|
من جمال الحكمة وعمقها
نشر بتاريخ: 25/05/2023 ( آخر تحديث: 25/05/2023 الساعة: 00:22 )
د. سهيل الأحمد
مع أن المال يحرص عليه ويمكن المرء من تلبية رغباته ومتطلباته، ويحقق له ولغيره سعادة منتظرة بعد جهد وكد وتعب لاعتبار ذلك من أنواع الرزق ومقاصد السعي في الأرض كما أمر الله تعالى؛ إلا أن من تمام حسن الظن بالله أن ندرك بأن النِعَم ليست في المال فقط؛ إنما هي تكون كذلك بالطبع الجميل اللين الفرح فهو نعمة؛ وكذلك فإن المزاج الممتع والهاديء نعمة، وإذا أمضيت يومك بعيداً عن المكدرات فذلك رزق جميل ونعمة مطلوبة؛ وإذا تمكنت من إنجاز عملك وفق جدول زمني منضبط لم يؤثر على سائر الأعمال فهو من الحسنات والنعمات، ولتعلم أن ما يجمل الأرزاق أن تدقق في فضل نعمة القلب الرقيق وسلامته تجاه الآخرين، وأن تحب لهم ما تحب لنفسك، ولا تنس أن صحتك وعافيتك من أكبر النعم، وهي من مقامات الرزق العليا. ولذلك فمن أخلاقيات العدالة مع النفس والرأفة في التعامل معها، ومن دلالات صفاء المقاصد والنوايا وبشارات التوفيق، أن يؤدي المرء الحقوق التي عليه سواء أكانت من حقوق الله تعالى أم أنها من حقوق الناس، حيث يعد هذا الفعل والحرص عليه عنواناً للبركة ومن عمق حسن الشعور وسلامة المقصد، فمن المعلوم أنه لا يمكن لآكل الحقوق أو من يماطل في قضائها وأدائها بأن يضع نفسه في مخاصمة مع الله تعالى أو أن يكون في خانة من يدعو عليه الناس ويجعلهم ينتظرون له الهلاك والانشغال بنفسه ومتعلقاته، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "قَالَ اللّه: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، .... وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِه أَجْرَهُ " فهو سبحانه خصم لجميع الظالمين، إلا أنه أراد التشديد على هؤلاء بالتصريح" ، ومعنى رجل أعطى بي ثم غدر: أي أعطى بيمينه وقد عاهد عهدًا وحلف عليه بالله تعالى ثم يقوم بنقضه وعدم الوفاء به.. ويقصد برجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره": اي أنه استوفى منفعته بغير عوض، وكأنه أكلها؛ ولأنه استخدمه بغير أجرة وكأنه استعبده. فلا تحمل هم الدنيا فإنها لله، ولا تحمل هم الرزق فإنه من الله، ولا تحمل هم المستقبل فإنه بيد الله، فقط احمل همًا واحدًا، كيف تُرضي الله؟ لأنك لو أرضيت الله، رضي عنك وأرضاك وأغناك وكفاك، وهذا من جمال الحكمة وعمقها التي تقرر أيضُا؛ أنه لن يحكم أحد في ملك الله تعالى إلا بما اراد الله سبحانه.. فلا تقلق مما يدبر الناس لك ولغيرك فمن يريد هو الله تعالى ومن يقرر هو سبحانه.. فإن تحقق تدبيرهم فاعلم أن أقصى ما يقدرون عليه في كل حالاتهم هو تنفيذ إرادة الله.. وأنت بدورك مؤمن بقضاء الله وقدره.. وتعلم أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ.. فاحفظ الله يحفظك.. ولتعلم أن في القلب شعث: لا يلمه إلا الإقبال على الله، وعليه وحشة: لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته، وفيه حزن: لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق: لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار منه إليه، وفيه نيران حسرات: لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه طلب شديد: لا يقف دون أن يكون هو وحده المطلوب، وفيه فاقة: لا يسدها إلا محبته ودوام ذكره والإخلاص له، ولو أعطى الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبدًا..
|