رجا حرب.. فارس وطني عمل لتكريس عروبة لبنان وعدالة القضية الفلسطينية
نشر بتاريخ: 21/11/2022 ( آخر تحديث: 21/11/2022 الساعة: 10:37 )
التصق اسم المُناضل العميد الركن رجا حرب بالقضايا الوطنية والقومية، وفي الطليعة منها القضية الفلسطينية.
تفتّح وعيه باكراً على قضية فلسطين، التي وُلِدَ قبل نكبتها بثلاث سنوات (12 تشرين الأول/أكتوبر 1945)، ولأنّها قضية حق لشعب اقتلعه الاحتلال الإسرائيلي من أرضه قسراً، آمن بها، وناضل لأجلها في المراحل والمواقع كافة.
إذا كانت ما تُعانيه القضية الفلسطينية، ناتجٌ عن احتلال بغيض، يستدعي مُقاومته، فقد كانت المُقاومة تستوجب أيضاً التصدّي للظلم والإهمال، الذي عاناه أبناء شعبه.
التحق باكراً بالجيش اللبناني في 1 تشرين الأول/أكتوبر 1966، وآمن بالانصهار الوطني في المُؤسسة العسكرية، كما آمن برسالة المُعلم كمال جنبلاط.
مع تعاظم المُؤامرة، أدرك المخاطر الجمّة لها، فلبّى نداء الواجب بالانضمام إلى "جيش التحرير الشعبي"، الذي أنشأه "الحزب التقدّمي الاشتراكي" في العام 1976، بعد اندلاع الحرب العبثية.
وبعد اغتيال المُعلم كمال جنبلاط في 16 آذار/مارس 1977، سار مع رئيس "الحزب التقدّمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، قبل أنْ يتولّى قيادة "جيش التحرير الشعبي" - "قوات الشهيد كمال جنبلاط"، خلال حرب الجبل في العام 1983، وخوض معارك التحرير في عاليه، بعبدا، الشوف وبيروت مع وحدات من الجيش اللبناني والأحزاب الوطنية اللبنانية، ما ساهم بإسقاط اتفاق 17 أيار/مايو 1983.
يُسجّل له قيادته معركة جبهة سوق الغرب، في 13 آب/أغسطس 1989، مع القوى الوطنية والفصائل الفلسطينية، بناءً لتعليمات وليد جنبلاط، بمُواجهة العماد ميشال عون، الذي استقوى بمجموعات من الجيش اللبناني على أبناء الوطن، وكان هذا الانتصار نقطة محورية، ليس فقط بإفشال مشروع "الجنرال" والقوى الانعزالية، بل أيضاً بتكريس انتماء لبنان الوطني العروبي، وفتح الطريق إلى "اتفاق الطائف"، استباقاً لإنهاء تمرّد العماد عون في قصر بعبدا في 13 تشرين الأول/أكتوبر 1990، ولجوئه إلى السفارة الفرنسية في بيروت، قبل مُغادرته إلى المنفى في باريس.
يشاء القدر أنْ يرحل المُناضل رجا حرب، بعد اطمئنانه على مُغادرة الرئيس عون مقر الرئاسة في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2022، حيث سيذكر التاريخ 6 سنوات عجاف، أوصلت لبنان إلى قعر جهنم!
مع عودة انتظام عمل المُؤسّسات في لبنان وحل "جيش التحرير الشعبي" - "قوات الشهيد كمال جنبلاط"، وتسليم سلاحه إلى الدولة اللبنانية، كُلّف حرب من جنبلاط بمُهمة جديدة، وهي إنجاز مُصالحات، وتأمين عودة المُهجرين إلى قرى الجبل.
وخلال عملي في إذاعة "صوت الجبل"، تحت إشراف الوزير غازي العريضي، كنّا نسمع ونُواكب الكثير عن مسيرة المُناضل رجا حرب، التي تحفل بمحطات نضالية مُتعدّدة، في الجيش اللبناني، و"جيش التحرير الشعبي"، و"الحزب التقدمي الاشتراكي"، مُلبياً نداء الواجب، مُنطلقاً من الخط الوطني العروبي، وفي كل منها كان فارساً مقداماً، لا يهاب الموت، الذي نجا منه مرّات عدّة، وهو يودّع رفاق درب سقطوا شهداء، أو مَنْ أُصيب منهم بجراح، عبّدوا بالأحمر القاني الطاهر، خلاص لبنان من حقبة خطيرة كانت تستهدف مصيره.
كما قاد المعارك ضارية تصدّياً للمشاريع التآمرية الانعزالية، كان إطفائياً في إخماد لهيب الحرائق المذهبية والمناطقية والفئوية.
يرحل عن 77 عاماً، وإنْ كانت في القلب غصّة لما يشهده لبنان، لكن كله أمل بالمُخلصين من أبنائه بتغليب مصلحة الوطن على مصالحهم الخاصة لإنقاذه.
كانت أمنيته زيارة فلسطين، التي امتشق كوفيتها، والصلاة في مقام النبي شعيب (ع) في بلدة حطين - قضاء طبريا، التي حرّرها السلطان صلاح الدين عام 1187، فإنّ أمنيته لا بُدّ أنْ تتحقّق بفعل أبطال فلسطين المُستمرين بإنتفاضة مُتواصلة، الذين تلدهم أمهاتهم بفرح، وتزفهم بفرح بالزغاريد عرساناً: لبناء أسرة أو شهداء.
هكذا وُدّع المُناضل رجا حرب، كما يليق بالأبطال، عندما دعا وليد جنبلاط إلى التصفيق للكبار بدلاً من ذرف الدموع.
العزاء إلى رئيس "الحزب التقدّمي الاشتراكي" وليد جنبلاط ورئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب تيمور جنبلاط ومُستشاره حسام حرب والعزيزة رولا حرب، وكل أفراد العائلة وأبناء الجبل الأشم والمُناضلين الأوفياء.