نشر بتاريخ: 19/02/2023 ( آخر تحديث: 19/02/2023 الساعة: 13:32 )
إن الأديان السماوية (الإسلام – المسيحية – اليهودية) كلها تدعو إلى فضائل الأعمال ونبذ مساوئها، ولأنَّ الله الخالق سبحانه لا يرضى لعباده السوء فقد حذّرهم ممّا فيه إساءة لحياتهم وحمّلهم أمانة الحفاظ عليها وحيثُ أن المسكرات والمخدِّرات تُذهب العقل فلا يليق بمن خلقهُ الله تعالى لعبادته ومعرفته وليكون في الأرض خليفته أن يكون فاقد العقل عديم الشعور وعديم القدرة على ضبط تصرفاته، لذلك نهت كل الديانات السماوية عن الإقتراب من المسكرات والمخدرات وتعاطيها لما ينجم عنها من أضرار بالغة وتأثيرات سلبية على حياة الفرد والمجتمع من كافة النواحي التي تحيط به.
إن تعاطي المخدرات وشرب المسكرات من المنظور الديني يعتبر انحرافا عن قيم وقواعد الأديان المتمثلة في الأوامر والنواهي، أو جهلا بأحكامها وقواعدها، ولان للدين في حياة الشعوب اثر كبير سواء في افكارهم أو في سلوكياتهم وتعاملاتهم مع بعضهم البعض وبغض النظر عن مدى تطبيق جميع افراد المجتمع لأسس الدين وقواعده كاملة، فان نظرة المجتمع تتوقف إلى حد كبير على المعتقد الديني نحو المسكرات والمخدرات وتعاطيها.
فالمسكرات هي جمع مسكر، وهي تطلق في اللغة على كل ما يغطي العقل ويخرجه عن طبيعته المميزة الواعية ويعطله عن القيام بوظائفه.
والمخدرات هي كل مادة مسكرة أو مفترة، طبيعية أو محضرة كيميائياً، من شأنها أن تعطل العقل جزئياً أو كلياً، وتناولها يؤدي إلى الإدمان.
ولان المخدرات بالشكل الصريح لم يرد ذكرها في كتب الديانات السماوية، فقد تم استخدام مبدأ القياس على المواد المسكرة والتي لها نفس التأثير على عقل وجسم الإنسان والتي وردت في الكتب السماوية وسيتم التطرق الى موقف الديانات منها
1- موقف الديانة اليهودية :
إن الديانة اليهودية من الديانات السماوية القديمة، والتي دعت من خلال سيدنا موسى عليه السلام الى الفضائل ونهت عن الرذائل حاثة على عمل الخير وتجنب الشر مؤكدة على احترام الإنسان وضرورة تجنب كل ما يضر بالنفس او الغير، حيث جاء في التوراة نهي قاطع عن شرب الخمر والمسكرات حيث ورد هذا في كلام الرب الموجه الى هارون قائلا" خمرا ومسكرا لا تشرب انت وبنوك معك عند دخولكم خيمة الاجتماع لكيلا تموتوا فرضا دهريا في أجيالكم وللتمييز بين المقدس والمحلل وبين النجس والطاهر (سفر اللاويين –اصحاح 8:1 -11).
في عام 1922 م اصدر حاخام يهودي يدعى ناحوم افندي خطابا رسميا في مصر، يعلن فيه ان دين اليهود ينهى اشد النهي عن تعاطي الخمور وينذر بالوعيد على من يتخذونها شرابا.
مما سبق ذكره يتضح ان الديانة اليهودية حرمت شرب الخمور وما في حكمها كالمخدرات وذلك لكونها تؤثر على العقل وتفقده وظائفه .
2- موقف الديانة المسيحية :
إن الديانة النصرانية جاءت بتحريم المسكرات وورد ذلك في سفر الأماثل" لمن الويل لمن الشقاء لمن المخاصمات لمن الكرب لمن الجراحات بلا سبب لمن ازمهرار العينيين؟ للذين يدمنون الخمر الذين يدخلون في طلب الشراب الممزوج لا تنظر للخمر اذا احمرت حين يظهر حبابها في الكاس وساغت مرقرقة لكنها في الأخر تلسع كالحية وتلدغ كالأفعوان" (سفر الأماثل –اصحاح 23: 29-32).
ورد على لسان احد رجال الدين المسيحي في بيان رسمي له قوله" لا يجوز مطلقا للمؤمنين بدين المسيح تعاطي المسكرات ...... وقال ان الخمر والمسكرات رذيلة وتعتبر سبب كل جريمة ومصيبة" .
وأضاف الكردينال أنطونيو بلسان الكنيسة الكاثولوكية البابوية في المؤتمر الثامن عشر المنعقد في بلجيكا في عام 1928 م قوله" أود أن اعلن هنا باسم الكنيسة الكاثولوكية أن المسيحية الحقة تحرم على اتباعها شرب الخمر ولا ترى في منعها اعتداء على الحرية الشخصية بل انه احترام لحرية المجتمع وصونه من عدوان السكارى على غيرهم من الأفراد" .
مما سبق ذكره يتضح ان الدين المسيحي - وعلى عكس ما يشاع بين عامة الناس من تساهل اتباع الديانة المسيحية في الدول الغربية من تناول الخمور – فقد حرمت الخمور وما في حكمها كالمخدرات وذلك لانها تعطل وظيفة العقل وتفقد الانسان القدرة على التمييز بين الحق والباطل وبين الخير والشر .
3- موقف الإسلام :
ولان القران الكريم هو المصدر التشريعي الأول للدين الإسلامي فقد نزلت به نصوص قطعية تحرم المسكرات ، قال تعالى " ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ ، وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ سورة المائدة:90 – 93.
وقال تعالى " ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾. " سورة البقرة : 219.
نرى أن الدين الإسلامي حرم الخمر لما يترتب عليه من مضار تؤثر على العقل وقدرة التمييز وتؤثر على العلاقات الاجتماعية أخدا بقاعدة تعتبر من قواعد الدين الإسلامي وهي دفع المضار وسد ذرائع الفساد ، ودرء المفاسد من المقاصد الضرورية للدين الإسلامي لحماية النفس البشرية .
كذلك تعتبر السنة النبوية المصدر التشريعي الثاني للدين الإسلامي وقد ورد اكثر من حديث عن تحريم الخمر منها
- الحديث الذي روته ام سلمة ، حيث قالت ان رسول الله عليه السلام نهى عن كل مسكر ومفتر
- الحديث عن عبدالله بن عمر – رضى الله عنه قال - قال رسول الله – (كل مسكر خمر وكل خمر حرام) رواة مسلم
- الحديث الذي رواه جابر رضي الله عنه ان رجلا سال النبي عليه السلام عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة ، فقال له النبي اهو مسكر ؟ قال : نعم ، قال عليه السلام : " كل مسكر حرام وان على الله عهدا لمن شرب المسكرات ، أن يسقيه الله من طينة الخبال ، قالوا يا رسول الله ، وما طينة الخبال ؟ قال : عرق اهل النار "
- الحديث قال رسول الله عليه السلام “لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها واكل ثمنها وحاملها والمحمولة ألية"
يرى الباحث مما سبق ان الدين الإسلامي حرم المسكرات تحريما قاطعا وألحق بها جميع المواد المسببة للسكر من غير الأشربة كالحشيش والمخدرات المختلفة ، بغض النظر عن المادة المكونة لها ، لانطباق خصائص الخمر على المخدرات الأخري ، لما لها من تأثير على العقل الذي هو محل التكليف ، كذلك ان المفتر والمسكر تدخل معها المخدرات الأخري في الحرمة لاشتراكهما معا في علة الحرمة التي هي ألإسكار ، فضلا عن ان التخدير الذي يلحق بالحواس والأطراف يزيد تاثيره السيء مما يجعله اكثر شرا واعظم ضررا من الخمر كما اكد ذلك احد ائمة الدين الاسلامي وهو الامام ابن حجر العسقلاني ، حيث تمت عملية قياس المخدرات على الخمر اعتمادا على اركان اربعة هي ، الاصل ، الفرع ، العلة ،والحكم الذي هو : كل شيء يغيب العقل فهو خمر ولا فرق بين مادة واخرى سواء كانت صلبة او سائلة وسواء اكانت مشروبة او كانت مستنشقة او غير ذلك .
ويتجلى لنا حكمة تحريم المخدرات لما لها من أثر بليغ على الضروريات الخمس، التي أودعها الحكيم العليم جل وعلا، في كل إنسان وأوجب حفظها ومراعاتها وهي: حفظ الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل ، فأي أمر يؤدي إلى إتلاف واحد من هذه الضرورات الخمس، أو حتى إلى ضرره فهو محرم شرعًا، فالقاعدة الشرعية تقول (لا ضرر ولا ضرار). فالمخدرات طريق لقتل النفس وإلقائها إلى التهلكة والطريق لضياع الأنساب والأعراض، وكيف يحافظ على عرضه من طار عقله، وطاش لبه، وخفق دينه، وذهب حياؤه.
وفي الخلاصة نقول ان الديانات السماوية أجمعت على مايلي :
1- المسكرات هى أم الكبائر وإنها من الخبائث ، من تعاطاها أفسد دينه ودنياه وأفسد خلقه وأغضب خالقه وأبغضه من حوله
2- إن الآثار المترتبة على تعاطي المخدرات مدمرة للإنسان والمجتمع، ومتصادمة مع أحكام الديانات السماوية وقد ثبت من الأبحاث والدراسات العلمية أنها تشل إرادة الإنسان، وتذهب بعقله، وتحيله بها لأفتك الأمراض، وتدفعه إلى ارتكاب الموبقات.
3- حرمت الديانات السماوية تعاطي الخمور والمسكرات بالنص الصريح ، والمخدرات قياسا ، لانطباق خصائص الخمر على المخدرات الأخري ، لما لها من تأثير على العقل الذي هو محل التكليف ، وكذلك اشتراكهما في الحرمة معا في علة الحرمة التي هي ألإسكار ، مما يجعلها اكثر شرا واعظم ضررا من الخمرلأنها تسبب غياب العقل وتؤدي الى فقدان الاتزان وتؤدي الى الادمان وتقود الى الرذيلة وتسمم الجهاز العصبي وتدمر جميع نواحي الحياة لدى المتعاطي ومن حوله .
4- تلعب الديانات السماوية دورا مهما في الوقاية من ظاهرة تعاطي المخدرات حيث انك تجد في الكتب السماوية الصحيحة جميعها نصوصاً عديدة لترسيخ مفاهيم الصحة والوقاية وأنماط الحياة القويمة، فضلاً عن ضوابط التمتع بالحرية وحقوق الإنسان.