"نفحة تتحدث" باللغة التركية الأهمية والدلالات
نشر بتاريخ: 20/06/2023 ( آخر تحديث: 20/06/2023 الساعة: 20:18 )
حسن عبد الله
في احتفالية ضمت عدداً كبيراً من مثقفين وسياسيين وإعلاميين وباحثين فلسطينيين وأتراك وأسرى محررين ، و بمشاركة فاعلة للسفارة الفلسطينية في تركيا، تم إطلاق النسخة التركية من كتاب نفحة تتحدث بتوقيع الفريق جبريل الرجوب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح- مؤلف الكتاب الذي جمع بين دفتيه شهادات حية لمشاركين فاعلين في إضراب نفحة في العام 1980.
حملت ترجمة الكتاب للغة التركية وبمبادرة نشطاء ومؤسسات تركية دلالات مهمة تصدرتها الدلالتان التاليتان : أولاً قيمة الكتاب النضالية والوطنية والتاريخية والسياسية والأخلاقية.
وثانياً الكاتب هو في الأصل أسير محرر، قد سلخ من عمره سبعة عشر عاماً في الاعتقال، وشارك في إضراب نفحة مضرباً وقائداً، وهو الذي بحث عن مسودة كتابه التي كتبت بخط اليد في المعتقل ليجدها بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على كتابتها، وبالتالي فإن الكتاب وثيقة حية صاغتها تجربة نضالية، أي أن الكتاب ليس من ورق وإنْ بدا كذلك وإنما من صبر وكد وكدح وأعصاب، ومن عبق أولئك الذين ارتقوا في الإضراب المذكور بعد أن وضعوا أرواحهم على أكف إرادتهم.
سبق لي أن قدمت قراءة مفصلة للكتاب حينما أطلق مركز أبو جهاد النسخة الأصلية باللغة العربية قبل عشر سنوات في متحف محمود درويش، حيث أشرت إلى أن إضراب نفحة موضوع الكتاب هو فعل جماعي بشراكة وطنية كاملة، فالجماعية هو التي صاغت الموقف ومضت في ترجمته حتى النهاية، وهنا تكمن أهمية التجربة، لأن الحركة الأسيرة في تلك الفترة استمدت قوتها من جماعيتها ومن شراكة فصائلها ومن توافر قيادة كفؤه، وما كان للفرد أن يتصرف بمنأى عن الجماعة، لأن البطولة في التجربة للجماعة، ليصبح تلقائياً كل من انضوى في إطار الجماعة وتحرك بوحيها بطلاً بحد ذاته، ضمن جدلية العلاقة بين الفرد والجماعة.
لفت انتباهي كباحث وأنا أبحث في التجربة الثقافية والإبداعية للمعتقلين الفلسطينين أن المراحل الثقافية بعناوينها العامة والفرعية ترتبط بإضرابات جماعية كبيرة وشاملة، وفيما يلي أسوق على سبيل المثال لا الحصر بعض الأمثلة: في إضراب عسقلان 1970 تم تحقيق مطلب الدفتر والقلم، وفي إضراب نفحة 1980 أصبحت الصحف الفلسطينية والعبرية اليومية متاحة للمعتقلين كنتيجة للإضراب، ما كسر العزلة المفروضة عليهم ، وفي العام 1984 نجح الإضراب في تحقيق مطلب الراديو والتلفاز.
تداخلت خمسة أبعاد في كلمة الفريق الرجوب في حفل إطلاق الكتاب باللغة التركية وهي:
البعد الأول الأسير المحرر.
البعد الثاني من منطلق مشاركته في التجربة والوقوف على كل تفاصيلها منذ كانت فكرة إلى أن حققت ما حققته.
البعد الثالث يتحدث الرجوب اليوم عن التجربة بعيني وضمير القائد الوطني الذي يقرأ الإضراب بعمق من موقع الحاضر، وكيف يمكن استدعاء تجارب من الماضي لإنعاش الذاكرة من جهة واستخلاص العبر من جهة أخرى.
البعد الرابع تجربة الرجوب الغنية في الساحة الدولية، في السياسة والرياضة والثقافة، وإدراكه أهمية ألا نظل نتحدث عن أنفسنا لأنفسنا بل ينبغي دائماً أن نسمع الآخرين صوت تجاربنا.
البعد الخامس يتعلق بأهمية التوثيق والتأريخ لمحطات مهمة في التجربة الوطنية الفلسطينية لاسيما وأن هناك قصوراً في التوثيق والتأريخ لتموت قصص وأحداث ومواقف بموت أصحابها كما حدث في ثورة 36 أو في النكبة وصولاً إلى الانتفاضة الأولى وما بعدها، الأمر الذي يبرز أهمية وجدوى إصدار الكِتاب لحفظ هذه التجربة وحمايتها من النسيان.
إننا نقرأ كتاباً يتحدث عن تجربة عمرها الآن"٤٣" عاماً، لكن الرجوب يرويها وكأنها حدثت للتو، لأنها في ذاكرته طازجة متجددة.
في الكتاب وفي الاحتفالية، كان من الطبيعي أن تتجسد وحدة حدَّ التلاحم بين أسير محرر وقائد وطني حالي يتمتع بقدرة استشرافية ترى الأمور بإحساس الأسير ومسؤولية القائد.. كيف لا؟ والفريق الرجوب شارك في عدد من الإضرابات الجماعية المفتوحة، إلى جانب إضراب فردي اضطراري دفاعي خاضه عندما تعرض لتحقيق طويل ولم يكن قد مضى بعد سوى بضعة أشهر على تحرره في عملية تبادل الأسرى في العام 1985.