|
نتنياهو وخيار «شمشون» هل أصبح قريب؟!!
نشر بتاريخ: 23/02/2023 ( آخر تحديث: 23/02/2023 الساعة: 12:00 )
يروى في الموروثات الشعبية أن رجلا كان يدعى شمشون، خارق القوى يكمن سر قوته في شعره الطويل، لكنه مع ذلك شديد السذاجة، ما يدفع أعداءه إلى أن يسلطوا عليه امرأة داهية تدعى "دليلة"، توقعه في حبها، وتجعله يعترف لها بسر قوته، فتقص له شعره في أثناء نومه، وتسلمه إلى أعدائه، وبينما هم يحتفلون به في المعبد تضرع إلى الرب أن يمنحه القوة مرة أخيرة للانتقام من أعدائه، فاستند إلى اثنين من أعمدة المعبد وصاح: «لِتَمُت نفسي مع الفلسطينيين»، ثم دفعهما ليسقط البناء على كل من فيه، ويموتون جميعا. في كل الأحوال، وبغض النظر عن مدى دقة ما بلغنا من قصة شمشون، فإن رسالتها هي «عليّ وعلى أعدائي»، وهذا ما يحصل الآن مع رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو ، "الذئب العجوز" والسياسي الداهية الذي يطلق عليه أنصاره لقب "الملك بيبي" و "الساحر" لمهاراته في الفوز بالانتخابات والاستمرار، لأنه حكم إسرائيل أكثر من 15 سنة منها 12 سنة متتالية وهذه المدة الاطول لرئيس وزراء دولة الاحتلال، لكنه أصبح الان في ازمة حقيقية ويواجه أكبر تحد له في تاريخه السياسي حيث انه يخضع لمحاكمة في اتهامات تتعلق بالفساد والذي بلغ ذروته بتوجيه الاتهام إليه بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة فيما يتعلق بثلاث قضايا منفصلة في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2019، ليصبح أول رئيس وزراء في الخدمة يتعرض لذلك، ويرفض دعوات المعارضين له بالتنحي ويناضل من أجل بقائه السياسي أثناء محاكمته بتهم الفساد وذلك بعد أربع سنوات من أزمة سياسية داخلية أدلى خلالها الإسرائيليون بأصواتهم في خمس جولات انتخابية جرت في أبريل 2019، سبتمبر 2019، مارس 2020، مارس 2021 ومن ثم نوفمبر 2022، وأفضت نتائج الانتخابات الخامسة إلى حصول معسكر نتنياهو، على 64 مقعدا من أصل 120 في الكنيست الإسرائيلي، ليكلفه بعد ذلك الرئيس الإسرائيلي بتشكيل الحكومة ، حيث قام بالتحالف مع أحزاب تيار الصهيونية الدينية بقيادة ايتمار بن غفير و بتسلئيل سموتريتش والتي تمثل أقصى اليمين الإسرائيلي بعد ان رفضت الأحزاب الأخرى التحالف معه. وأثارت التعيينات الوزارية غضبا قضائيا كونها تتطلب تغييرات تشريعية تمس بالبنية المؤسساتية في إسرائيل الأمر الذي حدا بنتنياهو وشركائه في الحكومة إلى طرح مشروع قانون وخطة تقول انها "لإصلاح القضاء"، والتي بموجبها سيتحكم الائتلاف الحاكم بتعيين القضاة وستنتهي سلطة المحكمة العليا على نقض القوانين التي يشرعها الكنيست. هذا المشروع يلاقي الآن معارضة شديدة من شخصيات اعتبارية ولها وزنها في الدولة تشتمل على وزراء سابقين، قادة أجهزة أمنية حاليين وسابقين، قضاة سابقين في المحكمة العليا، ومدعين عامين، واقتصاديين كباراً والعديد من الإسرائيليين الحائزين على جائزة نوبل وشريحة كبيرة من الكتاب والصحفيين والفنانين، يجمعهم خوفهم على "الديمقراطية" في إسرائيل والتي يتغنى بها العالم على أنها "واحة للديمقراطية" لصالح الديكتاتورية والتطرف الديني. لقد حدد نتنياهو في خطاب التنصيب ثلاثة خطوط عامة وأهداف لحكومته القادمة، وهي: مواجهة المشروع النووي الإيراني، وتوسيع دائرة التطبيع مع الدول العربية والإسلامية وخاصة السعودية، ومواجهة التحديات الأمنية في الضفة الغربية، لكن شراكته مع "الصهيونية الدينية" جعلت من الملف الفلسطيني والاستقطاب الداخلي اليهودي هما الأكثر أولوية في أهداف حكومته، رغم كل التحذيرات من الانعكاسات السلبية لهذا الأمر على الأهداف الأخرى. وفي الملف الفلسطيني، هناك نوع من أنواع الفوضى والعشوائية في إدارة هذا الملف فنجد استقطاب وتنافر على الصلاحيات بين وزير الدفاع لتي سحبت الكثير من صلاحياته في الملف الفلسطيني والضفة الغربية والقدس، لدرجة أن البعض يتحدث عن وجود رئيسي أركان ووزير حرب في الحكومة الحالية، ووزير الأمن القومي بن غفير وبالتالي يفقد "الجيش" ميزته بأنه جسم فوق حزبي وفوق أيديولوجي يمثل بوتقة الصهر الإسرائيلية، والأهم سطوته في صنع قرارات الأمن القومي الإسرائيلي، مما يؤدي بالتأكيد إلى فوضى، بالضبط كالفوضى التي حدثت أمس في نابلس وأدت إلى استشهاد 11 فلسطينياً بسبب حماقة قامت بها قوات الاحتلال وأدت إلى حركة شجب وإدانة ليس فلسطينية وعربية فقط بل دولية أيضا. إن هذه القرارات والتصرفات الغير محسوبة والعشوائية تزيد من حجم التهديدات ولا تقللها، وتؤدي بالأمور إلى مزيد من التصعيد، كما حذر من ذلك رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار. منذ الإعلان عن خطته، بدأ عشرات آلاف الأشخاص بالتظاهر أسبوعياً، بالإضافة إلى احتجاجات العمال في قطاع التكنولوجيا الفائقة، المحرك الرئيسي لاقتصاد إسرائيل، وطلاب الجامعات والمدارس الثانوية، وقدامى المحاربين في الجيش، ضد هذه الخطة المسماة زورا ب"الإصلاح القضائي" ولكن الحقيقة هي ان نتنياهو يريد هذه التغيرات في المرجعية القضائية ان ينقذ نفسه من السجن. نتنياهو يعرف جيدا كمية الضرر الذي يلحقه باقتصاد دولته الذي لطالما أشادوا بدوره في انعاشه لكنه يرفض العودة لصوابه ويقول في قراراة نفسه: فلتتوقف الاستثمارات في التكنولوجيا، وتنتهي الأموال، وتتوقف خطط التنمية – ما كل ذلك أمام مصلحتي الشخصية، فأنا لن أذهب للسجن حتى لو هدمت كل ما بنيته!!. إنه يدرك جيدًا أنه يضر الآن بالإنجازات الكبيرة الذي حققها خلال فترة ولايته السابقة، وهو يعلم بالتأكيد، أنه لا معنى لأي تقدم في اتفاقيات أبرهام الذي هو عرابها، ولا تقدم مع السعودية ولا حتى مع جيبوتي بينما هو يترك على جدول الأعمال خطط الضم، البناء والتدمير الذي يقوم به سموتيرتيش وبن غفير في الضفة الغربية. الشيء الأساسي الذي يرغب به الآن هو أن يهرب من مصائبه ويستمر في حكمه كي لا يذهب للسجن. وحتى في علاقته مع حليفة إسرائيل الاستراتيجية، الولايات المتحدة الامريكية، والتي لها دور مهم في صنع توجهات الأمن القومي الإسرائيلي، سواء بتدخلها المباشر أو بواسطة علاقاتها القوية مع كل من المؤسسة العسكرية والحكومة فإن نتنياهو أيضا يرتكب حماقات في العلاقة معها، رغم تدخل الرئيس الأميركي جو بايدن غير المسبوق، وتحذير السفير الأميركي في إسرائيل لنتنياهو بأنه يلعب بالنار، إلا أن نتنياهو لا يأبه بأي شي سوى انقاذ نفسه وزوجته سارة التي هي سبب كل مصائبه بسبب تدخلها في السياسة ولها الكلمة الأخيرة فيالتعيينات السياسية الرئيسية وفسادها أصبح ملموس، حتى لو أدى ذلك إلى خيار شمشون ويهدم المعبد فوق رأس الجميع. القديس "أمبروسيوس"، الذي يقول إن شمشون تغلب على الأسد، لكنه لم يتغلب على هواه، وإنه قطع الحبال القوية، لكنه لم يقطع حبال شهواته. |