|
حتى صار حال البلد.. مثل خمارة القط الأسود
نشر بتاريخ: 19/03/2023 ( آخر تحديث: 19/03/2023 الساعة: 13:07 )
نشرت هذه المقالة في صيف 2021 بعد هزيمة العام 1967 غرق الروائي الكبير نجيب محفوظ في حزن عميق. ولكن المثقف الحقيقي حين يحزن يبدع أكثر. ويعمل على تحويل الحزن إلى غضب ، ثم يعمل على تحويل الغضب إلى إبداع . بدأ نجيب محفوظ بكتابة رائعته ( خمارة القط الأسود ) والتي صدرت في القاهرة 1969 . وكان من خلال هذه القصص يوحي لنا بإسقاطات سياسية كبيرة وخطيرة . وكأنما يهمس لنا بأن كل الدول العربية صار حالها مثل حال خمارة القط الأسود . القصة الأولى التي اعطاها نجيب محفوظ اسم " كلمة غير مفهومة" . حيث المعلم حندس فتوة الحارة يذهب مع رجاله وأسلحته لضرب ابن حسونة الطرابيشي . وتكون النتيجة أن ابن حسونة الطرابيشي يقلب الموازين ويقتل المعلم حندس ويهرب رجاله من حوله . وهو تشبيه قاتل وحقيقي لحرب 1967 . ولكن بطريقة القصة الشعبية !! وبالفعل لا تزال نتائج حرب 67 غير مفهومة حتى يومنا هذا . امّا قصة " خمارة القط الأسود " فهي قمة الإبداع . وفي كل مرة تعيد قراءتها تفهم رسالة جديدة كان الكاتب يريدنا ان نفهم منها حالنا العربي . . خمارة وضيعة وفقيرة لذوي الدخل المعدوم تسمى خمارة النجمة , يجتمع فيها البؤساء الفقراء ليحتسوا الخمر بقرش أو قرشين ، فيطيروا من شدة السكر. وينسون همومهم وعائلاتهم وحياتهم . خمارة بائسة تمثل مجموعة من الزبائن المهزومين الذين يعترفون لأنفسهم أنهم فشلوا في الحياة ، ولا يبحثون سوى عن النسيان . زبائن الخمارة يطلقون عليها اسم خمارة القط الأسود لان صاحبها الرومي يربي قطا أسودا سمينا يتنقل بين طاولات السكارى بحثا عن فتات الخبز . حتى صار مثله مثل الزبائن البائسين . فضول القارئ يتضاعف لمعرفة ماذا يريد هؤلاء الزبائن أن ينسون : - أن ينسوا كثرة العيال وقلة المال . - أن ينسوا الحر والذباب . - أن ينسوا وجود عالم خارج قضبان الخمارة . - أن ينعموا بملاطفة القط الأسود وهم سكارى . - أن تصفوا نفوسهم ويتحرروا من كل شيء ، أن يفيضوا بالحب لأي شيء ، أن يتحرروا من التعصب والخوف ، يتطهروا من أشباح المرض والكبر والموت ، يتصورون في صورة منشودة ، يسبقون الزمن بقرون كاملة . فجأة يدخل عليهم رجل غريب ومتجهم لا يعرفونه . يجلس على كرسي الخواجا نفسه . للغريب حضور مقلق فهو قاتم وقوي ومخيف كأنه مصارع أو ملاكم او رافع اثقال . يسكت الغناء وتنقبض الأسارير ويخمد الضحك . الغريب القوي يشرب النبيذ دفعة واحدة , يشرب ما يكفي لقتل فيل ولكنه يزداد تجهما وقوة . ويعاملهم بأقبح صورة للغضب . أراد السكارى التعساء مغادرة الخمارة فهم لا يرغبون في القتال . ولكنه يمنعهم . ويسألهم : من أنتم ؟ قالوا : نحن زبائن المحل من قديم . ثم يمنعهم من الخروج . ثم يتحداهم للقتال , فردوا عليه انهم لا قوة لديهم للقتال . ولكنكم سمعتم قصتي ؟ اقسموا له عدم سماعهم اي شيء وتوسلوا أن يتركهم يمضون في سبيلهم , ولكنه رفض الا حين يأتي الوقت المناسب . ومتى يأتي الوقت المناسب لتتركنا نذهب ؟ يزجرهم فينزجرون . ارادوا ان يقسموا له بأنه لم يسمعوا شيئا عن قصته . فقال وهل اصدق سكارى يقسمون بالله . نقسم لك بأولادنا . ولكن لا قيمة لشيء عند زبائن خمارة حقيرة كذه الخمارة . صحوا من سكرهم واقسموا له انهم مجرد اّباء صادقون ومخلصون . ولكن وصفهم بالأوغاد والانذال . والويل لكم ان تحركتم من اماكنكم أو حاولتم الخروج والمغادرة . أي داهية ؟ أي ذل ؟ أي خزي؟ هو يعتقد أنهم كشفوا قصته . وهم أصلا لا يعرفون عنه أي شيء وفجأة صار يتحكم بحياتهم !! كيف يتخلصوا من هذا الموقف المهين . فجأة عادوا للشرب وعادوا للبؤس وتجاهلوا وجوده وقوته .واستيقظ القط الاسود وعاد يجول بين الطاولات .فتحللت الذاكرة ونفضت من خلاياها كل مكنونها . سكروا حتى لم يعد الواحد يعرف صاحبه . وسأل أحدهم : هذا القط الاسود هو الشيء المحسوس وهو الخيط الوحيد الذي سيوصلنا الى الحقيقة . هل يا ترى ان القط يعرف الحكاية ؟ وهل هو يتكلم أصلا ؟ ولماذا كان الاقدمون يعتبرون القط إلها وحفروا صورته مع الالهة ؟ نسوا وجود الرجل القوي المخيف الذي شتمهم وهددهم . وحين نسوا انه موجود . مضى الرجل الغريب واختفى . |