وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الجاليات الفلسطينية

نشر بتاريخ: 27/05/2023 ( آخر تحديث: 27/05/2023 الساعة: 10:32 )
الجاليات الفلسطينية

هناك تعريفات متعدّدة للجالية، جميعها تصب في أنّ الجالية هي مجموعة من الناس الذين تركوا أوطانهم واستوطنوا في بلد آخر، قد يكون ذلك قسراً أو طوعاً، هذا بشكل عام. أمّا بالنسبة للفلسطينيين، قد يكون التعريف معمقّاً وأكثر تشابكاً، حيث أنّ هناك مصطلح "الشتات الفلسطيني" ومصطلح "اللاجئون الفلسطينيون"، وجميع تلك المصطلحات تصب فيما يسمى الجالية الفلسطينية، المكونة من اللاجئين الفلسطينيين، أيّ أؤلئك الذين هجّروا عام 1948، وقد يتضمن التعريف أيضاً اللاجئون الذين هجّروا عام 1967 والذين أطلق عليهم اسم "النازحون" لتمييزهم عن اللاجئين، كما تشمل الجالية الفلسطينية، الفلسطينيون من غير اللاجئين الذين يعيشون خارج فلسطين. وبالتالي، فإنه من المفروض أن يكون هناك جالية فلسطينية في معظم دول العالم، إن لم يكن جميعها.

ولكن هناك تساؤل حول إن كان الفلسطينيون الذين يعيشون في بلد عربي آخر يعتبرون جالية فلسطينية، وللإجابة على ذلك، من وجهة نظري، يكون وفق الفرضية الموضوعة، الفرضية الأولى هي: إذا كان مصطلح "جالية" يؤطر مجموعة من الناس تعيش في مجتمع يختلف في عاداته وتقاليده عن مجتمعها الأصلي، ويقومون بالحفاظ على عاداتهم وتقاليدهم ونسيجهم المجتمعي من خلال هذا الإطار، الذي يفترض أن يكون منظماً وله مرجعية، هنا لا نطلق على الفلسطينيين الذين يعيشون في الدول العربية مصطلح "جالية فلسطينية"، وذلك انطلاقاً من أنّ إقامتهم في بلد عربي تجعلهم جزء من المنظومة، حيث تشابه، إن لم يكن تماثل وتطابق العادات والتقاليد، الأمر الذي يختلف عنه عند الإقامة في الدول الأجنبية التي لا يكون الفلسطيني أو العربي فيها بشكل عام جزء من نسيج المجتمع الغربي، حيث اختلاف العادات والتقاليد والثقافة، وبالتالي يؤطر هؤلاء تحت مسمى "جالية" تسعى إلى الحفاظ على ذاتها، خوفاً من الاندماج في تلك المجتمعات والتأثر بعاداتها وتقاليدها وضياع هويتها وثقافتها.

من جانب آخر، وهذا ما أرجحه على الصعيد الشخصي، هي الفرضية أو الجدل القائل بأنّ أيّ مجموعة تعيش في بلد آخر، بغض النظر عن التماثل أو الاختلاف في العادات والتقاليد، يمكن إطلاق مصطلح "جالية" عليها، حيث تسعى إلى الحفاظ على هويتها، والمقصود هنا الهوية الوطنية التي تتضمن خصوصية معينة لكل بلد، وليس الهوية القومية التي تجمعنا كعرب مثلاً، فلا مانع من أن يكون هناك جالية مصرية في الأردن، وجالية عراقية في قطر، وجالية سعودية في العراق،....الخ.

أمّا القول بعدم وجود جالية فلسطينية في دولة معينة، كما هو الحال في فرنسا على سبيل المثال، والقول إنّ هناك عدة جاليات فلسطينية في ذات البلد، كإسبانيا مثلاً، حيث تعتبر كل مجموعة من الفلسطينيين المتواجدة في مدينة معينة، ذاتها أنها جالية فلسطينية منفصلة عن تلك الموجودة في مدينة أخرى، دون وجود أيّ تنسيق بين تلك المجموعات المنفصلة، فهذا كلام غير منطقي، حيث أنّ الفلسطينيين موجودون في كل مكان، كما أنّ لهذا الوضع دلالات تصب في أنّ هناك تهلهل بالجاليات من ناحية هيكلية، وهذا ناتج عن عدم تأطيرها بالدرجة الأولى، ومن ثمّ عدم توحدها، بسبب اختلاف الآراء والأهواء والانتماءات، بحيث أصبحت كل مجموعة من الفلسطينيين يجمعها قواسم مشتركة تعتبر ذاتها جالية منفصلة عن المجموعات الأخرى، الأمر الذي أدّى إلى اضطراب في الهوية الوطنية.

ومن تداعيات عدم تأطير الجاليات وتشتّتها وعدم توحدها، هو صعوبة دمقرطة وضعها في تلك الدول الموجودة فيها، والتحدّي في جمع أفرادها لحضور الاجتماعات أو الفعاليات، وعقد مؤتمر لتشكيل هيئة إدارية تكون مسؤولة عن إدارة شؤونها ومد يد العون لأعضائها عند الحاجة، كما أنّ هناك صعوبة في عملية التسجيل والانضمام للجالية كأعضاء، خاصة في دول أوروبا، ما يعني أنه لا يوجد لدى الفلسطينيين في تلك الدول الرؤية والبعد الوطني، ولا المرجعية الوطنية التي تلزمهم بالانصياع وتلبية النشاطات المختلفة، نظراً – كما ذكرت سابقاً- لاختلاف الآراء والانتماءات الحزبية والتعصب كل لانتمائه، الأمر الذي جعلنا في حالة تراجع، بدلاً من أن نكون في حالة تقدّم.

إنّ المحافظة على الهوية الفلسطينية أمر ضروريّ جداّ، وذلك من خلال تواجد وتجمّع الفلسطينيين، لتشجيع بعضهم البعض، ومساعدة بعضهم البعض في بلاد الغربة، بكل ما قد يحتاجه الشخص، حيث أنّ وجود أبناء الجالية حول الفرد في بلاد الغربة، تساعده في تدبرأموره.

هناك نوع من ضيق الأفق الذي يتمتع به بعض من أبناء شعبنا في الخارج بشكل عام، وفي أوروبا بشكل خاص، والناجم عن اختلاف مستوى المعرفة الوطنية والتربية الوطنية وقلتهما، وهذا أدّى إلى تراجع أداء الجاليات في بعض الدول نتيجة لعدم الوعي المعرفي بأهمية أن تكون منسجماً تحت إطار "الجالية"، وأن تشارك باجتماعاتها ونشاطاتها التي تصب في تعزيز الهوية الوطنية الفلسطينية، لذا أقول إنه من واجبات الأسرة الفلسطينية، أينما تواجدت، أن تحافظ على الهوية الوطنية من خلال تعريف وتوعية أبنائها بها، وكذلك من خلال التربية الوطنية.

وأختم بالمطالبة بتوحيد الجالية الفلسطينية في كل بلد تحت إطار واحد، ليكون كل فلسطيني عضواً من أعضاءالجالية مرجعية واحدة، وهذا يقع على عاتق السفارات الفلسطينية ودائرة المغتربين في منظمة التحرير الفلسطينية، التي يجب عليها أن تعمل وفق آلية منظمة لتوحيد الجاليات.