|
كريم يونس ما بين ضياع العمر ونكبة الدهر في ذكرى ال 75 للنكبة
نشر بتاريخ: 06/05/2023 ( آخر تحديث: 06/05/2023 الساعة: 17:45 )
غادة عايش خضر لا مبرر لأناملك حين تختار حروف قاسية عاتية في وصف حقبة زمنية لم تنته بعد ، لا عذر لها في ترتيب أحداثها وأطوارها، ولا مسوغ لها فى تناسى أياً من حلقاتها وأجزائها، ورصد اعاصيرها الفُجائية وعواصفها الرعدية والضربات الإستباقية وأعنف ثوراتها والحرب الاختيارية . حين تكتب عن قضية وطنية ونكبة كارثية أصابت فلسطين وشعبها ، فهى ليست رواية تحتار في اختيار عنوانها وأبطالها ، وليست بمسلسل درامى تصنع نهايته عبر أفكارك البريئة والحبكة الدرامية الجريئة ، حين تكتب عن قضية محورية ، تاريخية ، مركزية لها أعماقها وجذورها في برتوكولات حكماء الصهيونية ، تتأرجح ما بين حق فلسطيني لا يسقط بالتقادم، واحتلال وظلم اسرائيلى إحدى مقوماته و أهم مرتكزاته ودعائمه البقاء و الاستمرارية. يبدو أن الأيام الجميلة انتهت دون سابق انذار ، وقضى عليها الاحتلال الإسرائيلى بالكامل منذ ٧٥ عاماً مضت دون عودة ، واجتازت فلسطين وشعبها أقسى انواع الإختبارات القصرية والجبرية ، ما بين الضياع والتهجير والقتل مع سبق الإصرار والتشريد ، وتغييب طبقة الانتليجنسيا الفلسطينية ، والاعتقال فى سجون المحتل الإرهابية ، وشارف أشهاد هذه الحقبة الزمنية على الانقراض والانتقال من على سطح الأرض الى باطنها وما الموت الا من سنن الله الكونية...... أيام قليلة تفصلنا عن ذكرى النكبة الفلسطينية ففي نهار يوم السبت ١٥/٥/١٩٤٨ تم اعلان السيطرة الصهيونية على أرض فلسطين التاريخية ، وما سبق ما هو تاريخ فاصل وحازم ، حاسم وجازم لما بعده من عقود ، وما قبله من سنون ، وحقب سوداء ظلامية ، في هذا اليوم المشئوم تغيرت الخريطة وتبدلت العريضة ، وباتت فلسطين الأرض المحتلة السليبة ، وبداية مرحلة جديدة عسيرة عنوانها الضياع ومسماها نكبة ضريرة ، نكبة تتلون ولها اطيافها ، فمن يُهدم بيته حلت علية النكبة ، ومن فقد فلذة كبده على ايادى العصابات اليهودية تجرع مرارة الفقد ، ومن تعرض للأسرِ في غياهب ومعتقلات الجيش الصهيونية أحاطت به نوائب الدهر وعزائم الصبر ، وكل ما سبق ما هو الا أشكال النكبة وصورها ، ورغم ذلك ..... فمن هُدِم بيته يُصر على اعادة بناءه من جديد ، ومن فقد احدى ابناءه ينجب غيره ، ومن يُعتقل ويقضى عقود من عمره داخل زنازين المحتل ويفرج عنه بعد قضاء محكوميته ...... ماذا يستطيع أن يفعل ؟؟ وماذا يقول ؟ ومن يعوضه عن ضياع أجمل سنوات العمر المسلوب ؟؟!!!!! الضياع صعبٌ حين تشعر بالوحدة والعزلة ، وقاسٍ حين تفقد أحبةً للأبد ، وموحش حين يبقى بيتك وكل ما تملك في قائمة الذكريات ، ولكن ما هو الضياع الحقيقي ؟؟؟؟ هو ضياع سنوات الشباب بعيداً عن أهلك وربعك ، عن قريتك وشوارع مدينتك ، عن دفاتر ذكرياتك وسنوات الطفولة ، عن أصدقاء الدراسة و زملاء العمل ، عن مواقف حزينة ومناسبات سعيدة مشارك أساسي فيها أو من ذويها ، الضياع هو الحرمان من تأسيس عائلة وانجاب اطفال كبقية البشر ، الضياع هو ان لا تلمح عيناك السماء وشروق الشمس وغروبها ووقت الظهيرة ، ولا تلمس يداك الرمل ، لا تجلس تحت الظل والشجر ، أن تُحرم من لذه السفر ، ان لا تستطيع الوصول الى شاطئ البحر ،ولا تبسط كفيك لإلتقاط حبات المطر ولا الصلاة في اولى القبلتين في اوقات السلم ولا ساعات الخطر . الضياع هو أن تعد الليالى والأيام والسنين ، أن تحرم لذة صلة الرحم في شهر رمضان والعيد ،أصعب ضياع أن يتكرر كل ماسبق على مدى اربعة عقود دون أى بارقة أمل أو حياة أو معنى للوجود ، أن يُفرج عنك من المعتقل بعد قضاء ٤٠ عام وما زال الوطن محتل وشعب غاضب يحتضر. بالطبع عرفتم عن من أتحدث، وقد كتبت عنه مراراً وتكراراً أنه الأسير المحرر كريم يونس جنرال الصبر والصمود ، فما زال العقل البشرى لدى لم يستوعب حتى الأن ما حدث قبل اربعون عام ، وما يحدث الآن وما سيحدث لاحقاً ، أنها الحياة غريبة في أفعالها وأقدارها ، لا نملك لك أيها الانسان وأيها المناضل الفلسطيني البطل كريم يونس سوى التحية ، لمن ضحى بنفسه وسنوات شبابه من أجل الدفاع عن وطنه ونيل الحرية ، لتحرير شعبنا وعدالة القضية، وما تسطره اناملنا عنك من كلمات عاجزة قليلة يا سيدي وللتاريخ بقية.
|