|
تقدير موقف : جدل يتجدد بشأن الاحتفال بذكرى اغتيال قاسم سليماني
نشر بتاريخ: 03/01/2023 ( آخر تحديث: 03/01/2023 الساعة: 13:57 )
تمر هذه الأيام الذكرى الثالثة على اغتيال قاسم سليماني ، قائد فيلق القدس ، وهي الذكرى التي تحييها قيادات من المقاومة سواء من حركة حماس أو الجهاد الإسلامي بل وأعلنت إنها ستحتفل بها خاصة مع ما قدمه الراحل من خدمات إلى فلسطين وقضيتها السياسية . وفي هذا الإطار ينقسم الشارع الفلسطيني إلى فريقين بشأن الاحتفال بهذه الذكرى ، الفريق الأول يؤيد الاحتفال لعدة أسباب سياسية واستراتيجية. أما الفريق الثاني يعترض على تنظيم هذا الاحتفال ويرى إنه يأتي بناء على تعليمات من الجمهورية الإسلامية في إيران ، الأمر الذي يزيد من دقة هذه الأزمة. ما الذي يجري؟ تتصاعد خلال الفترة الماضية حدة التوترات الأمنية والعسكرية في فلسطين ، خاصة مع تولي حكومة يمينية إسرائيلية متشددة زمام الحكم في إسرائيل ، وهو ما يزيد من قوة الفريق الأول الداعم للاحتفال بذكرى اغتيال قاسم سليماني في غزة لعدة أسباب أبرزها: 1- الحكومة الإسرائيلية تنتهج بعض من السياسات الاستفزازية ، ليس فقط للشعب الفلسطيني ولكن لقيادات المقاومة الفصائلية وعلى رأسها حماس التي توعدت وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي بن غفير واليمين المتشدد بالرد حال قيام بن غفير من اقتحام للمسجد للأقصى. 2- تحليل مضمون الأدبيات العسكرية والاستراتيجية التي أدلى بها الراحل قاسم سليماني جميعها كانت تصب في خانة التهديد لإسرائيل بالقيام بعمليات في قلب وعمق الدولة ، وهو ما ظهر بعد ذلك عقب بعض من عمليات الطعن التي قام بها بعض من الفلسطينيين في عمق إسرائيل. 3- ترى بعض من فصائل المقاومة إن سليماني خدم القضية الفلسطينية كثيرا ، حتى بتصريحاته التي أربكت إسرائيل وسببت لها الكثير من الأزمات الناجمة عن التهديدات الأمنية. 4- ترى بعض من القيادات في حركة حماس إن لها الحق في الاحتفال بزي قيادي سياسي أو عسكري عربي او حتى غربي ، طالما كانت دعواه الاستراتيجية دوما تصب في صالح القضية الفلسطينية ، بل ويستشهدون مثلا باحتفال تنظيم فتح بقيادات يابانية او كوبية دعمت فلسطين ، وبالتالي من حق حماس او الجهاد أو أي فصيل الاحتفال بمن يراه ملائما لخدمة قضيته السياسية. في المقابل رفض كثير من القيادات الفلسطينية الأخرى المبادرة والاحتفال بذكرى قاسم سليماني لعدة أسباب ابرزها: 1- ان الساحة الفلسطينية مليئة بالشهداء من كل الأعمار ، والأولى هو الاحتفال بذكراهم بدلا من الاحتفال بذكرى سليماني . 2- تحليل مضمون بعض من المقالات السياسية الفلسطينية يشير إلى أن تصريحات سليماني التي تستشهد بها المقاومة لم تكن إلا تصريحات للاستهلاك السياسي والعسكري ، دون أي تهديد يذكر على إسرائيل مطلقا. 3- تقول بعض من الأقلام الفلسطينية إن الاحتفال بذكرى وفاه قاسم سليماني يأتي بناء على تعليمات إيرانية صريحة للمقاومة ، الأمر الذي يجعل من المعيب الاحتفال به. 4- تحركات استراتيجية وفي ذات الوقت خرجت بعض من الأصوات القيادية في حركة الجهاد الاسلامي لتبارك خطوة الاحتفال بذكرى وفاة قاسم سليماني ، ومنها على سبيل المثال داود شهاب القيادي بالحركة والذي قال نصا " إن الشهيد سليماني هو نهج وروح يسري في جسد كل المقاتلين على امتداد محور المقاومة"، مضيفًا أن "في فلسطين بصمات الحاج الشهيد ماثلة في كل مواجهة وجولة صدام وفي كل حالة اشتباك مع العدو الاسرائيلي". حماس بدورها لم تصمت ، وأشار القيادي في الحركة إسماعيل رضوان إلى أن "الاحتلال الصهيوني والإدارة الأميركية ارتكبا جريمة بحق الإنسانية والمقاومة، وسيبقى هذا الدين في رقاب المقاومة للرد على هذه الجريمة النكراء"، مضيفًا أن "الحاج قاسم مثل علمًا من معالم المقاومة وجنرالًا كبيرًا داعمًا للمقاومة على أرض فلسطين والمنطقة، أحبّ القدس والأقصى وعمل لأجل دعم فلسطين والمقاومة". وقال رضوان "إنّ الحاج قاسم يُفتقد في هذه المواقف التي يهدد فيها الكيان وبن غفير المجرم باقتحام الأقصى أو تغيير الواقع أو تعديله، في ظل تخاذل الأمة عن قضية القدس والأقصى والمسرى"، وتابع" "يُفتقد في مثل هذه المواقف التي تحتاج الى السند، على الرغم من أن الجمهورية الإسلامية في إيران لم توقف مسيرته في دعم المقاومة". في المقابل لم يصدر أي بيان سواء من قريب أو من بعيد عن حركة فتح ، التي كان لها موقفا واضحا إزاء هذه الاحتفالية، وإنها خطوة مبالغ فيها تجاه قيادي أجنبي ، والأولى الاحتفال بشركاء وشهداء المقاومة الفلسطينية ممن استشهدوا مع تصاعد العدوان الإسرائيلي. الحاصل فإن الجدال المتجدد بين الفلسطينيين إزاء هذه القضية تغذيه بعض من التطورات منها: 1- عدم وجود اتفاق على المصالحة الوطنية في الأفق. 2- هناك مصالح استراتيجية للسلطة والحكومة والشعب الفلسطيني مع دول تعتبر سليماني إرهابيا والدولة الإيرانية هي دولة استعمارية ترغب في احتلال أراضيها ، مثل الإمارات أو السعودية ، وهذه الدول لها مصالح استراتيجية مع فلسطين والفلسطينيين . تقدير استراتيجي عموما فإن حالة الجدال المتواصلة إزاء الاحتفال بذكرى وفاه قاسم سليماني تعبر عن خطورة الانقسام الفلسطيني ، والأدق من كل هذا إن هذا الجدال يفرض على الفلسطينيين ضرورة الالتفات الفصائلي إلى حقيقة مهمة ودقيقة وهي أن هناك حكومة ، ودوله فلسطينية ، ورئيس ، ورئيس للمخابرات ، ومؤسسات ، جميعها لها تقديرات استراتيجية تصب في صالح الوطن ، ومن الممكن الاختلاف في السياسات أو حتى القرارات ، لكن هناك مصلحة عليا للوطن يجب للجميع أن يرتهن بها ، بدلا من الارتهان بمصائر بعض من الدول الخارجية التي لها تحديات وأزمات ، وتستغل بعضها ما يجري من تطورات في العالم لتحقيق أي مكاسب لها ، والحالة التركية دليل على ذلك ، خاصة وأن تركيا كان لها رأيا واضحا وصريحا في نشاط بعض من جماعات المعارضة المصرية على سبيل المثال ممن تتواجد على أراضيها ، وهذا بالطبع سيشمل أيضا أي فصيل أو حزب سياسي عربي أو إقليمي تضر سياساته بمصالح أنقرة ، ويعمل عبر الأراضي التركية. وهناك بعض من الأوراق البحثية التي أشارت إلى دقة الموقف السياسي الإيراني وسعي الجمهورية الإسلامية في ظل الضغوط التي تتعرض لها إلى اللعب بورقة المقاومة الفلسطينية لتخفيف الضغط على طهران في ظل التحديات التي تواجه إيران مع الملف النووي، وهذه الأوراق صدرت عن بعض من المراكز البحثية الأميركية او الأوروبية، وهو ما يزيد من دقة هذه الأزمة. |