وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

القضية الفلسطينية في قمتي الرياض

نشر بتاريخ: 11/12/2022 ( آخر تحديث: 11/12/2022 الساعة: 14:29 )
القضية الفلسطينية في قمتي الرياض

انتهت يوم الجمعة الماضي الموافق 8/12/2022 في العاصمة السعودية (الرياض) القمة العربية الصينية الأولى التي جمعت رؤساء وملوك الدول العربية الأعضاء في جامعة الدول العربية، ورئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ، وكانت الرياض قد إستضافت القمة العربية الإسلامية الأمريكية العام 2017، التي جمعت الرئيس الأمريكي في حينه ترامب وممثلين عن 55 دولة عربية وإسلامية.

صحيح أن البيان الختامي قد تطرق في المرتين لمعالجة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلا أنه فيما أعتبر البيان الختامي للقمة الأولى إنتصاراً للرؤية الإسرائيلية لمعالجة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يمكن للشعب الفلسطيني ومناصريه حول العالم إعتبار البيان الختامي للقمة الأخيرة إنتصاراً للرؤية والإستراتيجية السياسية الفلسطينية.

إذ فيما لم يتطرق بيان قمة العام 2017 (العربية الإسلامية الأمريكية) لحل الدولتين كأساس لمعالجة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كما لم يتطرق لهيئة الأمم المتحدة والقرارات ذات الصلة الصادرة عنها لمعالجة هذا الصراع، وخلا من كلمة دولة فلسطينية في أي من فقرات البيان التي تكونت من 1070 كلمة، وأسس لصفقة القرن التي رفضها الشعب الفلسطيني سلطة ومعارضة، جاء بيان القمة العربية الصينية (2022) مؤكداً على الإستراتيجية الفلسطينية لمعالجة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي التي تسعى الى دفع المجتمع الدولي الى إجبار إسرائيل على الإنصياع لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بمعالجة الصراع.

حيث تظهر مراجعة نص البيان الختامي للقمة الأخيرة أنه أفرد للقضية الفلسطينية 290 كلمة من مجموع كلماته التي بلغت 1660 اي ما نسبته 17,4% من مجموع الكلمات، الأمر الذي لا يخلو من دلالة، لا سيما وأنه ينسخ مخرجات القمة الأولى وتداعياتها.

ويمكن ملاحظة ذلك في البند الرابع من بنود البيان الذي أعاد "التأكيد على أن القضية الفلسطينية تظل قضية مركزية في الشرق الأوسط وهي التي تتطلب إيجاد حل عادل ودائم لها على أساس حل الدولتين"، من خلال إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية، وذلك وفقاً لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. والتأكيد في هذا الإطار على عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية والأراضي العربية المحتلة، وبطلان ممارسات إسرائيل الأحادية الرامية إلى تغيير الوضع القائم في القدس والتأكيد على ضرورة الحفاظ على المكانة التاريخية والقانونية للقدس الشرقية المحتلة، وعلى أهمية دور الوصاية الهاشمية التاريخية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس في حماية المقدسات وهويتها العربية والتأكيد أيضاً على أهمية دور وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" وضرورة دعمها لتمكينها من الوفاء بولايتها الأممية، وعلى ضرورة تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة باللاجئين وحماية المدنيين الفلسطينيين، والدعوة إلى عقد مؤتمر دولي للسلام بمشاركة أوسع ومصداقية أكثر وتأثير أكبر، وتثمين الرؤية ذات النقاط الأربع التي طرحها فخامة الرئيس الصيني شي جين بينغ لحل القضية الفلسطينية، وسلسلة من المبادرات والرؤى التي طرحها الجانب الصيني حول القضية الفلسطينية، وتثمين وقوف الصين إلى جانب الحق والعدالة في القضية الفلسطينية، وجهودها الحثيثة لدفع عملية السلام، ودعمها المقدم للجانب الفلسطيني لتحسين معيشة الشعب وتنمية الاقتصاد، ومساعداتها الإنسانية المقدمة للجانب الفلسطيني، والعمل على حصول دولة فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة".
قد يجادل البعض في هذا الشأن أن البيان لم يأتي بأي جديد على المواقف المعلنة تجاه القضية الفلسطينية للطرفين، وهنا أجادل أن الجديد يكمن في اللحظة التاريخية التي تشهد تحولاً جذرياً في النظام الدولي التي ينهار فيها النظام الدولي القديم الذي ظلم الشعب الفلسطيني، ويشهد إرهاصات ميلاد نظام جديد يرى أحد أهم أقطابه ممثلا بالرئيس الصيني أنه "لا يمكن إستمرار الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني".

كما يكمن في إجماع الرأي العام الدولي على اعتبار اسرائيل دولة فصل عنصري وأبارتهايد كجرائم تستحق العقاب، الأمر الذي أصبح أكثر وضوحاً وتهديدا للأمن والإستقرار الدوليين لا سيما بعد صعود اليمين القومي الديني المتطرف في الإنتخابات البرلمانية الإسرائيلية الأخيرة وتهديد هذا اليمين بارتكاب مزيداً من جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية وداخل حدود العام 1948.

ويكمن كذلك في إعتراف الولايات المتحدة الأمريكية (زعيمة نظام القطب الواحد والشريك الأكبر للحركة الصهيونية في مشروع إنشاء وحماية وجود إسرائيل في المنطقة) بنهاية نظام القطب الواحد وفقاً لما ورد نصاً في وثيقة الأمن القومي الجديدة للرئيس بايدن، ثم إعترافها أن العالم سيبقى يشهد تنافساً على مدى العقد القادم، ما بين القوى الديمقراطية والليبرالية التي تتزعمها واشنطن، والقوى الإستبدادية غير الديمقراطيها التي تتزعمها كل من بكين وموسكو.

وفي السياق ذاته أضافت الوثيقة أن هذا التنافس قد يتحول الى صراع مرير إذا ما جرى تثبيت النظام الجديد وفق القيم والأسس الديمقراطية والليبرالية التي تنادي بها الولايات المتحدة الأمريكية وشركائها وحلفائها حول العالم، وكان من اللافت هنا مناداة وثيقة الأمن القومي الجديدة الى بناء نظام دولي يلتزم بميثاق الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية.

وفي هذا الشأن يبدو مدى إلتزام إسرائيل بالقيم الديمقراطية والليبرالية ومبادئ حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها هو المعيار الكاشف لمدى مصداقية الولايات المتحدة في إعادة بناء النظام الدولي الجديد الذي نادت اليه في وثيقة بايدن الأخيرة للأمن القومي.

وحيث بات واضحا لا سيما بعد نتائج الإنتخابات الإسرائيلية الأخيرة أن إسرائيل ليس بواردها الخروج عن طبيعتها العنصرية فمن المؤكد أنها ستكون نقطة الضعف الأكبر في مدى نجاح الولايات المتحدة الأمريكية في إعادة بناء نظام دولي كما تنادي، الأمر الذي يساهم في بناء نظام دولي متعدد، يقيناً سيكون أكثر عدلاً من سابقه الذي ظلم الشعب الفلسطيني كثيراً.

وفيما يعزز ما تقدم إيمان الشعب الفلسطيني الذي لم يرفع الراية خلال قرن من الزمان أمام ظلم النظام الدولي الذي أرست أسسه وقواعده واشنطن ولندن شركاء الحركة الصهيونية في انشاء دولة إسرائيل، إلا أنه يعزز في نفس الوقت أن العدل وحده لا يكفي لحصوله على حقوقه وتطلعاته وغاياته الوطنية العليا.