وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الى السيد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن

نشر بتاريخ: 14/12/2022 ( آخر تحديث: 14/12/2022 الساعة: 20:11 )
الى السيد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن



نرجو أن تكون بخير وبعد،
أسعدنا وعد سعادتكم بمواصلة معارضة الاستيطان الإسرائيلي أو ضم الأراضي في الضفة الغربية المحتلة، كما أسعدنا تأكيدكم: "سنواصل أيضاً معارضة لا لبس فيها لأي أعمال تقوّض آفاق حل الدولتين بما يشمل، على سبيل المثال لا الحصر، توسيع المستوطنات أو خطوات باتجاه ضم أراض في الضفة الغربية، أو تغييراً في الوضع التاريخي القائم للمواقع المقدسة وعمليات الهدم والإخلاء..".
أما الآن سيدي الوزير، فأود قراءة عبارتك "تحسين حياة الفلسطينيين" التي ترددت أخير في تصريحاتك قبل أيام في واشنطن العاصمة، فلنا، نحن الشعب الفلسطيني أن نفهمها ونحللها موضوعيا، ويحللها آخرون موضوعيون، من بلاد الله، ومنها بلادك.
فلا ندري، هل هناك رمزية تتعلق بواقع جديد يتم فعله على الأرض المحتلة عام 1967، أم أنه مجرد نوايا طيبة لتحسين حياة شعبنا، وهو في طريقه نحو التحرر وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس؟
سيدي، نحن لسنا "فلسطينيين"، كما يتكرر ذلك برمزية غير بريئة، نحن الشعب الفلسطيني، شعب مثل باقي شعوب الأرض، وشعب عريق، معروفة أصوله، منذ ما كان ترابا وماء ونباتا وخبزا وأبجدية، وننتمي إلى محيط قوميّ، يجمعنا به عناصر كثيرة، كذلك نحن جزء أصيل من هذا العالم، لنا خصوصيتنا القديمة والحديثة، بما قدما وما زلنا نقدمه من عمل حضاري ومعرفي وأخلاقي.
وباختصار، فإن شعبنا لا ينتظر تحسين حياته اليومية، إلا إن جاءت ضمن سياق سياسي يؤدي فعلا إلى إنهاء الاحتلال.
نقول ذلك لأن العبارة " تحسين حياة الفلسطينيين" ترد أيضا على لسان رؤساء وزارات "إسرائيل"، خصوصا السابق، والقادم قريبا: بنيامين نتنياهو.
لذلك، وحتى ينسجم حديثك الذي تفاءلنا به، مع مجمل ما نعيشه هنا، من إجراءات الاحتلال، باتجاه عمل اختراق نحو العدل والعدالة، فإنه بإمكانك كوزير للخارجية أن تفعل ما يؤكد جدية التصريحات الأخيرة؛ فهناك ما يمكنك أن تقوم به سيديّ الوزير، دون حاجة لتشريع أو قرار رئاسي ليؤشر جديا قي اتجاه رفض الضم.
تستطيع أن تعلن إلغاء قرارين لسلفك السيد بومبيو، الأول يتعلق بالتخلي عن مبدأ أن الاستيطان غير شرعي، والثاني بوسم منتجات المستوطنات "صنع في إسرائيل".
وكلاهما سيدي الوزير يتناقضان أصلا مع القانون الولي من جهة، ولسياسة الولايات المتحدة عبر عقود من الزمن. انه اختبار حقيقي ولكن واقعي لمدى جديتكم سيدي وجدية إدارة الرئيس بايدن.
ما نوده صريحا هو العودة الى الموقف التقليدي في سياسة الولايات المتحدة تجاه الصراع هنا، وهو ما كان أحد أهم بقاء العلاقات العربية الأمريكية ولو بحدها الأدنى، رغم ما مرّ من فصول من تحالف الولايات المتحدة مع إسرائيل كدولة محتلة، تغير على من حولها، وتقمع شعبنا بوحشية.
لم يكن سلفكم أبدا بعقلانية كافية، حين اتخذ مثل هذه التصريحات، إذ كيف يتم مثلا قرار وسم منتوجات المستوطنات، كمنتجات إسرائيلية، وليس لهذا من معنى إلا ان الضم كيفياً وإجرائياً قد بدأ؟ بل كيف استطاع سلفكم مايك بومبيو زيارة للمستوطنات؟
ما نحن بحاجة له فعلا، هو العودة الى الحق والأصول، أي الدعوة للالتزام بالقانون الدولي والشرعية الدولية.
فإذا اتجهت الولايات المتحدة لتكون وسيطا نزيها لتحقيق تسوية، فإن ذلك سيؤكد على شرعية تحركها فلسطينيا وعربيا وعالميا.
كذلك، بإمكان سعادتك أن تعود إلى إعلان الرئيس ترامب بشأن القدس، لتقول، ولو على سبيل التلميح
بأن القدس الشرقية عاصمة لفلسطين.
ما نظنه سيدي، أن الولايات المتحدة تميل الى إيجاد كيان فلسطيني، رغم قناعتكم من الداخل أن إسرائيل، تضع العراقيل.

وعليه، فإننا ننتظر من الإدارة الأميركية اليوم وغدا، أن تحسم أي حديث في شأن الأرض المحتلة عام 1967، وألا تورط نفسها في مسألة توصيف هذه الأرض المحتلة، بما يتناقض مع القانون الدولي، ومن ذلك ولو كخطوة رمزية، من المهم وقف التعامل مع منتجات المستوطنات، وقطع الطريق على حكومات إسرائيل التي تسعى إلى الضم غير الشرعي للأرض المحتلة.
عندما توليتم سيدي منصبكم توقعنا أن تصدر قراراً يلغي بموجبه قرار سلفك، من أجل الانسجام مع توجه الإدارة الجديدة وقتها، متذكرين وعدك وأنت تتهيأ لاستلام منصبك بأنك ستطالب اسرائيل والفلسطينيين عدم اتخاذ خطوات أحادية تمنع العودة لحل الدولتين، وستجدد الدعم للسلطة الفلسطينية، وستفتح القنصلية الاميركية في القدس الشرقية، وستقوم بتقديم مساعدات انسانية واقتصادية".
واليوم بعد مرور زمن ليس بقليل، نستطيع نحن وآخرون أن نقيس الأفعال وفق الأقوال، ونحن ننتظر فعلا المزيد من الدعم للعدالة والسلام، بما يضمن حق تقرير المصير لشعبنا.
اليوم، سيدي الوزير يولد جيل في فلسطين لا يقتنع بالعبارات الدبلوماسية، بل يريد أن يرى تغييرا فعليا، وأظنه هو جيل التغيير؛ فهو واثق من نفسه ومن حقوقه، ويريد فعلا بناء مستقبل له، يحيا فيه كما يحيا الآخرون.
لا نود الإطالة سيدي، بالرغم مما يغري به ظرف التحدث لسعادتكم، لكننا هنا في فلسطين، نؤمن حقا بأن الشعوب لا ترضى بظلم أي شعب، ونظن بالشعب الأمريكي الصديق كل الخير، ونظن بالفكر الأمريكي على مدار تاريخه ظنا جميلا، في الانتصار للقيم الإنسانية التي تحترم إرادة الشعوب، وعليه، وكونكم إدارة تمثلون هذا الشعب الصديق، فإننا نظن بأنكم ستنتصرون لما تؤمنون به من قيم على رأسها احترام كرامة الشعوب.
ولعلي أختتم بهذه الكلمات للمعلم فلسطيني، خطها على الفيسبوك، ونالت إعجابا وتعليقات المتابعين. كتبها من وحي استمرار حملات المداهمة والاجتياح من قوات الاحتلال الإسرائيلي لقريتنا الوادعة، التي سطا جدار الفصل العنصري على جزء من أرضها وفضائها وجمالها، القرية الصغيرة التي لم يكتف الاحتلال بجريمته الأخيرة في اغتيال الشهداء، بل يستمر بترويع أهلها، وزج زهرات أبنائنا في المعتقلات، أكبر "جريمة" اقترفوها من وجهة نظر الاحتلال، أنهم يحبون قريتهم، ووطنهم حرا يكون:
"من عتبة بيت دقو أننا قررنا وقرارنا نهائي أن نعيش بكرامة وحرية ورأس مرفوع.. نحن وكل أوجاعنا وكل أفراحنا. نحن وكل هذا الإيمان الذي لا تسري عليه قوانين انتهاء الأجل".
إنها الكرامة فعلا سيدي وزير الخارجية الأمريكي، وليس فقط "تحسين حياة الفلسطينيين"، نحن الشعب الفلسطيني، ولسنا مجرد فلسطينيين، كأننا جماعة مرّت هنا، ولعلك تستعين بخبراء التاريخ القديم ليتعمق لديكم، أية أكذوبة صهيونية انطلت عليكم وعلى العالم، وبالطبع لسنا من اضطهد اليهود يوما، فانظر أي طريق ستسلك والإدارة الأمريكية، علما أن أيدي أهل فلسطين ما زالت ممدودة للسلام العادل: سلام الكرامة أولا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته