|
يظهر الفلسطيني كمشكلة أو كقنبلة
نشر بتاريخ: 13/12/2022 ( آخر تحديث: 13/12/2022 الساعة: 12:37 )
قراءة المقالات التي يكتبها الاسرائيليون في صحافتهم تستوجب التوقف طويلاً، فالحقيقة -على الاقل من وجهه نظري- ان هذه المقالات في معظمها تعكس مدى سطحية التناول من جهة البحث عن الحقيقة، ومدى قوة الجدل والمناظرة تهرباً من الحقيقة أيضاً، ومدى العمى والغطرسة والأنانية والتمركز حول الذات لعدم الرغبة في معرفة الحقيقة او التهرب من استحقاقات تلك الحقيقة المرة. المقالات التي يكتبها الاسرائيليون في معظمهم مقالات ارضاء الذات او جلد الذات كوسيلة من وسائل الخلاص او ألتطهر، وهي مقالات عمياء، مناكفة، تَنِزُّ شعوراً بعظمة كاذبة ومغرورة لا اساس لها من الواقع او حتى من الماضي. إذا ان ما يميز تلك المقالات في معظمها -ولا أقول كلها- ما يلي: أولا: انها تعتمد المسلمات التي لا تُناقش أو يعاد النظر فيها من جديد، فالاحتلال أبدي، ودولة الفلسطينيين هي مجرد ترهات، والانسحاب تم الانتهاء من الجدل فيه، ودم الفلسطيني غير ذي قيمة، والغرب مجرم ولا يجب ان يعلم القيم، المقالات الإسرائيلية في معظمها تُبنى على مُسلمات نهائية ومحسومة على مستوى الوعي والسياسة والحياة اليومية، والمسألة مقصودة تماماً، فهم يغيبون هذه الموضوعات الأكثر حساسية عن الفضاء العام والجدل الجماهيري بحيث ترسخ في الوجدان والوعي حتى تُصبح ازالتها فضلاً عن نقاشها مسألة غاية في الصعوبة. ان عقلية التغييب هذه أثمرت ضمن أمور اخرى الفاشية التي نراها اليوم في اسرائيل على اقبح ما يمكن من سياسات وتصريحات ثانياً: أنها مقالات مدعية وكاذبة ومنافقة، وهذا أمر يحتاج إلى تفاصيل، فالعلماني من هؤلاء سيدافع عن القيم الديمقراطية ويعتبر نفسه جزءاً من الحضارة الغربية، ولكن عندما يتعرض للشعب الفلسطيني، عندئذٍ تراه ينفض عن بدنه كل تلك الادعاءات ويلبس الدرع الواقي بالكلام عن الإرهاب، وبالتالي يسمح لنفسه ان يتخلى عن ديمقراطيته للدفاع عن أمنه، ناسياً أو متناسياً أنه محتل وغاصب، أما المتدين من هؤلاء فهو لا ينشغل بالادعاء بأية شعارات سوى شعارات التوراتية التي تعطيه الأفضلية للامتلاك والاحتلال والمصادرة والقتل المجاني، وينسى هذا المتدين أن يهوديته تمنعه من القتل والاغتصاب بل تأمره بالإحسان الى اليتيم والغريب وان يهوديته روحية وليست زمانية، أي أنه غير مأمور أصلاً بإقامة دولة أرضية. وبهذا فإن مقالات العلمانيين والمتدينين هي مقالات كاذبة ومخادعة ومنافقة تلتف على الفكرة الأساسية أو الهدف النهائي وهو أنهم جميعاً يقبلون باحتلال شعب آخر من اجل خدمة رأسمالية كافرة أو في أحسن احوالها رأسمالية لا تؤمن الا بإله المال والنفط. ثالثا: معظم مقالات الإسرائيليين تسقط من ادعاءاتها ان للفلسطينيين الحق في النضال او الحياة الطبيعية -كأناس احرار يبنون ويكتبون ويبدعون ويحلمون ويأملون- الفلسطيني كما يظهر في هذه المقالات او معظمها على الأقل مجرد عامل يتميز بالحصول على التصريح او عدمه، إرهابي او إرهابي محتمل، شخص محلي بدون ملامح او مزايا او حتى بلا اسم، وهو يعيش في "كفار" مليء بالفقر والازدحام والجراثيم والحيوانات الناحلة، وهو لا يريد من حياته سوى "التسريخ" الذي يستخرجه من الإدارة المدنية في حال ثبت انه بدون "ماضٍ أمني". الفلسطيني في مقالات هؤلاء هو شخص متباهٍ سريع الاستثارة والتعبئة من قبل "المحرضين" الداخليين والخارجيين. وهو من رعايا سلطة "فاسدة" -وكأن إسرائيل دولة ملائكية- وتفتقد هذه السلطة لما يسمى "الحوكمة" -وكأن إسرائيل نظام الحوكمة المثالي-. باختصار لا يظهر الفلسطيني على الاطلاق باعتباره انساناً طبيعياً بل يظهر كمشكلة أو كقنبلة. رابعاً: تزدحم المقالات المشار اليها بالقدرة الفائقة على المراوغة وتقديم البدائل والتهرب من الواقع ومعطياته، وتتميز هذه المقالات أيضا بالقدرة العجيبة على سوق الحجج والذرائع والإتيان بآلاف الأمثلة لغرض واحد ووحيد وهو التهرب من الجريمة المكتملة الأركان التي اسمها الاحتلال والقتل والمصادرة. مقالات هؤلاء في معظمها تضج بالقدرة على الكذب وتقديم الرواية الاغرب والاعجب والأكثر بعداً عن الحقيقة رغم انها تكتسب كل صفات الرواية الحقيقية والدقيقة في نموذج متقن يدعو الى الاستفزاز الشديد. بكلمات أخرى، معظم ما اقرأ من المقالات التي يكتبها هؤلاء هي مقالات مليئة ومزدحمة بالمعلومات "الأمنية" و"الإحصائية" والقائمة على دراسات "علمية"، ورغم ذلك فإن هذه المقالات كاذبة ومدعية ومنافقة لأنها -ببساطة- لا تقول الحقيقة الساطعة مثل قرص الشمس، والحقيقة ببساطة ان إسرائيل -بجيشها وفيالقها العلمية والفكرية والتكنولوجية- لا تريد ان تعترف باحتلالها، وليس هذا فقط، بل هي لا تريد ان تعترف انها ما تزال تمارس ابشع الوسائل من اجل شطب شعب عريق ومتجذر في ارضه من آلاف السنين. خامساً: حتى تحقق المقالات المشار اليها ما ذكرناه آنفاً في النقطة السابقة، فإن مقالات الإسرائيليين في معظمها تقوم بعمليات التفافية فكرية ونفسية من اجل تغذية الاحتلال وتعظيم الرواية الكاذبة وترسيخها وتعميمها، ولهذا، فهي تقدم الفلسطيني باعتباره الشخص العابر، المستأجر، غير الناضج، الذي لا يستطيع ان يدير مزرعة فضلاً عن دولة، الإرهابي، وقد يفسر هذا جزئياً لماذا تريد إسرائيل ان تضعف او تفكك السلطة الفلسطينية، فهي -أي إسرائيل- تريد ان تحارب النموذج الذي تتصوره لا الموجود فعلاً، لان حربها مع أوهماها أسهل من حربها في الواقع. سادساً: للدقة والموضوعية، هناك صحفيون وكتاب ومفكرون يهود يرفضون الحل والرؤية الصهيونية، وهناك من يدعو حتى الى اسقاطها لأنها تشكل ضرراً كبيراً للجماعات اليهودية فضلاً عن الشعب الفلسطيني، هؤلاء قلة، والتهمة الجاهزة لهؤلاء انهم يهود كارهون لانفسهم. |