وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

لا تعدو العشرة .....أشلاء قتلانا على نهر الدماء قنطرة

نشر بتاريخ: 28/01/2023 ( آخر تحديث: 28/01/2023 الساعة: 12:54 )
لا تعدو العشرة .....أشلاء قتلانا على نهر الدماء قنطرة






عدد الشهداء في فلسطين يفوق عدد أيام السنة ، تغيرت حركة الأفلاك والحسابات والمعادلة ، انطفأت النجوم وانحبس المطر وتفتحت شهية الصهيوني على المذبحة، وكيف تصير جنين من شرقها الى غربها ساحة مقبرة ؟ الارض تطفح بالدماء وبالشهداء، الارض متخمة ، تعج بالأجساد والعظام والأرواح والبكاء، الرياح صفراء صفراء محتقنة.
الأحلام الجميلة صارت في السماء ، اطفال مخيم الدهيشة يكتبون وصاياهم ويضعونها في جيوب قمصانهم وفي جهة القلب ، مبللة بالدم والرصاص ، السماء مغلقة ، والأرض مغلقة ، ولا أحد في الساحة غير هذا القناص الصهيوني والمجنزرة.
هل جاءكم النبأ العظيم ؟ أنهت القدس صلاة الفجر وكبرت لله ونادت على جنين ، ومن ألف موت وموت ومن كل جثة وجثة ، ومن كل بيت وبيت ، ومن غرف التدريس والزنازين وأقبية التحقيق ، استيقظ الموتى ، استيقظ التعب والصمت الثقيل ، استيقظ الشيخ والراهب والولد والفتاة والشجرة ، استيقظ البحر والطوفان والبروق وعين العاصفة ، فلا يناطح الحديد غير الحديد .
نهض كل الذين سلخت جلودهم السياط والهراوات ، افاق المعذب والجريح والفقير، والذين توهموا ان انتظار النبي هو الخلاص ، نهض التاريخ بزمانه ومكانه ، الاجداد والاحفاد ، السهول والجبال ، المحاريث والفؤوس والأغاني ، كل شيء فوق التراب ، وكل شيء يقوله التراب ، الكل فوق التراب ، مقنع بالأحمر والماء والجذور ، العين بالعين ، رأس برأس ، جيل يستفيق وقبضة تدور وتدور .

أيها الاسرائيليون ننتظركم الليلة ، كم شهيدا ستقتلون ؟ كي تحتفلوا بالموت والجريمة، كم اسيرا وجريحا ومشردا كي يرضى الرب عنكم في صلاة السبت ؟ وتهتفوا لابن غفير ولأرض الميعاد وتنتصرون ، ننتظركم الليلة ، تعودنا على اصوات الوحوش المسلحة ، حجارتنا جاهزة ، الاكفان والرصاص وما تيسر من اناشيد وخبز وهواء ، اقرأوا المزامير ، عمّروا السلاح ، ليلتكم طويلة ، الكل في الشوارع ، وكل واحد فينا مشروع شهيد وحياة ، صوت غضب يتنزل فوق رؤوسكم في الدنيا والآخرة .
ايها الاسرائيليون ، خمسة وسبعون عاما وانتم تقتلون وتحفرون في لحمنا ولم تجدوا هيكلكم المزعوم ، كل شيء هنا يرفضكم ويلفظكم ، الاسماء واللغات والعادات والحكايات ورائحة الوقت صيفاً وشتاء ، ليس لكم وطن ولا منفى ، كأن مصيركم تقرره هواجس الخوف وأشباح المحرقة ، دولة مختلقة ، دولة بلا ذاكرة ، قومية اثنية عنصرية هجينة لا تلتئم الا بالكراهية والحرب والمذبحة .

ايها الاسرائيليون ننتظركم الليلة ، اعلامنا الفلسطينية ترفرف فوق السطوح ، المقاليع والنكافات والولادات والنطف المهربة ، لقد بلغ الضحايا فينا النصابا ، ننتظركم في الضوء وفي العتمة ، في النهار وفي المساء ، في اي وقت ، نحن لا نخاف الموت ، نحن نرتب الغياب لحياتنا القادمة .
ايها الاسرائيليون جربوا الموت ، اشربوا من ذات الكأس المرة الذي نشربه منذ سنوات طويلة ، هل تعرفون الحزن وطعم الفجع والفقدان ؟ موتوا كي تصدقوا ان الرب الذي وضعتموه في علبة اسطورتكم وثقافتكم قد تخلى عنكم وسحب الوعد ، موتوا ، لن تكونوا دولة يهودية نقية خالية منا ومن دمنا ومن ذكرياتنا ، فنحن شعب ولد بين الشمس والرعد .
ايها الاسرائيليون عودوا الى الجيتو والمعسكر ، خلف الجدار والميثيلوجيا وامراضكم العنيفة ، لا تسكنوا فوق احلامنا واجسادنا ونومنا وصدى ايامنا ، نحن هنا، لا تكذبوا على انفسكم وتدّعوا ان هذه الارض كانت فارغة ، ننتظركم الليلة ، كم شهيدا ستقتلون يا اصحاب السلاح الطاهر والدولة الديمقراطية ؟
ايها الاسرائيليون كم مرة ستجربون الموت الجماعي الذي جربناه ؟ اكوام الجثث وصرخات الامهات والاطفال ؟ الاف المعتقلين الذين التهمت اعمارهم القيود ورطوبة الزنازين ، كم مرة ستقتحمون جنين ومخيمها ؟ كم مرة ستعدمون ابو جندل وتنصبون حول رقبته المشنقة ؟ تتجندون وتحتشدون وتقتحمون ، مشحونون باسفار الانتقام وايديولوجية التطهير العرقي ، ايها التائهون في غابات موتنا ، ايها المستوطنون والمستعمرون لن تنتصروا علينا ، فلنا تحت هذا التراب ،وفوق هذا التراب خطى انبيائنا ، وتعاويذ ارواحنا ، وأننا اول القادمين مع الغيث ، وأول الواقفين تحت ماء السماء .
ايها الاسرائيليون عدّوا جثثكم ، لقد تعبنا من عدّ جثثنا ، جنازاتنا كثيرة ، بيوت عزاء في كل الامكنة ، ارسلوا وحدات الموت ، الطائرات ، القذائف الحارقة ، ارسلوا كتيبة الاعدامات الميدانية ، الموت في فلسطين لا يذهب هدرا، يتجمع النزيف قطرة قطرة وينهمر مرة واحدة .
ايها الاسرائيليون الموت ليس مصيرنا وحدنا، من ينهب ويسرق ويهدم ويعتقل ويقتل ويحرق ويبني على ارضنا مستوطنة ، من يضرب بعرض الحائط كل المواثيق والشرائع الانسانية والدولية ، من يحرم الضوء عن الاخرين ويسجنهم في المعازل والظلمة الداكنة ، من يسلب الاسيرين المحررين كريم وماهر يونس البهجة والفرحة ، من لا يرانا سوى موتى وجثثا ، لن ينجوا من لعنة التاريخ وسيقع في نفس الدائرة.
ايها الاسرائيليون ، كان عليكم ان تموتوا كي تعرفوا قيمة السلام العادل واحترام حياة وكرامة الانسان ، وما دمتم محتلين ومستعمرين ستبقى حياتكم مهدورة ، عدّوا جثثكم، ننتظركم الليلة ، وكما قال لكم شاعرنا الكبير سميح القاسم :
لا لا تعدوا العشرة
يوم الحساب فاتكم
وبعثرت أوقاتكم
ارقامها المبعثرة
تدفقوا من مجزرة
وانطلقوا في مجزرة
اشلاء قتلانا على
نهر الدماء قنطرة