|
دلالات إستدعاء مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتسل في النسخة العشرين من مؤتمر هرتسليا
نشر بتاريخ: 04/06/2023 ( آخر تحديث: 04/06/2023 الساعة: 20:52 )
بقلم اللواء المتقاعد: أحمد عيسى المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي انتهى يوم الثلاثاء الماضي الموافق 23/5/2023 مؤتمر هرتسليا في نسخته العشرين، الذي ينظمه سنوياً معهد هرتسليا للسياسات والإستراتيجية (IPS) التابع لجامعة رايخمان الخاصة في مدينة هرتسليا. وعلى الرغم من تعدد المعاهد المتخصصة في قضايا الأمن القومي في إسرائيل، إلا أن معهد هرتسليا يعتبر الأكثر تأثيراً على صانع القرار في إسرائيل، إذ عادة ما تعتمد توصياته من قبل الحكومة والمؤسسة الأمنية، حيث كان من أهم توصياته بعد حرب العام 2006 على لبنان وصدور تقرير لجنة فينوجراد العام 2007 التي كلفت بالتحقيق في نتائج الحرب، إضافة ركيزة الدفاع الوطني على ركائز منظومة الأمن القومي الإسرائيلي الثلاث (الردع، الإنذار المبكر، الحسم السريع) التي كان قد وضعها رئيس الحكومة الأول لإسرائيل بن جوريون في مطلع خمسينات القرن الماضي، إذ جرى اعتماد هذه الركيزة، وشرع الجيش منذ العام 2008 في توظيف منظومة القبة الحديدية الأمريكية وتطوير منظومات دفاع أخرى إسرائيلية ضد الصواريخ والطائرات المسيرة. وفيما لم يصدر عن المعهد تقرير نهائي بعد بالتوصيات التي خرج بها المؤتمر، إلا أن هذه المقالة ستحاول تركيز الضوء على دلالات إستدعاء تيودر هرتسل في نسخة العام 2023 من المؤتمر، أي بعد مرور قرابة 130 عام على نشر هرتسل المؤسس الأول للحركة الصهيونية لكتابه دولة اليهود (1896) الذي تضمن رؤيته لإقامة دولة إسرائيل، وأصبح خطة عمل أجمع عليها المؤسسون الأوائل للدولة على الرغم من اختلاف رؤاهم لطبيعة وهوية الدولة المنشودة. وأجادل في هذه المقالة أن هذا الإستدعاء يبين بوضوح أيما وضوح أن إدارة المعهد والطواقم العاملة فيه الذين يعتبرون من الخبراء في كل ما يتعلق بالأمن القومي الإسرائيلي، وكذلك شركاء المعهد في رعاية هذه النسخة من المؤتمر، لم يعودوا يرون أن إسرائيل بعد مرور سبعة عقود ونصف على الإعلان عن قيامها قد انحرفت كثيراً عن رؤية هرتسل وحسب، بل أنهم وتأسيساً على خبرتهم في مجال الأمن القومي قد توصلوا لنتيجة مفادها أن قيادة إسرائيل السياسية خاصة حكومتها الحالية برئاسة نتنياهو تعمل في اتجاه معاكس للإتجاه الذي يحقق القوة الإستراتيجية المطلوبة لإسرائيل في مواجهة التهديدات المركزية الإستراتيجية التي تواجهها. ويبدو هنا أن إصرار القيادة السياسية للدولة على المضي في الإتجاه المعاكس لتحقيق القوة الإستراتيجية لإسرائيل قد زاد من منسوب القلق لدى طاقم إدارة المعهد على مستقبل إسرائيل، ويمكن ملاحظة هذا القلق وتلمسه في العنوان الرئيس الذي وسم به المؤتمر (الرؤية والإستراتيجية في مرحلة اللايقين)، لا سيما وأنه قد جرى اعادة انتاج هذ القلق في العنوان الفرعي للمؤتمر (الروابط المتبادلة بين الأمن القومي الإسرائيلي والمناعة القومية. وفيما يتعلق بالتهديدات التي تواجه إسرائيل للعام 2023، فقد ذكر اللواء المتقاعد عاموس جلعاد والذي يرأس معهد هرتسليا الآن، في محاضرة مشتركة له مع إثنين آخرين من طاقم المعهد في مطلع العام الجاري تحت عنوان (إسرائيل في العام 2023- رؤية إستراتيجية)، حيث اعتبر هذا الحوار كأحد الوثائق المرجعية للمؤتمر، أنه يقف على رأس قائمة التهديدات المركزية الإستراتيجية التي تواجه إسرائيل للعام الجاري، كل من إيران والصراع مع الفلسطينيين. وينبع التهديد الأول من حقيقة أن ايران لا تخفي أن أحد أهدافها الإستراتيجية هو تدمير دولة إسرائيل، واضاف جلعاد أن من يحاول انكار هذا الهدف من الإسرائيلين فهو أعمى، خاصة وأن إيران تستعد وتتجهز لتحقيق هذا الهدف سواء في المجال النووي أو الصاروخي أو الطائرات المسيرة او التكنولوجي أو بتحالفاتها في المنطقة، الأمر الذي يفرض على إسرائيل الإستعداد الجدي لمواجهة هذا التهديد. المفارقة هنا كما ذكر عاموس جلعاد، أن إسرائيل تسير في اتجاه معاكس، إذ بدل الإستعداد فهي تنفذ ما من شأنه إضعاف القدرة على مواجهة هذا التهديد، وللتوضيح يضيف جلعاد أن هناك حاجة للتفريق بين القوة العسكرية والقوة الإستراتيجية، إذ فيما تمتلك إسرائيل القوة العسكرية، إلا أنها مؤخراً بدأت تفقد القوة الإستراتيجية التي تمكنها من توظيف قوتها العسكرية، والمقصود بالقوة الإستراتيجية كما يشرح جلعاد هو التعاون المشترك على المستوى الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب الأوروبي، هذا التعاون الذي شرعت حكومة إسرائيل الحالية بضرب الأسس والمبادئ التي يقوم عليها من خلال هجومها على السلطة القضائية. أما التهديد الثاني الذي مصدره الفلسطينيين فقد قسمه عاموس جلعاد الى مستويين متداخلين، الأول هو تهديد مركزي إستراتيجي ويتمثل في الإنزياح الواضح نحو انتاج واقع الدولة الواحدة، والذي بدأت وتيرته تتسارع في تبني التيار اليميني الذي يحكم إسرائيل الآن لإستراتيجية معلنة وواضحة تسعى للقضاء على المعيقات التي تمنع ضم الضفة الغربية، حيث تتمثل هذه المعيقات في الإدارة المدنية وحرس الحدود الذين يعتبران جزء أصيل من مبني الجيش في الضفة الغربية، فالخطة الرامية لفصلهم عن الجيش ووضعهم تحت مسؤولية التيار اليميني الديني المتطرف ينطوي على تهديد لهوية إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية. ويتجلى المستوى الثاني لهذا التهديد في وضع الضفة ، فهو من جهة وفقاً لأقوال جلعاد يخدم إستراتيجية حماس الرامية الى اضعاف السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية والدفع بانهيارها، ومن جهة أخرى يخدم استراتيجية ايران، لا سيما إذا أصبح المسجد الأقصى مركز الصراع. ومن حيث المناعة القومية التي تعتبر من أهم مكونات الأمن القومي للدولة، فقد بين المسؤول عن مجال المناعة القومية في المعهد الدكتور ليئور أكرمان أن المناعة القومية للشعب في إسرائيل آخذة بالتآكل ويعود ذلك لغياب الرؤية عن الحكومات المتعاقبة في إسرائيل منذ فترة ليست قصيرة، إذ أصبحت إسرائيل تعمل بالقطعة ولا يمكنها الإدعاء ان تعمل وفق خطة إستراتيجية في أي من المجالات، الأمر الذي يهدد بمزيد من التآكل في المناعة القومية للمجتمع، لا سيما في ظل استمرار سعي الحكومة الحالية الى تطبيق رؤيتها التي يعارضها غالبية الشعب في إسرائيل. وفي ذات السياق جاءت خطابات رئيس هيئة الأركان في الجيش (هرتسي هاليفي) وكلمة مديرة المتحف اليهودي التابع لمعهد هرتسليا السيدة (ايرنا نبزلين)، مصدقة لتقدير المعهد الذي قدمه عاموس جلعاد وفريقه حيث ركز الأول على القوة العسكرية للجيش الإسرائيلي، واستعداده عسكرياً لمواجهة التهديدات، لكنه بدأ حديثه بحاجة إسرائيل للعودة لرؤية مؤسس الصهيونية ثيودور هرتسل، وكان لافتاً في هذا الشأن أنه وفور تسلمه منصبه كرئيس لأركان الجيش الإسرائيلي رقم (23) في بداية العام الجاري، وزع كتاب هرتسل (الدولة اليهودية) على كبار ضباط هيئة الأركان ليكون الملهم والموجه لهم تأدية مهامهم. أما نبزلين فكانت كلمتها التي كانت تحت عنوان ذو دلالة (إسرائيل ويهود العالم هل لا زال التضامن موجود) حيث ذكرت أن إسرائيل في أزمة ولكي تخرج من أزمتها فهي بحاجة لقيادة ذات رؤية، أطلقت عليها الطبعة الثانية من رؤية هرتسل. ووفقاً لما تقدم فإن هذه المقالة تقول أن الإستخلاص النهائي لمؤتمر هرتسليا بنسخته العشرين يقول أن إسرائيل دولة قوية جداً من الناحية العسكرية لكنها تفقد قوتها الإستراتيجية، علاوة على أنها ابتعدت كثيراً عن رؤية مؤسس الحركة الصهيونية هرتسل، والأهم أنها تعمل بلا رؤية وبلا خطة استراتيجية في الوقت الذي تواجه فيه تهديدات مركزية إستراتيجية سواء تلك المتمثلة في مقاصد إيران أو تلك التي مصدرها الصراع مع الفلسطينيين. |