|
حملة من أجل إبحار آمن في الانترنت
نشر بتاريخ: 26/11/2022 ( آخر تحديث: 26/11/2022 الساعة: 16:55 )
في كل عام، اعتبارا من 25 نوفمبر، الذي يصادف اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، وحتى 10 ديسمبر، ويصادف اليوم العالمي لحقوق الانسان، تُنَظَّمُ في مختلف دول العالم، كُلُّ دولةٍ حَسْبَ الأوضاع السائدة فيها، سلسلة فعاليات ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي. النوع الاجتماعي، لمن لا يعرف، مسار فكري مهم لفهم جملة الديناميات التي تتحكم بأشكال الاضطهاد وعدم المساواة والتمييز والاجحاف التي يتعرض لها الأفراد، وهو طريقة تفكير علمي أشمل وأوسع من أن تحصر الأمور بالمرأة وما تتعرض له من انتهاكات عديدة، بل تتجاوز ذلك وتذهب إلى استبطان علاقات القوة والسلطة والمصالح والسياسة والاقتصاد والثقافة التي تتأسس عليها جملة تلك الانتهاكات التي تطال كل البشر إناثا كانوا أم ذكورا. لا مشكلة لدي بالحملة الـتي اشتهرت بـ (حملة الـ 16 يوم)؛ فحرية الانسان، ذكرا كان أم أنثى، لا تنفصل البتة عن الحرية بمفهومها الأشمل وما تعنيه من حق الشعوب في تقرير مصيرها وتحقيق تطلعاتها واحترام خصوصياتها وحق الدول في ممارسة سيادتها على أراضيها وعدم التعدي عليها أو التدخل في شؤونها الداخلية، وهي أمور لا تتوفر مجتمعة لشعبنا الفلسطيني؛ لذا ليس غريبا أن نكون في مقدمة القائمين على مثل هذه الحملة وغيرها من الحملات، لكن المشكلة أن كثيرا من الحملات التي تنظم في الحقل الفلسطيني إما مكرورة – معادة سئمها الناس – أو فئوية – لا تستهدف كل قطاعات المجتمع – أو مركزية – لا تصل للمناطق الفقيرة والمهمشة - أو غريبة – لا تتلاءم وخصوصية المجتمع – أو قديمة – لا تواكب التطور الذي وصل إليه المجتمع والمرحلة التي يعيشها وبروز أشكال أخرى من الانتهاكات باتت تشكل مصادر تهديد، ربما أكبر، لأبنائه وتقدمه. لا يمكنني في هذا المقال معالجة كل أشكال القصور التي تعاني منها الحملات التي يجري تنظيمها في الحقل الفلسطيني لمناهضة العنف المبني على النوع الاجتماعي، ولا أقول ضد المرأة فقط انطلاقا من الفهم السابق الذي أشرت إليه في المقدمة، بل سأحصر معالجتي في القصور الناجم عن كون بعض الحملات قديمة بالنسبة لزمن تطور وأتى نتيجة لتطوره بجملة من المشاكل كانت سببا في أشكال أخرى من الانتهاكات ربما تكون، كما أسلفت، أكثر خطرا وتهديدا للمجتمع الفلسطيني وأبنائه وللنسيج الاجتماعي في وقت نحن أحوج ما نكون لتقوية المناعة الوطنية لهذا المجتمع أمام غول الاحتلال والمستوطنين وجرائمهما. هذا المقال أنوه فيه لضرورة تركيز الحملات الموجهة لمناهضة العنف المبني على أساس النوع الاجتماعي نحو أشكال جديدة من العنف التي يتعرض لها مختلف أفراد المجتمع الفلسطيني، شيبا وشبانا، ناسا عاديين وقادة، ذكورا وإناثا، وكبارا وصغارا، خلال استخدامهم الشبكة العنكبوتية – شبكة الانترنت – وما أتاحتها من وسائل جديدة للتواصل الاجتماعي – فيسبوك وغيره – وما ينشأ عليها من تطبيقات ..الخ. خلال الاقبال المتزايد على استخدام الانترنت وتطبيقاته والوسائل الجديدة والتقنيات السهلة الحديثة والعديدة التي توفرها الشبكة العنكبوتية للتواصل بين الناس، تقع استعمالات خاطئة يستغلها أشخاص موتورون أو مرضى أو ضعاف نفوس أو عديمو أخلاق وضمير أو "هكرز" أو ينتمون لجماعات منظمة تقوم على التكسب من خلال ممارسة "جرائم الابتزاز الالكتروني". تحقيق صحفي نشره الزملاء بشار دراغمة ورومل السويطي وسعيد شلو في صحيفة الحياة الجديدة بتاريخ 6 آذار 2022 كشف عن نتائج صادمة بهذا الخصوص. سجلات الشرطة الفلسطينية، وفق التحقيق، حافلة بقضايا الابتزاز، ووحدة الجرائم الإلكترونية باتت تتلقى يوميا قضايا جديدة من فئات عمرية مختلفة محورها الابتزاز الإلكتروني، في ظروف وأهداف مختلفة. ووفق أحدث إحصائية متوفرة لدى دائرة الجرائم الإلكترونية في الجهاز العام للشرطة أوردها الزملاء " فإن 2420 قضية تم تلقيها في العام 2020". وأشار العقيد لؤي ارزيقات الذي تحدث في التحقيق إلى أن " ارتفاع نسبة الجرائم الإلكترونية ومنها بشكل رئيسي الابتزاز الإلكتروني مرتبط بشكل رئيسي بزيادة استخدام الانترنت في فلسطين". متحدث آخر، فضل عدم الكشف عن اسمه، أوضح " أن الضحايا من فئات عمرية مختلفة ومكانة اجتماعية مختلفة، ومنهم أشخاص متزوجون، وأثرياء، بل ومنهم على رأس مؤسسات"، وقال المتحدث الذي تمت الاشارة إليه بالرمز (س. س)، وهو هاكرز يلجأ إليه الضحايا الذين وقعوا في أخطاء تعرضوا نتيجتها للابتزاز الالكتروني " يلجأ إلينا الأشخاص بعد نشر فيديوهات لهم بشكل أولي على منصة اليوتيوب، ويطلبون منا حذفها قبل أن تصل إلى فئات أوسع". ويشير الهاكرز نفسه " إلى أن الأهداف في الغالب مادية، وأحيانا تكون الاسقاط في وحل العمالة مع الاحتلال، وفي حين آخر تكون بهدف استمرار العلاقة بين شاب وفتاة وتطورها إلى حد بعيد". بالعودة إلى العقيد ارزيقات فإن " هناك ازديادا في نسبة الجرائم الإلكترونية حيث تظهر الإحصائيات المتوفرة على سبيل المثال زيادة بنسبة 11% في العام 2020 عن العام 2019" وقد " تنوعت أشكالها بين الابتزاز والتهديد والتشهير والقرصنة والاحتيال المالي وإفساد الرابطة الزوجية وانتحال الشخصية والسب والشتم وسرقة حسابات مواقع التواصل والبريد الالكتروني". مطلبي الأساس في هذا المقال هو ضرورة تركيز الحملات الفلسطينية المناهضة للعنف المبني على أساس النوع الاجتماعي على قضايا الابتزاز الالكتروني من أجل التصدي للمجرمين الذين يمارسون مثل هذه الجرائم وتقديمهم للمحاكمة لينالوا العقاب اللازم الذي يستحقون وفقا للقانون، من أجل، لا أقول القضاء على هذه الظاهرة الجديدة على مجتمعنا؛ لأنني أخشى بقاءها طالما نحن إزاء تطور مضطرد في عالم التواصل الحديث وتقنيات الاتصال الحديثة، بل، على الأقل، الحد من هذه الظاهرة ومحاصرتها وحماية الضحايا وتقديم العون لهم. يجب أن تضع مثل هذه الحملات استراتيجية قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى تحقق في النهاية إبحارا آمنا للمواطن الفلسطيني في الشبكة العنكبوتية. حسنا فعل مجلس الوزراء بقراره إنشاء "الهيئة الوطنية للأمن السيبراني" وتكليف فريق حكومي لإعداد مسودات التشريعات والإجراءات اللازمة راجيا من الفريق الحكومي الاسراع في إنجاز هذه المهمة الوطنية الكبيرة. حسنا ما تقوم به وحدة الجرائم الالكترونية في الشرطة ودوائر النيابة المخصصة لمتابعة هذه القضايا من جهود. والأحسن اختيار (الجمعية العالمية للمرشدات وفتيات الكشافة) " حرية التصفح" موضوعا لحملتها هذا العام لمناهضة العنف المبني على النوع الاجتماعي. تلفت الحملة التي أطلقتها الحركة الانتباه إلى الجانب المظلم للتكنولوجيا وأثره السلبي الكبير وتأثيره على حياة الفتيات والشابات في جميع أنحاء العالم. وتسعى الحملة التي ترفع شعار (هي تتصفح الحرية) إلى حلول تجعلنا أقرب لحياة رقمية آمنة للجميع: خالية من التحرش والعنف، وهذا ما يجب علينا العمل عليه فلسطينيا في حملاتنا. المرأة عندما تقع ضحية للابتزاز الالكتروني تكون عرضة للإدانة المجتمعية أكثر من الرجل لو تعرض للموقف ذاته وفقا للثقافة الذكورية السائدة، وهي التي تعلي، وللأسف، من مكانة الرجل مقابل الأنثى، والشعار السائد في تبرير ذلك " هو رجل لا يهمه، أما هي فتبقى مرأة!". التبرير الأخير يذكرني بفيلم فاتن حمامة الشهير (لا عزاء للسيدات)، علما أن النساء كباقي البشر غير معصومات عن الخطاء كما باقي البشر وهن بحاجة لدعم وحماية وتفهم وأمان، وهذا مطلوب تحديدا لو وقعن ضحايا للابتزاز الالكتروني؛ لأن الفضيحة ستكون على الملأ والمجتمع لا يرحم! بالعودة لتحقيق الزملاء في صحيفة الحياة الجديدة، أكثر ما لفتني فيه عبارة أشارت إلى أن الذين يمارسون جرائم الابتزاز الالكتروني يعتمدون بشكل أساسي على الصور التي يحصلون عليها من ضحاياهم الاناث سواء كانت الصور فاضحة أو عادية والسبب كما أفاد التحقيق أنه لا يزال هناك " أفراد من داخل المجتمع يعتبرون صورة المرأة بدون حجاب كارثة!". هل تأكدتم الآن أنه لا عزاء للسيدات؟ وهل عرفتهم لماذا نحن بحاجة لحملات لمناهضة الابتزاز الالكتروني؟ ولماذا علينا تنظيم اطلاق حملة أو أكثر لتوفر للمواطن الفلسطيني، ذكرا كان أم أنثى، إبحارا آمنا في الانترنت؟ |