وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الصعود الحر للفاشية الدينية في الدولة الصهيونية

نشر بتاريخ: 27/10/2022 ( آخر تحديث: 27/10/2022 الساعة: 09:47 )
الصعود الحر للفاشية الدينية في الدولة الصهيونية

يوم الثلاثاء المقبل ستجري الانتخابات الإسرائيلية، التي تتمحور حول سؤال هل سيحصل نتنياهو على أغلبية تمكّنه من تشكيل حكومة؟ والحليف الأكبر لنتنياهو، إذا تمكّن، هو حزب «الصهيونية الدينية» بقيادة الثنائي الفاشي بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، الذي تتنبّأ له الاستطلاعات أن يكون الحزب الثالث من حيث القوّة وأن يحصل على 12-15 مقعدا في الكنيست في صعود حر من 6 مقاعد كانت عنده بعد الانتخابات السابقة، التي جرت قبل عام ونصف العام. وهذه سابقة، حتى بالمقاييس الإسرائيلية، إذ لم يحدث أن فاز حزب بهذه الدرجة من التطرّف بهذه القوّة البرلمانية. وقد وعد نتنياهو قيادة هذا الحزب بمنحه حقائب وزارية ملائمة لوزنه، وسيكون له بالتأكيد تأثير ملموس في القرار السياسي في الدولة الصهيونية.
فاشية دينية استيطانية
قائمة «الصهيونية الدينية» هي تحالف لأحزاب يمينية متطرّفة أهمها حزبا «عظمة يهودية» برئاسة إيتمار بين غفير و»الوحدة اليهودية» برئاسة بتسلئيل سموتريتش. ومن المتوقّع أن تحصل القائمة على حوالي نصف مليون صوت، أكثر بمرتين مما حصلت عليه في انتخابات 2020، حيث وصلت إلى ما يقارب 225 ألف صوت. ولكن الصعود الحقيقي أكبر من ذلك بكثير، وهو من نصيب حزب «العظمة اليهودية»، الذي هو عمليا استمرار لحركة «كاخ» العنصرية، التي قادها الرابي العنصري المأفون مئير كاهانا، الذي اغتاله سيّد نصير المصري عام 1990. وتدل استطلاعات الرأي أن ثلثي مصوتي القائمة يدعمون بن غفير، ما يعني أن حصّته تصل إلى 330 ألفا، وهي ما يقارب 15 ضعف ما حصل عليه في انتخابات 2020، حيث وصل بالكاد إلى 20 ألف صوت. ويبرز بن غفير، تلميذ كاهانا، نجما صاعدا في الحملة الانتخابية، وهو يطمع بأن يكون وزيرا للشرطة حتى يفرض الأمن والنظام على هواه.

التحالف بين اليمين الإسرائيلي المتطرف واليمين الأمريكي المتطرف قوي ومتين والفلسطينيون هم الضحية

تفي قائمة «الصهيونية الدينية» بكل المعايير اللازمة لتستحق وصفها بالفاشية. فقد صرّح بتسلئيل سموتريتش بأنّه لا يقبل أن تلد زوجته بالمستشفى مع نساء عربيات، وهو يدعو إلى ضم الضفة الغربية، وإلى إعادة احتلال غزّة وإلى استبدال القضاة وتغيير قوانين حقوق الإنسان على قلّـتها. أمّا حزب بن غفير فهو يدعو إلى طرد العرب «غير المخلصين للدولة»، وإلى فرض حكم الإعدام بحق من يسميهم «الإرهابيين»، وإلى تغيير أوامر إطلاق النار وعدم فرض أي قيود على الجنود وأفراد الشرطة في نشاطهم ضد الفلسطينيين. كما تحارب حركة «عظمة يهودية» الزواج المختلط وممارسة الجنس مع غير اليهود. وتنضوي هذه الفاشية الصهيونية تحت مظلة دينية وتستند إلى مشروع كولونيالي استيطاني اقتلاعي، وتسعى إلى تكثيف الاستيطان، وإلى مواصلة الاقتلاع الممنهج بالأخص في القدس والضفة الغربية ومنطقة النقب.
البرنامج والمواقف
تعرض «الصهيونية الدينية» برنامجا واضحا ومواقف معلنة لاهوتية المصدر عنصرية الطابع وفاشية المحتوى واستعمارية الهدف. كل هذا لم يكن مهمّا قبل سنوات لأنّها كانت هامشية نسبيا، لكنها ستكون القوّة الثالثة في الكنيست المقبلة، وأكبر حليف لنتنياهو إذا فاز في الانتخابات. لقد أصبحت هذه الكتلة لاعبا مركزيا في السياسة الإسرائيلية، ولها اليوم قدرة أكبر على التأثير في صناعة القرار في إسرائيل. وبعد أن كانت بعض قياداتها منبوذة وغير معترف بها، أصبحت تحظى بشرعية في أوساط النخب السياسية والرأي العام. وتبعا للبرنامج السياسي المكتوب، والتصريحات المعلنة، يمكن تلخيص عدد من النقاط المركزية في مشروع «الصهيونية الدينية»:
ـ ضم الضفة الغربية بالكامل وإعادة احتلال قطاع غزّة
ـ تنفيذ حكم الإعدام بحق «المخربين»
ـ السماح للجنود وأفراد الشرطة بإطلاق النار وقتل كل من يرمي حجرا
ـ طرد العرب غير المخلصين من البلاد
ـ منع إقامة دولة «إرهاب» فلسطينية
ـ السماح لليهود بالصلاة في المسجد الأقصى
ـ تنفيذ إجراءات ضم «فعلي» ريثما يتم الضم الرسمي الكامل
ـ تفكيك الإدارة المدنية، وتحويل صلاحياتها إلى الوزارات الإسرائيلية
ـ منح الشرعية الكاملة لكل البؤر الاستيطانية، البالغ عددها 70 وعدد سكانها 25 ألفا، الذين هم «ملح الأرض وطلائعيون»
ـ تكثيف الاستيطان ورفع كل القيود عنه
ـ محاربة السيطرة الفلسطينية على الأراضي المفتوحة في الضفة الغربية
ومن المواقف التي يؤكّد عليها قادة «الصهيونية الدينية» عدم الدخول في ائتلاف مع «القائمة الموحّدة» برئاسة منصور عبّاس، فبعد انتخابات 2021، جرت مفاوضات بهذا الشأن مع نتنياهو والليكود، وفشلت المحاولة بسبب المعارضة الشديدة لبن غفير وسموتريتش، اللذين تمسّكا بها رغم المساعي الحثيثة التي قام بها عبّاس لإقناع القيادة الدينية للمستوطنين بالأمر. كما تدعو هذه القائمة إلى سياسة أكثر وحشية ضد الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية وغزّة، ودعا أحد المرشحين فيها إلى قتل خمسين فلسطينيا كل يوم في غزّة.
تقسيم العمل مع نتنياهو
يُعتبر نتنياهو عرّاب تحالف «الصهيونية الدينية»، فهو الذي عمل على تذليل العقبات والخلافات بين مركباته. وقد خشي نتنياهو من عدم عبور أحد الأحزاب نسبة الحسم، ما يؤدّي حتما إلى خسارته السلطة، لذا عمل على توحيد صفوف اليمين الديني لضمان عدم ضياع أصوات من اليمين. وقد غيّر نتنياهو من تعامله مع إيتمار بن غفير، فبعد أن اكّد عشية الانتخابات الماضية أنّه لن يعيّنه وزيرا، يشدّد هذه المرّة على أنّه سيكون مسؤولا عن وزارة مهمّة. ومؤخرا، عقد نتنياهو جلسة عمل مع بن غفير واتفقا على تقسيم عمل، بحيث يعمل الأخير على جذب أصوات من المناطق الطرفية ورفع نسبة تصويت ناخبي اليمين من الطبقات الشعبية عبر شعارات عنصرية وفاشية متطرفة، ويترك لنتنياهو ساحة المدن المركزية وأوساط اليمين التقليدي. وهكذا حلّ نتنياهو معضلة المواقف والمصالح غير المنسجمة لمؤيّديه، ليتسنّى له الظهور بمظهر رصين لاجتذاب أصوات من الطبقة الوسطى الشبعانة.
هناك ادعاء بأن نتنياهو لن يسمح للصهيونية الدينية بالتأثير في صناعة القرار في القضايا الكبرى. لا يبدو أنّه يستطيع ذلك نظرا لاعتماده عليها ولوزنها البرلماني الكبير. هو أيضا بحاجة إلى دعمها في مخططه للإفلات من الإدانة والعقاب في محاكمته بتهم الفساد، وهي ستمنحه هذا الدعم، ومن المتوقّع أن تشترط ذلك بالاستجابة لبعض مطالبها على الأقل. ولكن الانسجام الحالي بين قيادة «الصهيونية الدينية»، قد لا يدوم طويلا، وقد نشرت هذا الأسبوع تسجيلات صوتية لسموتريتش وهو يصف نتنياهو بالكاذب والكذّاب، وتصريحات مماثلة لبن غفير، ما يشير إلى عدم ثقتهما به، حتى مع دعمهما الكامل له. وذهب بعض المحللين إلى القول بأن نتنياهو سوف يستعمل «الصهيونية الدينية» لتمرير قوانين وإجراءات بخصوص محاكمته، ثم يرميها كما رمى غيرها. ربّما، لكن ليس أمام نتنياهو حلفاء آخرين ما دام يخضع للمحاكمة.
الصهيونية عارية
يطرح بن غفير الصهيونية عارية من دون الأقنعة التي غطّت بها وجهها الإجرامي القبيح. وقد فعل ذلك طيلة الوقت، والجديد أنّه يحظى الآن بشعبية تؤهله لأن يصبح «بطل» الانتخابات المقبلة في إسرائيل. ولكن جرائم إسرائيل ليست بالكلام على طريقة بن غفير، بل بالأفعال الفظيعة التي ارتكبها غانتس ونتنياهو وشارون ورابين وبراك وديان وبن غوريون. لم يمت أحد من صراخ بن غفير على مدى سنوات طويلة «الموت للعرب» (هو غيّره مؤخّرا إلى الموت للمخربين للتمويه) بل من رصاص وقصف وعدوان القيادات الإسرائيلية من اليسار أساسا ومن اليمين أحيانا. لقد هاجمت قيادات أمنية وسياسية إسرائيلية بن غفير واعتبرته متطرفا وغير شرعي، ولكن هذا يبيّض صفحتها، لأن ما يقوله هو تنفّذه هي، فخطاب الصواب السياسي في إسرائيل لا يسمح بالقول «الموت للعرب»، لكنّه يقبل وحتى يمجّد قتلهم.
كما تبدو الأمور اليوم، فإن نتنياهو قريب جدّا من الفوز في الانتخابات وتشكيل حكومة تشارك فيها «الصهيونية الدينية»، وهذا يمنحها قوّة كبيرة وتأثيرا غير مسبوق على اتخاذ القرار. وبعد أن كان بن غفير يصرخ ويهدد ويتوعّد بلا أسنان، سيركّب له نتنياهو طقم أسنان مؤقّت على الأقل، ولن يمنع ذلك لا تذمّر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ولا تحذيرات القيادات السياسية ولا حتى الطلب المباشر والصريح من الإدارة الأمريكية، التي تخشى تشويه سمعة إسرائيل في المحافل الدولية.
نتنياهو في الطريق لتشكيل أكثر حكومة متطرّفة في تاريخ الدولة الصهيونية، وهي ستكون فعلا في منتهى الخطورة إذا اكتملت «الصورة» بفوز ترامب أو مثيله من الجمهوريين، فالتحالف بين اليمين الإسرائيلي المتطرف واليمين الأمريكي المتطرف قوي ومتين والفلسطينيون هم الضحية.