وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

السعودية قبلتها مكة

نشر بتاريخ: 19/10/2022 ( آخر تحديث: 19/10/2022 الساعة: 17:21 )
السعودية قبلتها مكة

في توصيف دقيق للعلاقات السعودية الأمريكية ما قاله الملك عبد الله رحمه الله:نحن حريصون على أن تقوم علاقتنا مع الولايات المتحدة على الإحترام ، فلا نهددهم ولا نقبل أن يهددوننا ..ولا نقبل أن نكون عن يمين أحد أو شماله.فنحن نضع مكانتنا وفق رؤيتنا التي نستمدها من عقيدتنا السمحة وقيمنا وأخلاقنا ، ثم من خلال مصالحنا العربية والإسلامية.هذه الكلمات الدقيقة المعنى تحدد المبادئ التي تحكم السياسة الخارجية السعودية وعلاقتها بالولايات المتحدة وغيرها ،. هذه رسالة كافية للرد على التوتر في العلاقات الذى صاحب قرار أوبك بتخفيض إنتاج النفط لمليونى برميل يوميا ، وما صاحب هذا القرار من ردود فعل أمريكية متسرعة تحمل في طياتها التهديد بإعادة تقييم العلاقات ، وإعادة النظر في الكثير منها ، بل ذهب البعض لوقف صفقات التسلح وما يرتبط بها من أبعاد ومحددات أمنية . هذه التصريحات ألأمريكية التي تبدا من الرئيس بايدن نفسه إلى رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب لا يمكن فهمها إلا في إطارها الضيق الخاص بالسياسة الأمريكية الداخلية وإقتراب الانتخابات النصفية للكونجرس إدراكا أن الركود الإقتصادى هو العامل الحاسم في هذه الانتخابات. إبتداء هنا بعض الملاحظات على هذا القرار والعلاقات التاريخية بين البلدين:.

رغم التوتر في العلاقات وهى ليست المرة ألأولى ، فالعلاقات بين البلدين تاريخية وممتدة لعقود طويلة وتصل إلى درجة الشراكة الإستراتيجية وتحكمها مصالح مشتركة كثيرة أهمها المحدد البترودولار وإلتزام السعودية بدور المنتج النفطي الكبير والذى يساهم في الاستقرار العالمى والإلتزام بإعتماد الدولار عملة التعامل وهو ما يعنى دعما وقوة للإقتصاد ألأمريكى ،وأحد محددات قوة أمريكا عالميا.إلى جانب ذلك هناك المحددات ألأمنية المتبادلة بالحفاظ على قوة السعودية عسكريا وتزويدها بالأسلحة المتطورة وهذا بهدف حفظ أمن وإستقرار المنطقة كلها.وهذه العلاقات بحكم محدداتها وعمق المصالح المتبادلة قادرة على الصمود في وجه أي شخصية تحريضية ، فهى علاقات مؤسسية تبقى ويذهب الأشخاص.والفرضية الرئيسة في هذه العلاقات تستند على أن الولايات المتحده في حاجة للسعودية لما لها من إمكانات مالية ضخمة تتمثل في حجم الإستثمارات المتعددة في الولايات المتحده وأبرزها سندات الخزانة ألأمريكية . وضخامة حجم الصفقات العسكرية التي تصل إلى مئات الميارات. وفى الوقت ذاته السعودية أيضا في حاجة للولايات المتحده ولا يمكن إستبدالها بدول أخرى . لكن هذا لا يمنع أن من حق السعودية في بناء شبكة من الشراكات الإستراتيجية مع العديد من الدول مثل الصين وروسيا. فهى قادرة على مواجهة التحديات الجيوسياسية وتبدل وتغير الرؤساء. وتعود خصوصية العلاقات إلى السبعينات من القرن الماضى ، فالمملكة أكبر المنتجين للنفط الخام ، وكانت الولايات المتحدة أكبر أكبر دولة مستهلكة ، وفى الوقت ذاته أكبر قوة عظمى إقتصاديا وعسكريا.وعقد السعودية إتفاقا بتحرير صفقات النفط بالدولار ألأمريكى أو ما يعرف بالبترودولاروهذا ما تضمنه السعودية بإعتبارها أحد أهم المتحكمين في منظمة أوبك. وهذا ما قد يفسر لنا ردة فعل الولايات المتحده أن السعودية كانت قادرة على التحكم في القرار النفطي.وهذا معناه منح الولايات المتحدة مزيد من القوة والسيادة الاقتصادية عالميا ومنحها القدرة على تمويل عجزها المتنامى في رأس المال من خلال مراجعة دورية بسيطة لقيمة الدولار من خلال السعودية ، هذا ما أرادته الولايات المتحده بغض النظر عن الدوافع والإعتبارات الاقتصادية ومصالح السعودية في إنتاج نفطى يكمنها مزيد من القدرة المالية لمواجهة العديد من المشاريع التنموية التي تقوم بها. هذه أحد إشكاليات العلاقة أن الولايات المتحدة نظرت للقرار من منظور احادى فوقى , هذه المعادلة تغيرت الآن لأسباب تتعلق بالدور والمكانة التي تحتلها السعودية وبرؤية القيادة السياسية لهذا الدور وللعلاقات مع الولايات المتحدة،

ولعل أهمية القرار تكمن في الحاجة الماسة لإعادة تقييم العلاقات ليس فقط من قبل الولايات المتحده كما أشار الرئيس بايدن ولكن أيضا من قبل القيادة السعودية ذاتها ،.القرار يعكس التوازن في السياسة السعودية وإن كان البعد الإقتصادى هو الدافع ورائه لكنه أيضا له بعدا سياسيا يتمثل في إستقلالية القرار السعودي،.وكما قال جيم كرين خبير الطاقة بمعهد بيكر في جامعة رايس أن السعوديين لا يريدون مساعدة بوتين ولكن مصالحهم تلاقت مع مصالحه عندما تعلق ألأمر بالنفط. ولعل من مظاهر إستقلالية القرار السعودي تصويت السعودية ضد ضم روسيا لأراض من أوكرانيا، وتقديم مساعدات إنسانية لأوكرانيا بقيمة 400 مليون دولار. إذن إشكالية هذه العلاقات من جانب أمريكا التي تنطلق فقط من منظور مصالحها الخاصة , وتريد دورا تابعا .ومحكومين بإعتبارات السياسة الداخلية.ولا شك أن قرار النفط جاء في وقت أنها لم تعد تملك القرار المؤثر على السعودية مما يمس مكانتها العالمية .وأعتبرت القرار سياسيا وأنه يعمل لصالح روسيا وبوتين ويخرج روسيا من عزلتها ويفاقم مشكلة أمريكا الاقتصادية .هذا الموقف الأمريكي لم يتفهم أن القرار كان جماعيا وهو حق سيادى للسعودية.ومن حقها أن تدافع عن مصالحها في حرب ليس لها ذنب أو مسؤولية فيها.ولعل ما يلفت النظر في هذه الإزدواجية في السياسة ألأمريكية الموقف من علاقات تركيا بروسيا ولقاءات أردوغان ببوتين ووالتوافق حول العديد من القضايا بينهما.ورغم ذلك لم نسمع عن مثل هذه التهديدات. ويبقى أن من حق السعودية ان تعيد تقييم علاقاتها وان تتخذ قرارها السيادى بما يحقق مصالحها، ولا شك أن أمريكا تحاول إبتزاز السياسة السعودية . ويبدو ان القيادة السعودية قد تعلمت الدرس وأنها أكثر وضوحا وجراة وثقة . وهذا ما لمسناه في زيارة بدين ألأخيرة للسعودية وفى مسألة تطبيع العلاقات مع إسرائيل والطاقة والدفاع المشترك.ودولة تريد ان يكون لها دورها المحورى لا تملك إلا ان تكون لهاخارطة من شراكات إستراتيجية ولييست علاقة محكومة فقط بالعلاقة مع الولايات المتحدة حتى لو بقيت قطبا أحاديا.