|
الشبه العائلي- الدولة اليهودية وأخواتها-
نشر بتاريخ: 30/12/2022 ( آخر تحديث: 30/12/2022 الساعة: 13:15 )
نعرف جيدًا كيف يشبه افراد العائلة الواحدة بعضهم بعضًا. فهذا يشبه أباه أو أخاه أو خاله أو عمه أو جده، وتلك تشبه أمها أو أختها أو جدتها أو خالتها أو عمتها. وقد يأخذ الشبه العائلي، بالطبع، تنوعات أخرى. كما ونعرف جيدًا كيف يتم التعرف على وجه أو أوجه الشبه. هذا على مستوى الصفات الظاهرة أو المدركة حسيًا. وهناك، إضافةً، صفات غير ظاهرة يطالها الشبه العائلي، وهي على نوعين رئيسين، الأول جيني والثاني جمالي. الأول له علاقة بالموروث من المواهب والقدرات والميول والطبائع، أمًا الثاني فله علاقة بالصفات ذات الطابع الجمالي مثل الجمال والنغاشة والرشاقة والأناقة وخفة الروح، أوعكس هذه الصفات، بعضها أو كلها. علمًا بأن الصفات الجمالية، وخلافًا للصفات الأخرى، الظاهرة منها وغير الظاهرة، ذات طابع علائقي، أي ذات علاقة بين المدرك حسيًا (بفتح الراء) وعين الناظر أو الحس الداخلي للمتأمل. ولكن، وهذا هو المهم هنا، رغم تشابه أفراد العائلة الواحدة في الصفات على أنواعها المختلفة، لكل فرد في العائلة هويته الشخصية الفريدة، المستقلة والمميزة. بكلمات أخرى، لا يجوز اختزال هوية الفرد إلى مجموع صفاته، الموروثة منها والمكتسبة. هناك، على ما يبدو، وخلافًا لما يدعيه الشكيون في الفلسفة، جوهر هو الحامل لهذه الصفات جميعها. أترك لمقام آخر طبيعة هذا الجوهر، وإذا كان مادة (كما يقول الماديون) أو روحًا (كما يدعي المثاليون وغيرهم). الفنون الجميلة: وكما أن هناك شبهًا عائليًا بين أفراد العائلة الواحدة، هناك، مجازًا، شبه عائلي بين الفنون الجميلة المعروفة. فالموسيقى تشبه الشعر، والشعر يشبه الرواية والمسرحية المكتوبة، والرسم يشبه النحت، والنحت يشبه العمارة. والأداء المسرحي كثير الشبه بالأداء السينمائي. وهناك من قال بأن الشعر هو رسم بالكلمات. وهكذا. هذا على مستوى الصفات الظاهرة أو المدركة حسيًا. أمًا على مستوى الصفات غير الظاهرة، فهناك مدرستان متنافستان حول تحديد الصفة أو الصفات المشتركة بين الفنون الجميلة كلها، فنون الزمان وفنون المكان على حد سواء. واحدة تقول بأن الفنون الجميلة، وخلافًا للحرف المختلفة، تمثل أو تقلد أو تحاكي الواقع كل بطريقتها، بينما تقول الثانية بأن الفنون الجميلة تعبر عن المشاعر والعواطف كل بطريقتها، مشاعر وعواطف الفنان والمتلقي على حد سواء. ولكن، وهذا هو الأهم هنا، لكل فن من الفنون الجميلة هويته الفريدة، المستقلة والمميزة. إسرائيل الصهيونىة (ا): وهناك، إضافةً، شبه عائلي، مجازًا، بين دولة إسرائيل الصهيونىة وأخواتها، تلك الدول التي نشأت بالاستعمار الاستيطاني والهجرة، مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وجنوب إفريقيا ونيوزيلاندة. في كل من هذه الدول المذكورة، ما عدا دولة جنوب إفريقيا، هناك أقلية أصلانية مميزة بعرقها وثقافتها بقيت بعد التطهير العرقي و/أو الطرد الجماعي، وواجهت تمييزًا عنصريًا من قبل أكثرية استعمارية صنعتها الهجرة. أمًا في جنوب إفريقيا فقد تم إخضاع الأكثرية الأصلانية لحكم أقلية إستعمارية مهاجرة، واتخذ الحكم هناك شكل الفصل العنصري لعقود، وذلك قبل انفراط عقده في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي. وجميع هذه الدول أصبحت حاليًا دول جميع مواطنيها، ما عدا دولة إسرائيل الصهيونىة، والتي ما زالت تعرف نفسها على أنها دولة يهودية، أي دولة لليهود مواطنيها الفعليين، ودولة لليهود أينما وجدوا في أنحاء المعمورة. وهناك، رغم الاختلاف، أوجه شبه كثيرة بين أبارتهايد دولة جنوبًا إفريقيا قبل انفراط عقده وبين الأبارتهايد الزاحف في دولة إسرائيل حاليًا. وهناك أوجه شبه غير خافية بين هذه الدول الست، خاصة حين يتعلق الأمر بقضايا اللغة والثقافة وملكية الأرض وتوزيع الموارد والخيرات وهوية المكان. والمشترك أيضًا بين هذه الحالات الست هو كون كل منها دولة قامت على فوقية واستعلاء المستعمر والمهاجر على الأصلاني، وعلى طرد أو قتل أو إخضاع الأول للثاني. وفي المقابل، الأصلانيون في جميع هذه الحالات حريصون على حماية وصيانة هوياتهم الثقافية وطرائق حياتهم المميزة. وأخيرًا، هذا الشبه العائلي بين الحالات الست المذكورة، وهذا هو الأهم هنا، لا يلغي أو ينفي الهوية الفريدة، المستقلة والمميزة، لكل من هذه الدول. إسرائيل الصهيونىة (ب): إلى جانب أوجه الشبه أعلاه، هناك أربعة أوجه اختلاف رئيسة بين دولة إسرائيل الصهيونىة وأخواتها، الدول الخمس الأخرى: الأول: الحركة الصهيونىة، والدولة اليهودية في صلبها، ولدت على خلفية نشأة ألدولة القومية في وسط وشرق أوروبا، وما تخلل تلك النشأة من تمييز عنصري ضد اليهود، تتوج بمجازر ضدهم في روسيا في الثمانينيات من القرن ال١٩. أما الهولوكوست خلال الحرب العالمية الثانية فقد أعطى إلحاحًا وقوة دفع هائلة للفكرة والمشروع الصهيونيين، هذا في حين عمل الانتداب البريطاني في فلسطين من قبل على إنضاج الظروف المواتية لذلك. ثانيًا، الحركة الصهيونىة، والدولة اليهودية في صلبها، استحضرت حقا تاريخيًا، دينيًا/ قوميًا، لعودة اليهود إلى فلسطين/"أرض إسرائيل" وسيادتهم الحصرية فيها. ثالثًا، الحركة الصهيونىة، والدولة اليهودية في صلبها، تفتقر إلى ألدولة الاستعمارية الأم، وذلك خلافًا للدول الخمس الأخرى. رابعًا، الفلسطينيون الناجون من التهجير والقتل والترويع، والذين اصبحوا مواطنين في دولة إسرائيل الصهيونىة، هم الأقلية الأصلانة الوحيدة من بين الأقليات الأصلانية المشار إليها، والتي لها امتداد وطني وقومي خارج الحدود المعترف فيها للدولة. وباختصار، هناك شبه عائلي بين دولة إسرائيل الصهيونىة وبين كل من الدول الخمس الأخرى، والتي نشأت مثلها بالاستعمار الاستيطاني والهجرة؛ وهناك، في المقابل، صفات أو سمات تنفرد وتتميز بها ألدولة الصهيونىة. أمًا جوهر هذه الدولة الصهيونىة، أي حامل صفات الشبه والاختلاف في الوقت ذاته، فيكمن في فوقية الأغلبية اليهودية وسيادتها الحصرية في الدولة (ذات الحدود اللزجة)، تلك الفوقية اليهودية وتلك السيادة الحصرية وجدتا أوضح تعبير لهما في "قانون القومية" لعام ٢٠١٨. غني عن القول في هذا الصدد، بأن هناك علاقة تنافي متبادل ما بين تلك الفوقية اليهودية والسيادة الحصرية من طرف، ومفهوم ومشروع الدولة الديمقراطية لجميع المواطنين المتساوين في الحقوق من الطرف الآخر. وفي الختام، مثلما هناك شبه عائلي بين أفراد العائلة االواحدة، في الصفات الظاهرة وغير الظاهرة، ومثلما هناك شبه عائلي (مجازًا) بين الفنون الجميلة الخمسة وتفرعاتها، هناك أيضًا شبه عائلي (مجازًا) بين الدول الست المذكورة أعلاه، تلك الدول التي نشأت بالاستعمار الاستيطاني والهجرة، وبقيت في أكنافها أقليات أصلانية ناجية (ما عدا دولة جنوب إفريقيا حيث يشكل الأصلانيون غالبية السكان). كل من هذه الدول (ما عدا دولة إسرائيل الصهيونىة) تحولت في نهاية طريق النضال الطويل إلى دولة ديمقراطية، دولة جميع مواطنيها المتساوين في الحقوق. أمًا دولة إسرائيل الصهيونية فما زالت عصية على مثل هذا التحول، أساسًا بسبب طبيعة جوهرها، حامل صفاتها: فوقية الأغلبية اليهودية وسيادتها الحصرية في الدولة. هذه الفوقية وتلك الحصرية هما الجوزة الصلبة التي ما زالت عصية على الكسر. كيف يتم كسرها؟ بالنضال المستمر والضاغط. متى سيتم كسرها؟ لا أعرف. ولكنني أعرف التالي: بدون كسرها لا تتحقق المساواة التامة في حقوق المواطنة الديمقراطية لفلسطينيي الداخل؛ وبدون كسرها لا يتحقق السلام الدائم أيضًا، ذلك السلام القائم على مبدأ الحقوق الفردية والجمعية المتساوية بين الإسرائيليين اليهود والفلسطينيين العرب جميعًا. * أستاذ الفلسفة في جامعة القدس وجامعة بير زيت سابقا القدس
|