة الهوية، فضلا عن عدم الثقة المتبادلة بين النخب السياسية. واخيرا في مارس عام 2022 نشرت مجلة Newsweek مقالا بعنون " نهاية لحظة احادية القطب"، وترتبط نهاية " احادية القطب " بشكل اساسي بنمو الصين و عودة تنافس القوى العظمى الى السياسة العالمية، و مع ذلك، هناك دعوة للنخبة الامريكية للاعتراف بالعالم كما هو. دور الصين في تشكيل نظام عالمي جديد ! يعتقد العالم الصيني البارز " Yan Xuetong" ، عميد معهد العلاقات الدولية في جامعة "تسينغهوا"، ان العمليات العالمية التي اطلقها الوباء "”COVID-19 لم يكن له تأثير على ميزان القوى الذي تطور بعد الحرب العالمية الثانية، ولكنه سرع بعملية التخلي عن المماراسات الغير فعالة التي نلاحظها منذ عام 2020. تسلط الضوء الباحثة "Nadege Rolland" في الجهاز الوطني للدراسات الاسيوية، الى حقيقة ان المختصين الدوليين في جمهورية الصين الشعبية يجرون ابحاثا بهدف الحصول على بيانات نظرية حول نقاط القوة و الضعف في هيمنة الصين في نظام العلاقات الدولية في المستقبل. و منها يمكن التوصل الى استنتاج مفاده ان بكين تهدف على الارجح الى تشكيل نظام يمكن أن تصبح فيه جمهورية الصين الشعبية مركزًا يوحد الحلفاء الضعفاء حول نفسها، ولن تسعى الى السيطرة الكاملة او استيعاب بعض الدول الاخرى، لكنها ستركز على تنمية الاعتماد المتبادل على اساس الهيمنة في المجال الاقتصادي و العسكري. في البداية قد يكون شكل النظام فرعي اقليمي مع امكانية مزيد من التوسع. توصف مبادرة الحزام و الطريق بانها جوهر الرؤية الاستيراتيجية للصين للانفتاح، وينظر اليها ايضا على انها اداة يمكن ان تسمح لبكين باغتنام زمام المبادرة في المنافسة الدولية في المرحلة الحالية. و لا تعتبر مبادرة الحزام و الطريق الية اقتصادية او نقل او لوجستية، ولكنها تكتسب ميزات نظام متكامل للتعاون الدولي. بالاضافة الى الافكار القائمة على الشراكة الاقتصادية، و تتحدث الصين عن مبادرة " الامن العالمي"، حيث ان وزير الخارجية الصيني " وانغ يي" اكد في تعليقه على اطلاق مبادرة الامن العالمي ، ان المبادرة المقترحة مصممة لتلبية احتياجات المجتمع الدولي في الحفاظ على السلام و منع النزاعات، وتهدف الى الحفاظ على التعددية في صنع القرار الدولي. و من الاهمية ان الصين ترى نفسهاعلى انها الضمان الانسب لهذا النظام، و تقول بكين دائما انها تلتزم بمفهوم التنمية السلمية و تفي بالالتزامات الدولية، و تقف بحزم كحامية للنظام الدولي، و تلتزم بمبدأ الحوار. بهذا الشكل، شكلت جمهورية الصين الشعبية رؤية بديلة للنظام العالمي المستقبلي ، بما في ذلك الأبعاد التجارية والاقتصادية والعسكرية والسياسية. دور روسيا في تشكيل النظام العالمي الجديد! على الرغم من الاهمية الرئيسية للمنافسة الصينية - الامريكية في الوضع الحالي، من المهم تسليط الضوء على ان روسيا تكتسب بعض الاهمية في حل المنافسة بين بكين و واشنطن، حيث ان موسكو و بكين يظهران تقاربا في المواقف السياسية فيما يتعلق بازمة النظام العالمي، و هو ما ينعكس في كل من استعدادهما لدعم النظام العالمي بقيادة الامم المتحدة، و في انتقادهما المشترك لتحركات الدول الغربية، و كذلك حلف الشمال الاطلسي و اوكوس. بالاضافة الى ذلك، الاحداث التي بدأت في 24 فبراير من عام 2022 غيرت مكانت روسيا كعامل مهم في التنافس الصيني الامريكي. ان اظهار امكانية استخدام الوسائل التقنية العسكرية لحل التحديات الامنية الاقليمية في اوروبا ركز الانتباه على الدور الذي يمكن ان تلعبه موسكو في فترة التناقضات المتفاقمة بين بكين و واشنطن. في هذا الصدد، فان قرار الصين بالبقاء على الحياد فيما يتعلق بافعال روسيا في اوكرانيا هو قرار عملي بحت. اشار الباحث الدولي البارز " Yan Xuetong" في مقال نشره مؤخرا للشؤون الخارجية، الى ان الولايات المتحدة لا يمكنها ان تطلب من الصين ادارة ظهرها لروسيا. كما ان الاهتمام الروسي عملي ايضا، حيث تعتقد مؤسسة «Observer Research Foundation» ان بدء العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا يشير الى ان روسيا بحاجة الى حليف قوي لمواجهة ضغوطات الغرب، بينما تبحث الصين أيضًا عن شريك لتعزيز نفوذها العالمي. منذ ما يقارب من عامين تبين ان الحجج حول تأثير الوباء على عملية تطور النظام العالمي كانت واقعية تماما، مما يشير الى ان الوباء العالمي اصبح حافزا ادى الى تسريع تطور العديد من العمليات و كشف نقاط الضعف للنظام العالمي و المنافسة الشديدة، مع اقتراب نهاية الوباء فقدة الانسانية في العالم الجديد، بل و جعلها أقرب إلى واقع جديد مع العديد من المشاكل التي تتطلب حلولًا إبداعية وغير قياسية للحفاظ على السلام واستعادة الاقتصاد. يمكننا القول ان العالم يتجه نحو التعددية – و هو نظام يتميز بالمنافسة الديناميكية لأكبر المراكز في ظرفية بتشكيل الشراكات مع الدول المتوسطة والصغيرة. في هذه الحالة ، تكتسب العلاقات الدولية طابع عملية إبداعية تهدف إلى إيجاد فرص للجميع والإبداع المشترك في تفاعل المراكز السياسية والأيديولوجية المختلفة أساسًا. |