|
الردع في عمليتَي القدس: ساحات موحّدة للرد واستنزاف متواصل للاحتلال
نشر بتاريخ: 29/01/2023 ( آخر تحديث: 29/01/2023 الساعة: 08:00 )
تل ابيب- معا- في أقلّ من 24 ساعة، نفّذ فدائيان فلسطينيان عمليتَي إطلاق نار في القدس، ثأراً لجنين التي شهدت مجزرةً دامية على يد قوات الاحتلال قبل يومين، في ردّ مُحكمٍ وموجعٍ للاحتلال، جاءَ أسرع وأقسى من كل التوقعات. الجمعة ليلاً، أوقع الشهيد خيري علقم 7 قتلى في صفوف المستوطنين، إضافةً إلى عدد من الجرحى بعملية إطلاق نار شمالي القدس. ولم تمرّ إلاّ ساعات قليلة، حتى نفّذ فدائي آخر عملية إطلاق نار جديدة في صباح السبت، أدّت إلى وقوع إصابتين خطيرتين، بينهما ضابط في الوحدات القتالية في "جيش" الاحتلال الإسرائيلي. هاتان العمليتان، في توقيتهما ومكانهما، وفي طريقة تنفيذهما، شكّلتا ضربةً قاسيةً للاحتلال، ووضعت حكومته أمام واقعٍ "مخيف ومقلق" على المستوى الأمني. فالعملية الأولى التي جرت الجمعة، والتي وصفها الإعلام الإسرائيلي بـ "الفظيعة والمؤلمة والاحترافية"، حدثت على الرغم من كل التدابير الأمنية التي اتّخذها الاحتلال في إطار الاستعداد لأي ردٍّ على مجزرته في جنين. وقد جاءت الضربة الثانية الموجعة للاحتلال من المكان نفسه، و بالطريقة نفسها، في عملية سلوان الواقعة في القدس السبت، إذ حدثت كذلك على الرغم من حالة الاستنفار القصوى والتأهب الأمني المرتفع، ومن التحذيرات من عمليات أخرى بعد العملية الأولى.
بث الرعب في صفوف المستوطنين ما جرى في القدس المحتلة، وضع المؤسسة الأمنية والعسكرية أمام مأزق كبير، فهاتان العمليتان كشفتا إخفاقه على المستوى الأمني، كما أنّهما عرّتا فشله وعجزه في توفير الحماية والأمن لمستوطنيه. الإعلام الإسرائيلي تحدّث عن شعور لدى المستوطنين في القدس المحتلة والمحيط بعدم الأمان، وعدم القدرة على الدفاع عن أنفسهم. وفي إثر ذلك، من أجل أن يحسّن صورته أمام مستوطنيه، زاد الاحتلال دعواته إلى كل من يحمل رخصة سلاح بحمل سلاحه. وذكرت "القناة 12" الإسرائيلية، في السياق، أنّ "ما يراه سكان القدس في هذا اليوم القاسي هو مزيد من دوريات الشرطة ومزيد من القوات في الشوارع والكنس". وأوضحت أنّ "ما تُحاول فعله هذه الدوريات حالياً هو محاولة إعادة الشعور بالأمن، ومحاولة لمنع عمليات، محاكاةً لما حدث في القدس". وقد خصّص الاحتلال 60% من قواته للوجود والاستنفار في الضفة الغربية، بغية تحقيق هذا الهدف، وفق التقديرات. لكنّ الاحتلال بذلك فعلياً يقلب الطاولة على نفسه على المدى القريب، إذ إنّ استخدام هذا العديد الكبير يؤثّر سلباً في جهوزيته، ويزيد من معدلات الإرهاق لدى العاملين في الخدمة النظامية، ويؤدّي إلى الانشغال عن الجبهات الأخرى. جاهزية متضررة ومتأكلة لـ"جيش" الاحتلال الإعلام الإسرائيلي سبق أن تناول هذا الأمر، قائلاً إنّ "جزءاً كبيراً من الجيش البري النظامي، التابع للجيش الإسرائيلي، يُستثمَر حالياً في الضفة الغربية في مهمات الأمن الجاري"، وذلك"يأتي على حساب التدريبات التي لم ينفذها". وقال الكاتب ومحلل الشؤون العسكرية، رون بن يشاي، لموقع "يديعوت أحرونوت"، إنّ "هذا الأمر يُلحق ضرراً مباشراً بجاهزية الجيش للحرب، سواءٌ في لبنان أو في ساحات أخرى". ولفت إلى أنّه "في حال حدوث تصعيد وتدهور إلى حربٍ في عدة جبهات، فإنّ الجيش الإسرائيلي قد يكون غير جاهز لدخول تصعيد كهذا، كما حدث في حرب لبنان في عام 2006".
وأوضح أنّ "المشكلة تكمن في أنّ الوضع لن يتحسن، وأنّ الجيش الإسرائيلي لن يتدرب في المستقبل القريب"، وذلك في وقتٍ "تنبع الحاجة إلى إشباع أراضي الضفة الغربية بكتائب نظامية بسبب التصعيد المستمر في المنطقة، في ظاهرة يمكن أن تُسمّى بالانتفاضة المصغرة، وهذه ظاهرة متباينة عن التجربة السابقة، بحسب الشاباك". وتابع أنّ "الأمر لم يعد يتعلق بعمليات طعن ودهس ولا بأعمال جماعية، بل هناك مزيج من استخدام واسع النطاق للأسلحة النارية بطريقة فعالة إلى حدّ ما، وانتشار الأحداث التي لم تعد تقتصر، منذ فترة طويلة، على شمالي الضفة وعرين الأسود وأبناء المخيم، في مخيم جنين". وخلُص بن يشاي إلى أنّ "أهلية القوات البرية للجيش الإسرائيلي وجاهزيتها تتأكّلان بسرعة، وقابلية الانفجار في مناطق الضفة، وربما في غزة أيضاً، آخذة في الازدياد، بينما تهدّد الفوضى في المؤسسات الحكومية بإلحاق ضرر قاتل بالحوكمة". العمليات الفردية: معادلة ردع ضمن وحدة الساحات ما شهدته القدس خلال الساعات القليلة الماضية، يمكن وضعه في سياق تثبيت معادلةٍ ردعٍ جديدة مع الاحتلال، على مستوى العمليات الفردية، غير التابعة لأي تنظيم مسلح، ونقل هذا النوع من العمليات إلى عمل ممنهج ودقيق واحترافي، وذلك باعترافٍ إسرائيلي. وعن هذا الأمر، تحدّث محلل الشؤون العسكرية، في صحيفة "إسرائيل هيوم"، يوآف ليمور، مشدداً على أنّ "عمليات القدس هي من نوع الهجمات التي تنطوي على إمكانية تغيير الواقع". تصريح ليمور، يعبّر بشكلٍ واضح عن أنّ هذه العمليات، وضعت الاحتلال أمام "إشكالية الأعمال المنفردة"، إذ يظهر فدائي يملك السلاح وغير تابع لأي تنظيم، ويختار الوقت والمكان اللذين يريدهما لتنفيذ عملية ضد الاحتلال.
وفي هذا الخصوص، أكّد الإعلام الإسرائيلي أنّ "لا حل للعمليات الفردية". وأشار المحلل العسكري في "القناة 13" الإسرائيلية، ألون بن دافيد، إلى أنّ "الوسيلة الوحيدة، لإيقاف العمليات المنفردة هي إغراق الأرض بقوات". من الناحية الفلسطينية، فإنّ هذا النوع من العمليات يمثّل انتفاضة حقيقة في وجه الاحتلال، واستمرار الصراع المفتوح معه على كل بقعة من أرض فلسطين، كما يأتي في سياق توحيد ساحات مواجهة اعتداءاته والرد عليها. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ المقاومة أطلقت صاروخين من قطاع غزة، ليل الخميس، في اتجاه مدينة عسقلان المحتلة، رداً على العدوان الإسرائيلي على مخيم جنين والذي أدّى إلى ارتقاء 9 شهداء، بينهم سيدة، ووقوع عدد من الإصابات، فيما أتت عمليتا القدس استكمالاً للردّ على الاعتداءات الإسرائيلية، في إطار توحيد ساحات المواجهة. في الخلاصة، فإنّ المعادلة التي رسّخها هذا النوع من العمليات، هي أنّ أي اعتداء إسرائيلي على الفلسطينيين أينما كانوا سيُردّ عليه، ومُقابل ارتقاء شهداء فلسطينيين، ستُراقُ دماء قوات الاحتلال ومستوطنيه، ومقابل تهديم المنازل وتهجير أهلها واغتصاب الأرض، سيُبثّ الرعب والخوف في قلوب المستوطنين ولن يكونوا آمنين في منازلهم، ليس بالعمليات العسكرية المنفذة على يد المقاومة فحسب، بل بالعمليات الفردية وببندقية واحدة، فكل فردٍ في فلسطين "سيُحسن الثأر". المصدر: الميادين |