|
هل اكتشفت لندن الإسلام فجأة؟!
نشر بتاريخ: 29/03/2023 ( آخر تحديث: 29/03/2023 الساعة: 11:03 )
اكتست إحدى مفاصل الشوارع اللندنية الشهيرة، وقبيل بداية الشهر الفضيل زينة رمضانية لاقت استحسان الكثيرين واستغرابهم في آن واحد، بينما ذهب نادي تشيلسي اللندني، الذي اتهم مالكه السابق بتمويل نشاطات استيطانية في القدس، نحو تنظيم إفطار رمضاني على أرض ملعبه للمرة الأولى في تاريخه، فهل اكتشفت لندن الإسلام فجأة؟ البعض عزا الأمر لارتباطه بكون عمدة لندن مسلم الديانة، لكن حقيقة الأمر أن عمدة لندن قد قضى في موقعه سنوات طوال من دون أن يقوم أبداً بأي مبادرة من هذا النوع، بل على العكس كان حريصاً على تجنب إبراز ميوله الدينية، باعتباره يمثل الجميع، رغم أنه حاول مداهنة البعض المؤثر، وفي عدة مناسبات بحثاً عن الحماية والرضا. أما نادي تشيلسي فلم يكن يوماً قريباً من المسلمين والعرب وهو الذي تأثر طبعاً بأهواء مالكيه ومشجعيه وانتماءاتهم الفكرية والعقائدية، تماماً كما أندية «لندنية» أخرى. أما اليوم ومع بلوغ المسلمين حداً مهماً من تعداد مواطني بريطانيا، فإن التعامل معهم ومع متطلباتهم بدأ يأخذ شكلاً جديداً نراه في لندن وعديد المدن البريطانية، إذ تشير بعض الأخبار الأولية المتعلقة بسجلات المواليد البريطانية إلى أن الاسم الأكثر تسجيلاً في المملكة المتحدة اليوم هو محمد، ما يدلل على الزيادة المتسارعة لحجم المسلمين في بريطانيا، بل أوروبا قاطبة. ولندن في الواقع ليست المحطة الوحيدة التي تشهد تغيير كهذا، إذ تشاركها الحال ذاته كبرى المدن الإنكليزية الأخرى كبرمنغهام وشفيلد وليدز ومانشستر وكوفنتري وليفربول وغيرها الكثير، وصولاً إلى اسكتلندا التي تشهد اليوم وصول مسلمين إلى مواقع رئاسة الوزراء والبرلمان وحتى المعارضة. الأهمية اليوم لا تكمن في العدد والاسماء فحسب، وإنما في القدرة على الفعل والأثر بما يتجانس وقيم الدولة وقوانينها. وأهم مواطن التأثير المنشود إنما يكمن في احترام مقر رئيس الحكومة البريطانية المعروف بـ10 دواننغ ستريت لمشاعر المسلمين وتغيير موقفه المحايد تارة والمنحاز تارات وتارات لدولة الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى ضرورة الامتناع عن استضافة مجرمي الحرب الصهاينة، ورموز الاحتلال بما يشمل الامتناع عن استضافة من أصدر أوامره بقتل مئات الفلسطينيين بدم بارد ودونما محاكمة، ليبلغ عدد الشهداء لهذا العام ومنذ بدايته وحتى كتابة هذه الكلمات حوالي 95 فلسطينيا ربعهم من الأطفال والنساء، ومن أطلق العنان للمستوطنين الصهاينة بحرق منازل الفلسطينيين الآمنين وإضرام النيران في ممتلكاتهم وأبنائهم، ومن هو مدان قضائياً بتهم الفساد، ويلاحقه شعبه بوصمه ديكتاتوراً مأفوناً.. نعم إنه بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة القتل الإسرائيلية. لقد شكلت استضافة لندن للمجرم نتنياهو مؤخراً إهانة للفلسطينيين وللمسلمين والمسيحيين وجميع المناصرين للقضية الفلسطينية، خاصة في شهر رمضان المبارك. نتنياهو الذي شرعن قتل الأسرى والناشطين، وسحب الجنسية من العرب في فلسطين التاريخية، نتنياهو من شجع السرطان الاستيطاني وتحالف مع غلاة القتلة مثل بن غفير وسموتريتش وأطلق وإياهم حملة إصدار قوانين عنصرية فاشية بالجملة. نتنياهو صاحب مشروع قتل الهوية الفلسطينية وترحيل أصحابها وتجسيد مبدأ الدولة القومية المدعومة بما يسمى باتفاقات إبراهام التطبيعية واستباحة المقدسات الدينية المسيحية والإسلامية، لذلك فإن نقطة الانطلاق صاحبة الأثر الأكبر لمسلمي بريطانيا يجب أن تكمن في جعل بريطانيا تعتذر قولاً وفعلاً عن وعد بلفور المشؤوم، وتتحمل مسؤوليتها التاريخية والمادية تجاه الشعب الفلسطيني المكلوم، فتصلح خطأها التاريخي تجاهه، الذي ولّد حروباً ونكبات ونكسات ومجازر وتهجيرا وتشريدا واقتحامات وجرائم حرب لا تعد ولا تحصى. وعلى الصعيد الداخلي فإن الأثر المهم لتنامي أعداد المسلمين في بريطانيا، إنما يكمن في ممارسة المسلم لدوره الحضاري الإنساني المتنور في خدمة التعايش والاحترام وتعزيز أواصر الترابط والازدهار والتطور والإبداع، تحقيقاً للنهضة العقائدية والأخلاقية والمعرفية، التي جسدها الرسول الكريم محمد (ص) والمسلمون المبدعون في منارات مكانية مهمة قدمت للبشرية خدمات جليلة في عوالم الإنسانيات والبنى التحتية والفلك والعلوم والرياضيات والصحة والطاقة والهندسة وجميع مناحي التنمية. والمهم أيضاً أن يكون للمسلمين أثرهم في خدمة تعاليم دينهم السمح، بعيداً عن التشدد والتعصب ومحاربة الصورة النمطية التي حاول أعداء الدين الحنيف وأعوانهم المرتزقة إلصاقها بالإسلام من تزمت وقتل وانتحار، فالمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، محققاً ما ورد في القرآن الكريم: وكنتم خير أمة أخرجت للناس… فهل نرى قريباً مدناً بريطانية أخرى تنضم للندن في اكتشافها الفعلي للإسلام وتصالحها معه بعد أن مارست ما مارست من تجاهل واستعلاء؟ العبرة في العدد والتأثير وليس بالأحلام والأمنيات.. ننتظر ونرى!
|