|
أبعد من المناشدات!
نشر بتاريخ: 21/11/2022 ( آخر تحديث: 21/11/2022 الساعة: 14:31 )
مناشدة تدمي القلوب قبل العيون أطلقتها والدة إحدى طالبات الصيدلة في جامعة بيرزيت. فحوى المناشدة التي نشرتها وكالة معا بتاريخ 17/11/2022 أن الطالبة في سنتها الدراسية الخامسة ولا تملك القسط اللازم للالتحاق بفصلها الدراسي الجديد ما يضع مستقبلها التعليمي في خطر. في التفاصيل تقول الوالدة " أحاول انا وزوجي قدر المستطاع إكمال مهمتنا في تعليم أولادنا لكن في بعض الأحيان لا أتمكن من ذلك، لدينا قروض تم سحبها من أكثر من بنك لتعليم الأولاد وزوجي يعمل معلما، وأنا بالبيت مع ابني المريض وهو أسير محرر تعرض للضرب في سجون الاحتلال ما أدى إلى عجزه بالكامل". ربما تجد تلك المناشدة الاستجابة اللازمة وربما لا تجد، لكن المهم أنها تسلط الضوء على مشكلة قديمة-جديدة يعاني منها طلبة الجامعات الفلسطينية، وتتمثل بتأمين أقساطهم الدراسية وسط شكوى شبه عامة من ارتفاعها تعدت الطلبة أبناء العائلات الفقيرة لتطال أبناء عائلات الطبقة المتوسطة؛ فما بالنا إذا تعلق الأمر بعائلات فيها أكثر من طالب جامعي مثل عائلة الطالبة المشار إليها: وما أكثر هذه العائلات في مجتمعنا؟! مع استمرار هذه المشكلة – ارتفاع أقساط الدراسة في الجامعات – قد نكون مع مناشدات أخرى من طلبة آخرين، وقد تلقى هذه المناشدات الجديدة استجابات لها وربما لا تلقى، لكن تبقى هناك قضية لا يمكن الهروب منها وليس هناك حل لها، هي ارتفاع الأقساط الجامعية، وربما كما يشكو البعض، استمرار ارتفاع هذه الأقساط، وسط ثابت وحيد هو الارتفاع المستمر في البطالة وتكاليف المعيشة! قطاع التعليم العالي الفلسطيني يعاني من مشكلات عدة من أبرزها المشكلة المالية، وشمل الأمر الجامعات وطلبتها، وأدى ذلك إلى اضرابات شهدتها جامعات عدة قام بها العاملون تارة والطلبة تارة أخرى: احتجاجات العاملين تعلقت برواتبهم وحقوقهم المالية، وكانت احتجاجات الطلبة على ارتفاع الأقساط الدراسية! هناك منح للتعليم العالي لكنها محدودة وتتعلق بالطلبة المتفوقين في التوجيهية حتى أن كل هؤلاء المتفوقين لا تشملهم هذه المنح. هناك قروض تمنح لطلبة الجامعات لكنها محصورة بالموجودين على مقاعد الدراسة ولا تشمل الراغبين بالدراسة ولا يملكون الأموال اللازمة لذلك، عدا عن كون هذه القروض، تبقى قروضا بحاجة لتسديد في وقت لاحق، كما أنها محدودة وتتناقص باستمرار كما تظهر الشكاوي. وهناك دعم مالي من الحكومة لمؤسسات التعليم العالي الفلسطيني لكنه غير كافي وغير منتظم كما تشكو هذه المؤسسات! المشكلة إذا عامة ومستمرة وربما تكون مرشحة للتفاقم ولا تنفع في حلها استغاثة هنا أو مناشدة هناك، ولا احتجاج هنا أو إضراب هناك، ولا تدخل موضعي هنا أو جراحة موضعية هناك. لا بد من وضع المشكلة المالية التي يعاني منها قطاع التعليم العالي الفلسطيني على أجندة البحث، وهنا من الضروري التنويه أن لا تكون المعالجة لمشكلة طرف على حساب الطرف الآخر، أقصد أن تعالج معاناة الجامعات وطلبتها على حد سواء، كما من الضروري أن تكون المعالجة استراتيجية لا آنية لأن الثابت الوحيد أن عدد الطلبة في ازدياد والشهادة الجامعية الأولى (البكالوريوس) لم تعد تجذب المشغلين، وما عدا ذلك يبقى من المتغيرات وبحاجة لحلول جديدة وخلاقة! لنا أن نفخر بأن معدلات الأمية في فلسطين من أقل المعدلات في العالم (2.3% بين الأفراد 15 سنة فأكثر لعام 2021)، لكن ما الفائدة التي سنجنيها إذا عرف الشخص القراءة وكتابة جملة بسيطة عن حياته اليومية، وهما الشرطان الأساسيان حتى لا يكون الشخص أميا حسب تعريف (اليونسكو) للشخص الأمي؛ إذا لم يجد عملا يعيش منه؟! وإذا أصبحت تكلفة التعليم في بلادنا أعلى بعشرات المرات من المردود المرجو منه، فهل هذا يعني أن نتخلى عن الاستثمار في التعليم كما دأب أجدادنا على العمل حين وجدوا أنفسهم أمام واقع أكثر من صعب عندما وقعت النكبة ومن بعدها النكسة وفرض الاحتلال كل ظروفه وشروطه المجحفة على واقع الحياة الفلسطينية ولا يزال؟! لا أسعى من وراء السؤالين الأخيرين للتشكيك في قيمة وأهمية التعليم وكونه حق من حقوق الانسان، حاله كحال الحرية التي وإن قدم شعبنا عظيم التضحيات من أجلها فإنه لن يتنازل عنها، لكني أطرح هذين السؤالين للإشارة إلى أن الواقع قد تغير وأصبح "عنيداً" أكثر وبحاجة لحلول أكثر "عناداً" حتى يلين! هل هناك واقعاً أكثر عناداً من واقع تحرم فيه طالبة من المشاركة في حفل التخرج مع باقي زميلاتها الخريجات لأنها لا لم تدفع ما بقي عليها من التزامات مالية لجامعتها: سألني أحد المواطنين بألم؟ |