نشر بتاريخ: 04/02/2023 ( آخر تحديث: 04/02/2023 الساعة: 14:08 )
بعد نحو عام ونصف على انطلاق المقاتلين الفلسطينيين للدفاع عن المدن ضد الاقتحامات اليومية من جيش الاحتلال ، وردا على عربدة المستوطنين في قبر يوسف والخليل والقدس . صار من الممكن في العام 2023 الحديث عن ملامح واضحة لهذه الانتفاضة التي لا تشبه سابقاتها ولا يتوقعن أحد حركتها .
وهي انتفاضة ذاتية القيادة من دون قيادة موحدة . من دون رأس ، ومن دون قائد رمز وبالتأكيد من دون مموّل يتحكم بها ماليا . هي انتفاضة جيل وانتفاضة غضب حقيقي على الأوضاع المأساوية التي يعيشها الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة .
الأكثر ثقافة والأكثر ظهورا على شاشات التلفزة ، وطوال عشر سنوات لم يتوقعوا حدوث هذا . بل توقعوا ان تثور جماهير غزة ضد الحصار وضد اغلاق المعابر ، وحاولوا تفسير ذلك بأن الظروف الحياتية في الضفة الغربية أكثر استقرارا واكثر هناء من الناحية الاقتصادية ( السلام الاقتصادي ) ، وكان يقود هذا التوجه الإدارة المدنية للاحتلال والاوروبيون وكثير من الليبراليين الفلسطينيين .
الانتفاضة الراهنة لا تتبع لتنظيم ولا لفصيل ولا لمنظمة التحرير ولا للحركات الإسلامية وان كانت أفكار منظمة التحرير وأفكار الحركات الإسلامية تشكل الخلفية الفكرية للمقاتلين لكنها لا تقرر هويتهم . وفي كل مرة يخرج منفذ من لون تنظيمي محدد يلحق به عشرات يختلفون عنه من ناحية المشرب الفكري .
الانتفاضة الراهنة لا تمويل سياسي لها ، وان كانت بعض الجهات السياسية تحاول اللحاق بالأمر وتحويل بعض المبالغ للضفة الغربية الا انها لا تصل لمستوى التحكم بالتمويل والتحكم بالاتجاهات .
كتيبة جنين وهي رائدة الانتفاضة الراهنة ، وصاحبة براءة الاختراع في هذا المجال . لا تزال تجربة فريدة وتاريخيا بحد ذاتها . وهي تتكون يوميا وتختار الأدوات الأفضل والشكل الإعلامي الأنسب . وقد نجحت لوحدها في تحويل الفعل المقاوم الى حرب استنزاف مع الاحتلال .
عرين الأسود صارت نموذجا متقدّما للدفاع عن المدن ورسمت لنفسها سقفا عاليا وعظيما . الشعب الفلسطيني عاش أسابيع من القلق والخوف على رجال العرين وان الاحتلال استخدم كامل قوته العسكرية والأمنية والإعلامية والسياسية للقضاء على عرين الأسود . ولكن العرين نجا من مجزرة رسمها الاحتلال له ونحت باتجاه الاستفادة من تجربة كتيبة جنين بحيث لم تعد أهدافا سهلة امام الاحتلال .
اكثر ما يخشاه الاحتلال هو عمليات الغضب الفردية التي ينفذها شباب قرر التضحية بنفسه من اجل قضية وطنية عامة . وقد ضرب عدي التميمي مثالا صارخا ومرّغ رأس المخابرات الإسرائيلية بالطين . ثم لحق به العشرات من الشباب يحاولون تكرار هذه التجربة الناجحة وكان اخرهم خيري علقم .
يبقى السؤال الأخطر : من يغذي الرغبة في تنفيذ العمليات الفردية لدى الشباب الفلسطيني ؟
انا أرى ان الذي يضمن تواصل الانتفاضة الان هو كمية الاستفزاز التي يبثها الاعلام العبري وكمية العنصرية والكراهية التي يتحدث بها أعضاء كنيست ووزراء صهاينة ,بحيث اغلقوا نوافذ الامل امام جيل كامل يدافع عن حريته
من وجهة نظري ان العامل الاول لبقاء الانتفاضة واستمراريتها الان هو ابن غفير وأمثاله من المستوطنين وأعضاء الكنيست ، وكذلك الصحفيين الإسرائيليين الذين يكتبون بعنصرية حاقدة ويستفزون مشاعر كل فلسطيني . ومثلهم الوزراء الدمويون في حكومة نتانياهو العنصرية . وان الذي يغذي تواصل الانتفاضة هو تصريحات الابارتهايد عبر شاشات التلفزيون كل يوم وعبر التواصل الاجتماعي كل ساعة .
لا يحتاج منفذ العملية القادمة الى تجنيد ، ولا يحتاج الى حزام ناسف . ويكفي ان يستمع لتلفزيون اسرائيل ويستمع لتصريحات الادارة الامريكية عن
صفقة القرن وبدعة ديانة ابراهام فيخرج بأسرع طريقة لتنفيذ العملية القادمة .
كم من الوقت يلزم كي يخرج قادة المخابرات الإسرائيلية ويعترفون انهم فشلوا في قمع الانتفاضة !
كم من الوقت يلزم كي يستقيل نتانياهو وحكومته !
كم من الدماء يجب ان تسيل قبل ان ينتهي بن غفير وامثاله
كم من العمليات الصادمة يجب ان تحدث قبل ان يعترف السياسيون بالأمر الواقع !